على بعد ألف ميل شرق غزة، يتم تحميل كميات كبيرة من المساعدات على متن طائرة نقل عسكرية أميركية، ويظهر طاقمها وهو يلقي نظرة خاطفة على المناظر الطبيعية الصحراوية المحيطة بقاعدة العديد الجوية في قطر.
قاموا بدفع 80 صندوقا إلى داخل الطائرة، كل كتلة مغلفة بالقماش ومربوطة بلوح تحميل من الورق المقوى ومتصلة بمظلة.
إن إطعام غزة أصبح الآن عملية معقدة ومحفوفة بالمخاطر ومتعددة الجنسيات. ونفذ سلاح الجو الملكي البريطاني أول رحلتين للمساعدات هذا الأسبوع. وتشارك أيضا فرنسا وألمانيا والأردن ومصر والإمارات العربية المتحدة في إنزال المساعدات.
- لماذا أصبح وصول المساعدات إلى شمالي غزة صعباً؟
- محكمة العدل الدولية تطالب إسرائيل بضمان وصول الإمدادات الغذائية إلى سكان غزة دون تأخير
وكانت هذه هي المهمة الثامنة عشرة التي تقوم بها القوات الأميركية. إن إسقاط 40 ألف وجبة جاهزة في منطقة الحرب الصغيرة المحاصرة يتطلب منهم القيام برحلة ذهابا وإيابا مدتها ست ساعات من الدوحة.
وهي أكثر تكلفة وأقل كفاءة من الطرق الأخرى لتقديم المساعدات، كما أنه من الصعب السيطرة عليها.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، يُعتقد أن 12 فلسطينيا قد غرقوا أثناء محاولتهم انتشال طرود المساعدات التي سقطت في البحر. وبحسب ما ورد فقد قضى ستة آخرون أثناء التدافع للوصول إلى المساعدات.
وقال الرائد بون، قائد المهمة، وهو يقف تحت علم أميركي كبير عند مدخل قمرة القيادة: "نحن على علم بجميع الأخبار، ونحاول الحد من الخسائر البشرية".
"نقوم بكل شيء حرفيًا وبما نستطيع.. نستخدم مظلة تسقط بمعدل أبطأ لتعطي الغزاويين مزيدًا من الوقت لرؤية المظلة والابتعاد عن طريقها".
"نعمل أيضا -بطرق مختلفة- على رصد منطقة الإنزال، لذلك لن نقوم بالعملية إذا كانت هناك أي مجموعة من الأشخاص هناك".
وقال إنهم رسموا خريطة للطريق بعناية، بهدف إنزال المساعدات في مساحات مفتوحة وأكثر أمانا على طول ساحل غزة، ولكنهم يلقون الطرود فوق البحر حتى تسقط الصناديق التي تحتوي على مظلات معطلة في الماء، وليس على المباني أو الأشخاص.
لا شيء من هذا سهل.
ويمكن سماع صوت طائرة شحن عسكرية ثقيلة على بعد أميال، ما يعني أن الحشود تتجمع بسرعة لمتابعتها.
ويدفع اليأس الكثيرين إلى المخاطرة الهائلة من أجل الحصول على المساعدات، وكثيرون منهم يعودون بلا شيء.
وتزداد المخاطر بسبب عدم وجود أي توزيع منظم للمساعدات بمجرد وصولها إلى الأرض.
وبينما كنا نهبط على ارتفاع منخفض فوق غزة، ينفتح سلم الطائرة ليكشف عن ضواحي عاصمة القطاع المدمرة، وتبرز أبراجها المتبقية مثل أسنان عارية وحيدة.
يتم إسقاط الطرود الغذائية الأميركية في الأماكن التي تركت فيها الأسلحة أميركية الصنع بصماتها بالفعل.
كانت الطرق تحتنا على طول الساحل مزدحمة بالناس والمركبات، وكانت تتحرك بسرعة في نفس الاتجاه، ويبدو أنها تتسابق مع الطائرة.
شاهدنا المظلات تنزلق بسرعة، ومبتعدة عن أنظارنا في ثوانٍ. نجح العديد منها بالتحليق فوق الماء، لكن اثنتين منها تحطمتا مباشرة في البحر.
