قطاع غزة: تدخل الحرب بين إسرائيل وحماس شهرها السابع الأحد، في وقت تستعد القاهرة لاستضافة مباحثات جديدة حول اتفاق هدنة يتيح الإفراج عن الرهائن المحتجزين في قطاع غزة وإدخال مزيد من المساعدات الى القطاع المحاصر حيث ينتشر الدمار والمعاناة والعوز.
ومنذ اندلاعها في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إثر هجوم غير مسبوق شنّته حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على جنوب الدولة العبرية، تسبّبت الحرب بدمار واسع في القطاع الفلسطيني وحصيلة قتلى تجاوزت ال33 ألفا وانهيار القطاع الصحي، وبالتالي بظروف إنسانية جعلت أكثر من مليوني شخص، غالبيتهم من النازحين، على مشارف المجاعة.
في إسرائيل، يزداد القلق على الرهائن الذين لا يزالون محتجزين في قطاع غزة، وينظّم عشرات آلاف الإسرائيليين بشكل شبه يومي تظاهرات احتجاجية للمطالبة بالتوصل الى اتفاق يفرج عن مخطوفيهم، كما يطالبون بانتخابات جديدة لإسقاط حكومة بنيامين نتانياهو.
في الوقت ذاته، تجد إسرائيل نفسها تحت ضغط تبدّل لهجة حليفتها الولايات المتحدة، بعد أن طالبها الرئيس الأميركي جو بايدن بحماية المدنيين وإبرام اتفاق لوقف النار وإطلاق الرهائن.
ويرتقب أن يبحث مسؤولون من الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر وحماس في العاصمة المصرية، في اتفاق للهدنة.
وأوردت قناة "القاهرة الإخبارية" القريبة من الاستخبارات المصرية أن الاجتماعات ستعقد الأحد، وسيشارك فيها رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وليام بيرنز، ورئيس الموساد الإسرائيلي ديفيد برنيع، ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني. ويمثّل الجانب المصري رئيس المخابرات العامة عباس كامل.
كما أكدت حماس مشاركة وفد منها برئاسة القيادي خليل الحية، في المحادثات.
وذكّرت بأن مطالبها للاتفاق "تتمثّل بوقف دائم لإطلاق النار، وانسحاب قوات الاحتلال من غزة، وعودة النازحين الى أماكن سكنهم وحرية حركة الناس وإغاثتهم وإيوائهم، وصفقة تبادل أسرى جدية"، مؤكدة أن "لا تنازل عنها".
وسبق للطرفين أن أبرما هدنة استمرت أسبوعاً في أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) وأتاحت الإفراج عن أكثر من مئة رهينة وإطلاق سراح 240 من المعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
"الموت حتى نرتاح"
بعد ستة أشهر من عمليات قصف جوي ومدفعي وعمليات برية تنفذّها إسرائيل بلا هوادة، بلغت المعاناة الإنسانية في قطاع غزة مستويات غير مسبوقة.
وقالت رنا لبّاد (41 عاما)، وهي أم لأربعة أطفال تقيم لدى أقارب في مخيم جباليا في شمال قطاع غزة بعدما دمّر القصف منزلها، "ما يحدث لنا حرام وعار على العالم كله".
وأضافت لوكالة فرانس برس "الأطفال يموتون من الجوع. خسرت أكثر من 17 كلغ (من وزني). ابني الصغير يطلب مني طعاما ولا أجد ما أعطيه إياه. نذهب للسوق للعثور على شيء نأكله، لا نجد شيئا، وإن وجدنا...ليس معنا ثمنه".
وتابعت "أكلنا طعام الطيور والدواب وحتى هذا لم يعد متوفراً ولم تعد أجسادنا تتحمّله... أشعر بالقهر والحسرة كل ثانية وأتمنى الموت لي ولاطفالي حتى نرتاح من هذا العذاب".
وقال محمد يونس (51 عاما)، وهو أب لستة أبناء من سكان بيت لاهيا في شمال القطاع حيث الجوع ونقص الغذاء أكثر إلحاحا، "ماذا أقول؟ الحيوانات تعيش أفضل منا".
وأضاف "نموت من الجوع والمرض والحسرة على منازلنا التي دمّرت وأهلنا الذين استشهدوا وأصيبوا... ذهب كل شيء".
وتابع "ماذا يريدون (الإسرائيليون) أكثر مما فعلوه؟ ستة شهور، يعني نصف عام والقصف والتجويع مستمران. من لم يمت بالقصف يموت من الجوع".
واندلعت الحرب في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) مع شن حركة حماس هجوما غير مسبوق على جنوب إسرائيل أوقع 1170 قتيلا غالبيتهم من المدنيين، بحسب تعداد أجرته وكالة فرانس برس استنادا إلى أرقام إسرائيلية رسمية.
كما خُطف خلال الهجوم نحو 250 شخصاً ما زال 129 منهم رهائن في غزة، ويُعتقد أن 34 منهم لقوا حتفهم، وفق تقديرات رسمية إسرائيلية.
وردّت إسرائيل متعهدة بـ"القضاء" على حماس، وتشن منذ ذلك الحين حملة قصف مكثف وهجوم بري واسع النطاق، ما تسبب بمقتل 33137 شخصا، معظمهم من النساء والأطفال، وفق وزارة الصحة في حكومة حماس، وخلّف دمارا هائلا.
وأعلن الجيش الإسرائيلي فجر الأحد مقتل أربعة جنود في قطاع غزة، ما يرفع حصيلة الجنود الذين قتلوا منذ 27 تشرين الأول (أكتوبر) الى 260.
