إيلاف من الرباط: شكلت وفاة أيقونة السينما العالمية، النجم الفرنسي ألان ديلون، قبل أيام، عن سن تناهز 88 سنة، مناسبة لاستعادة علاقة "العشق غير المشروط" التي جمعته بالمغرب، والتي أكدها قولا وفعلا في أكثر من مناسبة، هو الذي كان دائم التردد على البلد الذي بادله، إنسانا وفنانا وضيفا كبيرا، وفيا ومخلصا، الاحترام والتقدير.
محطات عشق النجم الفرنسي الراحل للمغرب ودفاعه عن قضاياه، والتقدير الذي لقيه من مسؤوليه وعموم الشعب المغربي أكثر من أن تحصى.
ألان ديلون خلال أداء قسم المسيرة سنة 2013 في أغادير
من رعايا الملك
من بين المناسبات التي تؤكد تقدير المغرب ومسؤوليه لديلون، تكريمه في المهرجان الدولي للفيلم بمراكش في دورته الثالثة، في أكتوبر 2003، حيث تسلم النجمة الذهبية للمهرجان من يد النجمة السينمائية الإيطالية كلوديا كاردينال. كما شهدت مشاركته، في هذه الدورة من مهرجان مراكش، توشيحه من طرف الأمير مولاي رشيد، شقيق الملك محمد السادس، بالوسام العلوي من درجة قائد.
ألان ديلون يسلم على الأمير مولاي رشيد سنة 2003 ضمن فعاليات مهرجان الفيلم بمراكش وتبدو في الصورة الأميرة لالة مريم والأميرة لالة أسماء
بدا ديلون، حينها، سعيدا بتكريمه في مهرجان مراكش، لعدة أسباب، بينها أنه جاء من بلد يحبه ويحترم عاهله بشكل كبير، ومن يد صديقة قديمة له (كلوديا كاريدنال)، ولأن دورة 2003 عرفت تكريم صديق آخر له، هو توسكان دو بلانتيي.
شدد ديلون حينها، في تصريحات للصحافة، على أنه يعتبر نفسه "أحد رعايا جلالة الملك محمد السادس"، حيث قال: "كنت دوما وأكثر من أي وقت مضى أحد رعايا جلالة الملك محمد السادس كما كنت أحد رعايا والده جلالة الملك الراحل الحسن الثاني، وكنت أحظى بعطف خاص من الملك الراحل الذي لم يكن مجرد عاشق للسينما بل خبيرا في مجال الفنون". وأوصى النجم الفرنسي المغاربة بالتشبث بشخص الملك وبالأسرة الملكية.
في حفل بأغادير عام 2013
قسم المسيرة
بعد نحو عشر سنوات على تكريمه في مراكش، اختار ديلون أن يترجم عشقه للمغرب ودفاعه عن قضاياه، بأدائه لقسم المسيرة. حدث هذا في مدينة أغادير، في يونيو 2013، خلال افتتاح مجمع "سيرناميكا مول". يومها، وقف ديلون أمام الحضور الغفير والنوعي الذي حضر الحفل، ليؤدي قسم المسيرة باللغة الفرنسية، والذي تقول كلماته: "أقسم بالله العلي العظيم، أن أبقى وفيا لروح المسيرة الخضراء مكافحا عن وحدة وطني، من البوغاز إلى الصحراء. أقسم بالله العلي العظيم أن ألقن هذا القسم أسرتي وعترتي في سري وعلانيتي، والله سبحانه هو الرقيب على طويتي، وصدق نيتي".
حكاية قسم المسيرة
كان الملك الراحل الحسن الثاني، قبل أن يبدأ خطابه، في 6 نوفمبر 1978، بمناسبة الذكرى الثالثة لحديث "المسيرة الخضراء"، قد طلب من كل أسرة مغربية تنظر إليه، أو تسمع له، أن تحضر بين يديها كتاب الله، حتى يتم في آخر كلمته تقديم قسم المسيرة، الذي قال إنه حرره ثم خططه بيده، وأنه سيعطيه للمصالح، حتى يعطى لكل مغربي ومغربية، ولو لم يكن من السائرين في المسيرة، لأنه "قسم البرور وقسم الظهور".
وأضاف الملك الحسن الثاني، في خطابه وقتها، أنه استمد هذا القسم من أخر آية سورة "المائدة". وأضاف: "في ذلك الحوار الرائع القدسي، الذي كان بين الله سبحانه وتعالى وبين روحه سيدنا عيسى عليه الصلاة والسلام. وفي آخر الحوار يقول سيدنا عيسى صلى الله عليه وسلم: "وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد". فهذا القسم، شعبي العزيز، أقسمت أنك ستكون بارا به، كما أقسمت أن تلقنه أسرتك وعترتك لأن الأجيال تمر، والبلاد تدوم، (...) على القيم أن تدوم، وعلى القسم أن يدوم. فأنا رقيب عليك ما دمت فيك، ولكن عليك شعبي العزيز أن تكون الرقيب الشهيد على نفسك طيلة القرون، لأن قضية الصحراء لن تقف عند حدود، فدائما ستبقى محسودا عليها. والأطماع دائما متوجهة نحوها، وستتكون المكائد ضد الصحراء. (...) وفي القرن المقبل ستظهر المؤامرة في شكل آخر. فعليك شعبي العزيز أن تبقى دائما على يقظة، دائما مستعدا لخوض المعركة، دائما مستعدا لإظهار أن مسيرتك الخضراء السلمية، لم تحكم عليك نهائيا بالمسالمة. بل إن قدراتك ومواهبك الحربية والعسكرية موجودة كذلك فيك كامنة فيك، لم تمت، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها".
وأنهى الملك الراحل خطابه إلى المغاربة، بقوله: "إننا شعبي العزيز بهذه المناسبة، نرجو الله سبحانه وتعالى الذي هدانا للمسيرة أن يهدينا إلى حفظها. اللهم إنك تعلم أننا سرنا إلى المسيرة بنية الجهاد والاستشهاد، فنصرتنا. اللهم أدم نصرك لنا. اللهم إنك تعلم أننا لم ندخل الصحراء فاتحين ولا غاصبين، ولكن دخلناها لصلة الرحم ولإعلاء كلمتك ولإرجاع سنتك، فاللهم اجعلنا مواطنين للصحراء مقيمين فيها آمنين مطمئنين. اللهم إنك تعلم أننا حينما دخلنا تلك التربة الصالحة، لم ندخلها غازين ولا مغتصبين، بل مسترجعين لحق من حقوقك، قائمين بواجب من واجباتك فاجعلنا اللهم قادرين على الاستمرار في القيام بواجباتنا والقيام بحفظ حقوقك، أنت السميع العليم، وأنك أنت الذي لا تخيب من سالك، ولا ترد من طلبك. والسلام عليكم ورحمة الله".
التعليقات