وقال الرائد، ريان ديكامب، المتحدث باسم القوات الجوية الأميركية ردا على سؤال عما إذا كان إسقاط المساعدات هو الحل الأمثل لأزمة الجوع في غزة بأن "الأمر ليس مثاليا".
"نحن نعلم أن هناك ما يزيد عن مليوني شخص يحتاجون إلى الغذاء على الأرض - مدنيون أبرياء لم يطالبوا بهذا الصراع - ونحن نسقط عشرات الالاف من وجبات الطعام".
"هل يبدو الأمر وكأنه قطرة في بحر؟ ربما قليلاً، ولكن إذا حصلت عائلة على الأرض على بعض هذه المساعدات، فقد تكون منقذة للحياة".
وعلى الأرض في غزة، شاهد صحفي يعمل مع بي بي سي سقوط المظلات الأميركية. وأحصى 11 عملية إسقاط جوي في ذلك اليوم. وبحسب ما ورد يقضي بعض السكان في المناطق الشمالية أيامهم في مراقبة السماء بحثا عن طائرات المساعدات.
وقال أحمد طافش، وهو أحد سكان مدينة غزة، "لقد حاولنا مرتين هذا الصباح ولكن دون جدوى.. إذا تمكنا على الأقل من الحصول على علبة من الفول أو الحمص لإعالة أنفسنا، نأمل أن نأكل اليوم. لقد استهلك الجوع معظم الناس، ولم يعد لديهم طاقة".
وحذر تقييم عالمي حديث من مجاعة وشيكة في غزة، ما دفع محكمة العدل الدولية هذا الأسبوع إلى إصدار أمر لإسرائيل بالسماح بالسماح بتدفق فوري "دون عوائق" للمساعدات.
وقال الرائد بون: "إذا كان الناس يتضورون جوعا ونقدم لهم الطعام، فهذا أفضل ما يمكننا القيام به الآن".
"أعلم أن هناك أشخاصا آخرين يحاولون (عبر طرق) تستغرق وقتا أطول.. تم إخطار فريقي (بالمهمة) من طائرات C17 وخرجوا إلى هنا في غضون 36 ساعة، ونبذل كل ما في وسعنا لتوصيل الطعام إلى الأشخاص الذين يحتاجون إليه".
ورفضت إسرائيل تقييم المجاعة وأمر محكمة العدل الدولية، قائلة إن المزاعم بأنها تمنع المساعدات "لا أساس لها من الصحة على الإطلاق.. وأن حماس تسرق المساعدات".
لكن المساعدات الإنسانية لغزة هي إحدى القضايا، التي تفصل بين الولايات المتحدة وإسرائيل حول هذه الحرب في الوقت الحالي.
وتقوم الولايات المتحدة ببناء رصيف مؤقت في غزة لإدخال المزيد من المساعدات بسرعة. ولم يتم فتح ميناء الشحن الأكثر ازدحاما في إسرائيل، والذي يقع على بعد 48 كيلومترا من مدينة غزة، أمام المساعدات.
ويضغط الرئيس الأميركي، جو بايدن، على رئيس الوزراء الإسرائيلي بشدة لتوسيع نطاق وصول القوافل البرية، وهي الطريقة الأفضل لإدخال كميات كبيرة من المساعدات بسرعة.
إن مشاهد الأطفال المرضى الذين يعانون من سوء التغذية، وهم يموتون في مستشفيات غزة، تعمل على تقليب السياسة الانتخابية في أميركا، ولكن بايدن حتى الآن غير راغب في استخدام إمدادات الأسلحة الأميركية كوسيلة ضغط لتحقيق مطلبه.
وتتضاعف رحلات المساعدات بين الدول العربية والغربية. وهي محفوفة بالمخاطر وغير فعالة، وتسقط كميات صغيرة من الطعام على السكان اليائسين.
وتقاس قيمتها بسؤالين بسيطين: إلى أي مدى تخفف الضغط عن سكان غزة، وإلى أي مدى تخفف الضغط عن الحكومات في أماكن أخرى؟
التعليقات