موسكو: في مطعم عصري في وسط موسكو، تجلس محلّلة البيانات الروسية ألكسندرا إلى طاولة في انتظار طبق الحلوى كالمعتاد، رافضة التخلي عن أسلوب حياتها ما قبل الحرب في أوكرانيا المجاورة المستمرة منذ عامين.

تقول ألكسندرا التي فضّلت عدم كشف اسمها الكامل "حتى خلال الحرب العالمية الثانية، لم تتوقف النساء عن التبرّج وشراء أحمر الشفاه، وهذا يدل على أننا يجب أن نستمر في العيش" مضيفة "نحن نخرج ونستمتع بوقتنا".

أكان من منطلق الوطنية أو الحذر أو اللامبالاة، يطالب عشرات من سكان موسكو التقتهم وكالة فرانس برس بالحق في عيش حياة "طبيعية"، رغم الصراع والتوترات المتصاعدة بين موسكو والغرب. وهو موضوع يتجنبون التحدّث عنه بشكل مباشر، في سياق القمع المتزايد الذي تمارسه السلطات.

وتؤكد ذلك ألكسندرا قائلة إن الأجواء في العاصمة الروسية ما زالت "كما كانت قبل" الحرب. وتوضح "الناس يتجولون، يتعرفون على بعضهم بعضا، يستمتعون، يعملون، يعيشون حياتهم. لم يتغير شيء على هذا الصعيد".

خلفها، مجموعة من الشباب يتحدثون ويحملون كؤوسا في أيديهم في "السوق المركزي"، وهو مبنى من ثلاثة طوابق يجمع بين الحانات العصرية وأكشاك الطعام.

إنه واقع يتناقض مع الحياة اليومية في كييف... فقد اعتاد سكان العاصمة الأوكرانية على حظر التجول ليلا والإنذارات المضادة للطائرات والقصف والمسيّرات وانتشار جنود في الشوارع.

"الحياة لا تتوقّف!"
في ذلك المساء، بيعت كل تذاكر عرض مسرحية "لا ترافياتا" على مسرح البولشوي.

وتتساءل آنا سافيولوفا، وهي مربية أطفال تبلغ 49 عاما "لم لا نذهب؟".

ومثل ألكسندرا، تستذكر الحرب العالمية الثانية التي تسمى في روسيا "الحرب الوطنية العظمى" بالقول "أعلم أن فنانين جاءوا وقدّموا عروضا ودعموا الجنود... الحياة لا تتوقف!".

بدورها، تقول ديانا كيتاييفا وهي طاهية متخصصة في الحلوى تبلغ 28 عاما كانت تحلم بالمجيء إلى مسرح البولشوي منذ سنوات، "لم لا نقوم بأمور ترضينا؟".

من جهتها، تقر ألكسندرا بوموتشنيكوفا البالغة 14 عاما التي أتت برفقة والدتها، بأنها ترى الفن كمتنفس "لعدم الإصابة بالذعر كثيرا".

أما الكرملين، فيسعى جاهدا من أجل ضمان أن تكون تبعات الأعمال العدائية ضئيلة بقدر الإمكان على الحياة اليومية لسكان موسكو.

وبالتالي، فإن تعبئة 300 ألف شاب في خريف 2022 لم تطل سكان العاصمة بشكل كبير. وجاء معظم المجنّدين من مناطق فقيرة وبعيدة عن المدن الكبيرة.

وخلال مراسم الاحتفال ب"يوم النصر" في 9 أيار (مايو)، لم يشاهَد أي جندي مصاب في الساحة الحمراء. كما لا تنظم مراسم رسمية لدفن المقاتلين في العاصمة حيث لا شيء يذكّر بالحرب إلا بعض الملصقات التي تدعو الشباب إلى الالتحاق بالجيش أو التي تشيد بشجاعة الجنود الروس.

من جانب آخر، يعزّز الوجود المستمر لعلامات تجارية غربية، غالبا بموجب تراخيص منحت قبل العام 2022، مظهر الحياة الطبيعية، وهو تحد بصري لفكرة شرخ ثقافي وسياسي واقتصادي لا يمكن إصلاحه بين روسيا والغرب.

أغلى بـ200 روبل
لكن رغم كل ذلك، لم يكن سكان موسكو بمنأى عن الحرب تماما. فارتفاع الأسعار، وهو نتيجة مباشرة للعقوبات الغربية والإنفاق الحكومي المرتفع على الهجوم.

وبعدما بلغ حوالى 20 بالمئة في ربيع العام 2022، بقي التضخم السنوي عند حوالى 8 في المئة، وفق إحصاءات رسمية.

ويقول بوغدان فوروبيوف (24 عاما) الذي جاء إلى "السوق المركزي" لتناول الجعة مع أصدقاء إن المشروب الذي كان سعره أقل من 500 روبل (5 يورو) "أصبح الآن أغلى ب200 روبل (2 يورو)".

كذلك، أثرت الحرب على نمط حياة سكان موسكو بطرق أخرى.

فقد أصبح التجول في وسط المدينة باستخدام خرائط "ياندكس"، وهو تطبيق الملاحة الرئيسي في البلاد، صعبة للغاية. فبعد هجمات مسيّرات على العاصمة الروسية في أيار (مايو) من العام الماضي، تم التشويش جزئيا على إشارات الأقمار الاصطناعية في وسط موسكو، ما جعل تحديد المواقع الجغرافية عشوائيا.

وتلخّص ألكسندرا الشعور العام في المدينة بعبارة أصبحت شائعة الاستخدام لدى روس على مدار الثلاثين عاما الماضية وهي "لقد اعتدت على العيش في أوقات الأزمات".