ستواجه أية خطة أميركية لإيصال المساعدات إلى غزة، من مرفأ عائم في البحر، تحديات أمنية جمّة، على رأسها التعرّض لنيران معادية، فضلا عن تجمهُر حشود من المدنيين اليائسين على الساحل.
ومن المتوقع أن يشارك أكثر من ألف جندي أميركي في هذه العملية، فيما لن يكون هناك "جنود على الأرض"، وفقاً لوزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).
وللمساعدة في إنجاز هذه المهمة، دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع شركة خاصة لا تحظى بشهرة واسعة تُدعى "فوغبو" ويديرها مسؤولون سابقون في الجيش والمخابرات الأميركية.
وتستهدف هذه العملية إيصال مليونَي وجبة غذائية يوميا إلى قطاع غزة، حيث تحذر الأمم المتحدة من مجاعة "شبه مؤكدة".
وفيما يلي نسرد ما نعرف عن هذه العملية اللوجستية الضخمة.
كيف ستنصب الولايات المتحدة المرفأ العائم؟
وفقاً للبنتاغون، تشتمل الخطة على مكونين أساسيين يتعين تجميعهما معا: مَرسى ضخم عائم مصنوع من قِطع فولاذية وطريق ممهّد من حارتين بطول 548 مترا (1,800 قدما) ورصيف.
وسيتكون الطريق الممهّد من قِطع فولاذية كلّ منها بطول 12 مترا (40 قدما) متصلة معا لغاية الساحل.
وستصل سفن الشحن محمّلة بمواد المساعدات إلى المرسى، ثم يجري تفريغ الحمولات في مجموعة من المراكب والسفن الصغيرة –المعروفة باسم سفن الدعم اللوجستي- قبل أن تؤخذ هذه إلى رصيف الميناء على الساحل.
ومن على الرصيف، ستتولى الشاحنات مهمة نقل مواد المساعدات إلى اليابسة ومن ثم إلى داخل قطاع غزة.
وسيصل الطريق الممهّد بين المرسى الضخم العائم في البحر وبين الساحل، بحيث لا تضطر الولايات المتحدة إلى نشر قوات على الأرض في غزة. وتدعم الولايات المتحدة إسرائيل كحليفة لها، فيما تصنّف حركة حماس كمنظمة إرهابية.
ويُعرف هذا المشروع الإنشائي البرمائي رسميا باسم "اللوجستيات المشتركة على الساحل"، وسبق أن استخدم الجيش الأميركي مشروعا شبيها له في كل من الكويت وهايتي وأميركا الوسطى في مهام إغاثية.
وكانت نُسخ مبكرة شبيهة بهذا المشروع قد استُخدمت في الحرب العالمية الثانية بعد غزو نورماندي في يوم الإنزال (السادس من حزيران (يونيو) 1944).
وفي تموز (يوليو) من العام الماضي، استخدمت وزارة الدفاع الأميركية نُسخة شبيهة من هذا المشروع خلال مناورات كبيرة في أستراليا.
وفي حديث لبي بي سي، قال الكولونيل المتقاعد من سلاح مشاة البحرية مارك كانسيان: "يفضّل الجيش، بالطبع، وجود مرفأ عامِل، فهذا يسهّل كل شيء".
واستدرك كانسيان، الخبير في التخطيط للعمليات البرمائية، قائلا: "لكن ذلك لا يكون دائما متيسرا، إمّا لوجود صراع أو حتى في أوقات السلم في المهام الإنسانية. وهنا يأتي دور ‘اللوجستيات المشتركة على الساحل’".
ماذا نعرف عن شركة فوغبو، وما الدور الذي ستلعبه؟
شركة فوغبو يديرها كل من: اللفتنانت كولونيل السابق بسلاح مشاة البحرية سام ماندي، والذي سبق وقاد قوات في الشرق الأوسط؛ والضابط السابق بقوات المخابرات المركزية الأميركية شبه العسكرية مايك مالروي، والذي يشغل حاليا منصب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط.
ولم تُنشر تفاصيل المهام التي ستقوم بها الشركة للعلن حتى الآن. لكن مصدراً على علم بالخطة قال لبي بي سي إن العملية فوغبو -المصطلح على تسميتها داخليا باسم "بلو بيتش بلان"- تتلخص بشكل أساسي في تنظيم حركة المساعدات لدى وصولها إلى ساحل غزة.
وسيجري تفريغ الحاويات وسفن الشحن، وستُحمّل المساعدات على شاحنات تنقلها بدورها إلى نقاط توزيع في داخل غزة، وذلك في إطار خطة حظيت بموافقة حكومتَي الولايات المتحدة وإسرائيل.
