أصدر أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، الجمعة، أمراً أميرياً يقضي بحلّ مجلس الأمة ووقف العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.
وقال الأمير، في خطاب متلفز، "أمرنا بحل مجلس الأمة، ووقف بعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات، يتم خلالها دراسة جميع جوانب المسيرة الديمقراطية".
وينص الأمر الأميري على أن الأمير ومجلس الوزراء سيتوليان اختصاصات مجلس الأمة (السلطة التشريعية) في هذه الأثناء.
فما وراء هذا القرار؟
"خلافات وإملاءات"
جاء قرار الحلّ قبل أيام قليلة من موعد افتتاح أعمال مجلس الأمة الذي انتُخب مطلع نيسان (أبريل) الماضي، وبعد تعذّر رئيس الوزراء من تشكيل الحكومة التي رفض نواب المشاركة فيها.
ووصف الأمير مشعل الخطوة بأنها "قرار صعب لإنقاذ البلد وتأمين مصالحه العليا"، واعتبر أن البلاد واجهت "من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تحمله، ولن يسمح على الإطلاق بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة".
ولفت أمير الكويت في خطابه إلى بعض الدوافع وراء هذا القرار، منها "تدخل" بعض النواب في صلاحيات الأمير واختياره لولي عهده الذي هو حق دستوري صريح وخالص للأمير.
يقول الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور عايد المناع في حديثه لبي بي سي إن "الخلاف على تشكيل الحكومة كان أحد الأسباب المهمة، فبعض النواب رفض الدخول في التشكيل الحكومي والآخر فرض شروطاً غير مقبولة وإملاءات على رئيس الوزراء والسلطة السياسية".
وبحسب الدستور الكويتي لا بدّ أن يتولى نائب على الأقل حقيبة وزارية حتى تكتمل التشكيلة الحكومية، لكن رئيس الوزراء المكلف لم يتمكن من إقناع أي من النواب بالمشاركة.
ويتطرق الدكتورعايد المناع إلى حديث أمير الكويت عن"بوادر فساد وتطاول على المال العام صدرت من كلتي السلطتين التنفيذية (مجلس الوزراء) والتشريعية (مجلس الأمة)"، ويضيف المناع أن "تهديدات بعض النواب الذين اتفقوا على تقديم استجواب فوري بحق وزراء سابقين في حال عودتهم عمقت الخلاف السياسي، ما من شأنه أن يهدم العلاقة بين السلطتين".
ولدى نواب مجلس الأمة الكويتي القدرة على الاعتراض ومساءلة أي وزير، وهو أمر نادر في المحيط الخليجي. ويقول المناع إن "توجيه اتهامات لبعض الوزراء السابقين، حتى قبل إعادة تعيينهم، أمر يتنافى مع العدالة التي تقتضي أن يتولى الوزير منصبه أولاً ويقدم رؤيته ثم يُستجوب لاحقاً".
ويرى أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت محمد الفيلي أن "خطاب أمير الكويت ارتكز على حقيقة انحراف التجربة السياسية عن الأهداف الدستورية"، ويضيف الفيلي في حديثه لبي بي سي أن "هناك اعتراف صريح بمرجعية الدستور، لكن الإشكالية تكمن بسوء التعامل مع الأهداف الدستورية من قِبل جميع الأطراف السياسية، بما فيها الحكومة نفسها".
وتعلق أستاذة العلوم السياسية والعلاقات الدولية الدكتورة استقلال العازمي على القرار الأميري بالقول إن "الكويت ماضية نحو مرحلة تأسيسية جديده وترسيخ للجذور الديموقراطية بعد سنوات طوال من الخلافات المستمرة بين الحكومات والبرلمانات".
ماذا بعد تعليق الحياة السياسية؟
هذا هو التعليق الثالث في تاريخ الحياة السياسية في الكويت، حيث سبق أن اتُخذ إجراء مشابه لأول مرة عام 1976، ومرة أخرى عام 1986، وفي المرتين السابقتين تمت العودة للعمل بدستور عام 1962. كما أنها المرة الثالثة عشر التي يُحلّ بها مجلس الأمة.