ومع تصاعد الحصيلة البشرية والأزمة الانسانية وخطر المجاعة في القطاع الذي يقطنه 2,4 مليون نسمة، شدّدت واشنطن الداعمة لإسرائيل لهجتها حيال الدولة العبرية هذا الأسبوع.
وعلى خلفية التباينات المتزايدة بين الإدارة الأميركية ونتانياهو، توجه زعيم المعارضة الاسرائيلية يائير لابيد الى واشنطن السبت لإجراء محادثات مع مسؤولين كبار، وفق ما أفاد حزبه.
ويواجه نتانياهو ضغوطا متزايدة في الداخل أيضا.
مساء السبت، نظّمت تظاهرات حاشدة في تل أبيب ومدن أخرى طالبت باستقالته وإجراء انتخابات مبكرة والتوصل لاتفاق بشأن الرهائن الذين قضوا "ستة أشهر في الجحيم"، وفق ما كتب في إحدى اللافتات.
وكان الجيش الإسرائيلي أعلن السبت أنه استعاد جثة الرهينة إلعاد كتسير في جنوب قطاع غزة، مشيرا الى أنه كان خطف من كيبوتس نير عوز خلال هجوم حماس. وذكر أنه قتل خلال احتجازه على أيدي حركة الجهاد الإسلامي.
ووجّهت شقيقة كتسير انتقادات الى المسؤولين الإسرائيليين، معتبرة أنّ إبرام اتفاق هدنة مع حماس كان ليتيح عودة شقيقها على قيد الحياة.
"حرب ضد الانسانية"
وقالت لينا دروباشفسكي الأحد ردّا على سؤال لفرانس برس حول مرور ستة أشهر على الحرب، "أنا حزينة فعلا على الأذى الذي يلحق بحياة الناس" في قطاع غزة، مضيفة "لكن هل أحمّل إسرائيل مسؤولية ذلك؟ لا. الجنود الذين يرسلون الى هناك يخاطرون بحياتهم ويخوضون حربا ضد منظمة إرهابية".
لكنها تابعت "نريد ان نتمسك بأمل بأن هناك حلا".
في الأيام الماضية، شدّدت دول غربية حليفة تقليديا لإسرائيل، لهجتها حيال الدولة العبرية، خصوصا في أعقاب مقتل عاملين إنسانيين بقصف مسيّرة إسرائيلية في غزة الإثنين.
وقال رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك السبت إنّ لندن "مصدومة من حمام الدم" في غزة و"هذه الحرب الرهيبة يجب أن تنتهي... يجب إطلاق سراح الرهائن" وأن "تتدفق المساعدات".
وشدّد على أن "أطفال غزة بحاجة إلى هدنة إنسانية فورية تؤدّي إلى وقف إطلاق نار مستدام طويل الأمد"، معتبراً أنّ هذه هي "أسرع طريقة لإخراج الرهائن وإيصال المساعدات".
وقتل سبعة عاملين مع منظمة "وورلد سنترال كيتشن" (المطبخ المركزي العالمي)، هم ستة أجانب وفلسطيني، جراء قصف مسيّرة طال ثلاث سيارات كانت تقلهم في دير البلح في وسط قطاع غزة. وأقرّ الجيش الإسرائيلي الأربعاء بارتكاب سلسلة "أخطاء فادحة"، قائلا إنه كان يستهدف "مسلحا من حماس".
واتهم مؤسس "وورلد سنرال كيتشن" الطاهي خوسيه أندريس الجيش الإسرائيلي بـ"استهداف كل ما يتحرك (في غزة) منذ ستة أشهر".
وأضاف في تصريحات لقناة "ايه بي سي" الأميركية، "الأمر لا يشبه حربا ضد الإرهاب، لم يعد يشبه حربا للدفاع عن إسرائيل. في هذه المرحلة، الأمر يشبه فعلا حربا ضد الانسانية بذاتها".
وتدخل المساعدات الخاضعة لمراقبة إسرائيلية صارمة بكميات ضئيلة جدا إلى غزة من خلال معبر رفح الحدودي مع مصر جنوباً. كما تقوم بعض البلدان بإلقاء مساعدات جوا، غير أن ذلك لا يكفي لتلبية حاجات السكان الهائلة. وأعلنت إسرائيل، تحت الضغوط، انها ستسمح بزيادة دخول المساعدات من معابر برية بينها وبين القطاع.
ضربات في شرق لبنان
على الجبهة بين حزب الله وإسرائيل، شنّت إسرائيل فجر الأحد غارات جوية على محافظة البقاع في شرق لبنان، مستهدفة مواقع لحزب الله، بعد ساعات من إسقاط الحزب طائرة مسيّرة للدولة العبرية في جنوب لبنان.
وقال مصدر مقرّب من الحزب لفرانس برس إنّ الغارات "طالت معسكرات الشعرة في جرود جنتا على الحدود الشرقية مع سوريا، إضافة إلى بلدة السفري".
وأكد الجيش الإسرائيلي أن طائراته استهدفت "مجمعا عسكريا وثلاث بنى تحتية عسكرية أخرى تابعة لوحدة الدفاع الجوي التابعة لحزب الله في منطقة بعلبك وذلك ردًّا على إسقاط طائرة مسيرة لسلاح الجو كانت تعمل في الأجواء اللبنانية" السبت.
ومنذ اندلاع الحرب في غزة، يجري قصف متبادل بشكل شبه يومي عبر الحدود اللبنانية-الإسرائيلية بين حزب الله المدعوم من طهران، والجيش الإسرائيلي.
التعليقات