وعلمت بي بي سي أن شركة فوغبو لا تزال تتطلع إلى تمويل، وأنها أطْلعت عددا من الحكومات في أوروبا والشرق الأوسط على الخطط.
وعلى مدى أطول، تخطط فوغبو لإنشاء مؤسسة تديرها جهات مانحة من أجل إدخال المساعدات إلى غزة.
كيف سيتم معالجة التحديات الأمنية؟
يقول خبراء عسكريون إن نجاح الخطة مرهون بالشِق الأمني، سواء فيما يتعلق باحتمالية التعرّض لنيران معادية في منطقة الصراع الذي لا يزال محتدما، أو فيما يتعلق بحشود المدنيين المتدافعين على شحنات المساعدات.
ويرى الأدميرال المتقاعد مارك مونتغومري أن العملية تتطلب إقامة "غلاف أمني" سواء على الساحل أو في المياه الضحلة القريبة منه.
يقول مونتغومري، الخبير في توصيل المساعدات الإنسانية: "لا يمكن السماح بوصول مدنيين إلى رصيف الميناء، فقد يصل والدان يتطلعان في يأس إلى تأمين غذاء لأطفالهما – أو قد يصل مَن يحاول قتل شخص ما. ومن شأن ذلك أن يوقف سير العمليات".
وقال مصدران على علم بالخطة لبي بي سي، إن الجيش الإسرائيلي سيقوم بعملية تأمين "خارجية" لمنع حشود المدنيين من الوصول إلى الساحل ولجعل المنطقة آمنة. أما مهمة توزيع المساعدات فسيتولاها فلسطينيون محليون وغير مسلحين.
ولن تشارك فوغبو في مهمة التوزيع، بل سيقتصر دورها على مهام لوجستية، بحسب التوقعات.
وبينما يقول البنتاغون إنه لن توجد قوات أميركية على الأرض في غزة، يقول خبراء إن الواقع قد يكون أكثر تعقيدا.
وفي ذلك يقول مونتغومري: "سيتعين على الناس تقديم إرشادات حول الطريقة التي ينبغي أن تسير بها الأمور ... سيكونون في حاجة إلى الوجود في المكان لتنظيم مجريات الأمور وللتأكد من أننا نرسو في الموقع الصحيح".
ويضيف مونتغومري قائلا إذا لم يكن ذلك الشخص الموجود على الساحل جنديا أميركيا، فسيكون مقاولا من ذوي الخبرة، أو ربما عسكريا أميركيا متقاعدا.
ما هو الفارق الذي ستحدثه شحنات المساعدات؟
وفقا لوزارة الدفاع الأميركية، سيؤمّن هذا الرصيف المؤقت دخول مليونَي وجبة يوميا إلى قطاع غزة – أكبر بكثير مما يمكن إدخاله حاليا من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر أو عبر عمليات الإنزال الجوي.
وفي وقت سابق من الأسبوع الجاري، قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية ماثيو ميلر إن ما دفع إلى التفكير في العملية البحرية هو أن الخيارات الأخرى غير كافية.
ونوّه ميلر إلى أنه لا بديل عن المساعدات التي تدخل بريا عبر الشاحنات، والتي تعدّ أسرع الطرق وأكثرها فاعلية في هذا المضمار. لكن منظمات الإغاثة تقول إن القيود الإسرائيلية تحول دون دخول الكميات المطلوبة.
وتقول منظمات إغاثية ومسؤولون أميركيون إن زيادة الشحنات التي تصل برا لا تزال هي الخيار العملي الوحيد لتلبية الاحتياجات، ريثما يتم الانتهاء من إنشاء الرصيف البحري.
ويقول مونتغومري: "حتى في أفضل السيناريوهات، لن يتم الانتهاء من إنشاء الرصيف البحري كآلية توصيل فعالة قبل ما يقرب من شهرين .. وعلينا أن نأخذ ذلك في الحسبان بينما نعالج التحديات الإنسانية على مدى الـ 45 يوما المقبلة".
ويمكن للعملية أن تنجز مهامها بشكل مؤقت حتى من قبل بناء الرصيف. وقد علمت بي بي سي، أن شركة فوغبو تفتّش عن مرسى على الساحل بما يسمح للمراكب أن تدنو بما يكفي من الشاطئ بحيث يمكن تفريغ المساعدات في الشاحنات.
وتفكر جهات أخرى في استكشاف مسار بحري لإيصال المساعدات، في مواجهة صعوبة إيصالها براً. وقد أبحرت من قبرص مؤخرا سفينة إسبانية تسحب بارجة محملة بـ 200 طن من المواد الغذائية.
التعليقات