يقول أستاذ القانون الدستوري في جامعة الكويت محمد الفيلي "يمكن أن نفهم المشهد على أنه وقف مؤقت، أي أننا بصدد تفعيل قواعد دستورية انتقالية تحكم مرحلة محددة، وهذه القواعد تنطلق من دستور البلاد عام 1962 بأهدافه ومعطياته".
ويتابع الفيلي بالقول "في الفترة المقبلة سيقوم فريق مختص بدراسة ومراجعة مواطن الخلل في بعض أجزاء الدستور أو قوانينه التفصيلية، ليرفع لاحقاً اقتراحاته وتوصياته للقيادة السياسية التي بدورها ستقرر إما أن تذهب لاستفتاء شعبي أو تعرض التوصيات على مجلس الأمة لحسم الموضوع". ويرجح الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور عايد المناع "الاتجاه نحو الاستفتاء الشعبي".
"شلل سياسي"
ولطالما كانت العلاقة متوترة بين مجالس الأمة والحكومات المتعاقبة في الكويت، ويرى كثيرون أن هذا التوتر المستمر، جعل البلاد في حال "شبه شلل سياسي واجتماعي وقانوني"، إذ يؤخّر برأيهم، اتخاذ قرارات سياسية واجتماعية، وسن قوانين جديدة تراعي شؤون المواطن الكويتي واحتياجاته.
وترى المحامية والناشطة في حقوق الإنسان أطياب الشطي أن "الوعي الديمقراطي غير المكتمل هو أساس هذه الصدمات السياسية التي تواجه البلاد منذ سنوات".
وتضيف الشطي في حديثها لبي بي سي أن "اختيار نواب مجلس الأمة على أساس القبيلة والمصالح الشخصية دون النظر إلى المؤهلات الأخرى هو جوهر الخلاف وجوهر الحل أيضاً".
ويعتقد الأكاديمي والباحث السياسي الدكتور عايد المناع أن المخرج من هذه الدوامة السياسية يكون بالأساس عبر "تشكيل حكومة جاهزة للمساءلة السياسية وقادرة على المواجهة، وحينها تمضي المسيرة السياسية بسهولة".
ما هي المواد الدستورية التي توقف العمل بها؟
المادة 51: وتنص على أن "السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقاً للدستور".
المادة 56: تنص كاملة على أنه "يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء بعد المشاورات التقليدية ويعفيه من منصبه كما يعين وزراء ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء. تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم. ولا يزيد عدد الوزراء جميعاً عن ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة". وتم تعليق العمل بالفقرتين الثانية والثالثة منها أي التي يرد فيها ذكر أعضاء مجلس الأمة.
المادة 71: تتعلق بصدور "مراسيم الضرورة" في غياب مجلس الأمة، سواء بسبب الحلّ أو الإجازة في الأوضاع العادية، في حال وجود ما يستدعي إصدار هذه المراسيم أثناء غياب المجلس، وتم تعليق العمل في الفقرة الثانية من المادة التي تنص على أنه "يجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال 15 يوماً من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائماً، وفي أول اجتماع له في حالة الحلّ أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك".
المادة 79: تم تجميد العمل بها بشكل كامل وتنص على أنه "لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير".
المادة 107: جمد العمل بها بشكل كامل وتتناول صلاحيات أمير الكويت في حلّ مجلس الأمة، ووجوب إجراء الانتخابات في موعد محدد من تاريخ الحلّ، وجاء في النص أنه "للأمير أن يحلّ مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحلّ، على أنه لا يجوز حلّ المجلس لذات الأسباب مرة أخرى"، وأنه "إذا حُلّ المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحلّ"، فإن لم يتحقق ذلك خلال هذه المدة "يسترد المجلس المنحلّ كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فوراً كأن الحلّ لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد".
المادة 174: علق العمل بها وتتعلق بإجراءات "تعديل الدستور"، حيث نصّت أن "للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو بإضافة أحكام جديدة إليه".
المادة 181: علق العمل بها بشكل كامل وتنص على أنه "لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه".
التعليقات