تشير التحولات الأخيرة في الخطاب السياسي الإسرائيلي واتساع نطاق أوامر الإجلاء في لبنان إلى أن الحرب قد تتجاوز العملية "المحدودة" التي أعلنت عنها إسرائيل في البداية. ووفقاً لتقرير نشرته صحيفة "فايننشال تايمز"، فإن التطورات الميدانية وتصريحات المسؤولين تشير إلى احتمال استمرار الحرب لفترة أطول وأكثر شدة مما كان متوقعًا في البداية.


إيلاف من بيروت: منذ أن دخلت القوات الإسرائيلية إلى لبنان للمرة الأولى منذ ما يقرب من عقدين، توسع نطاق الهجوم البري بسرعة. حيث بدأت العمليات بفرقة واحدة، وهي الفرقة 98، ثم انضمت ثلاث فرق أخرى إلى المعركة. توغلت القوات الإسرائيلية إلى داخل لبنان على امتداد نقاط تمتد من روش هنيقرة في الغرب إلى مسغاف عام في الشرق.

تشير التقارير إلى أن أكثر من 110 مناطق في لبنان قد شملتها أوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية، والتي تمتد من القرى الحدودية حتى المناطق الساحلية الواقعة على بعد 60 كيلومترًا شمالًا. هذه الأوامر تبرز التوسع الكبير في نطاق العمليات العسكرية الإسرائيلية، مما يجعل المسؤولين الغربيين يشكون في أن الحرب قد تستمر لفترة أطول.

الخطاب السياسي المتشدد
في تطور ملحوظ، رصدت "فايننشال تايمز" تصعيداً في لهجة الخطاب السياسي الإسرائيلي، حيث حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يوم الثلاثاء، اللبنانيين من أن الحرب قد تكون طويلة وستؤدي إلى دمار كبير إذا لم ينتفضوا ضد حزب الله. وقال نتانياهو: "حرب طويلة ستؤدي إلى دمار ومعاناة كما نرى في غزة". هذا التصريح يعكس تغيّرًا في النوايا الإسرائيلية التي كانت تتحدث في البداية عن عملية محدودة تستمر لبضعة أسابيع.

وأشار مسؤول غربي لم تسمه الصحيفة البريطانية إلى أن الإسرائيليين كانوا يتحدثون عن توغل بري محدود لمدة أسبوعين، لكن هذه المدة تبدو وكأنها تمددت. ومع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية، يشير بعض المحللين إلى أن هناك القليل من التفاؤل بشأن توقف إسرائيل قبل هذا الموعد.

ضبابية حول طبيعة الهجوم البري
حتى الآن، لا تزال تفاصيل العمليات العسكرية الإسرائيلية غير واضحة تمامًا. يحرص الجيش الإسرائيلي على إبقاء معظم تفاصيل الهجوم تحت توجيهات الرقابة العسكرية، لكن المؤكد أن العمليات تركز على المناطق الحدودية. وقد أظهرت صور الأقمار الصناعية وجود الدبابات والمركبات العسكرية الإسرائيلية داخل لبنان، في مواقع قريبة من الحدود مع إسرائيل.

تقول إسرائيل إن الهدف من الهجوم هو إزالة خطر هجوم حزب الله عبر الحدود، وتقليص القدرة الهجومية للحزب، خاصة الصواريخ المضادة للدبابات. الهدف النهائي هو السماح للإسرائيليين الذين نزحوا بسبب القتال بالعودة إلى منازلهم، بعد القضاء على التهديدات المباشرة.

تحركات الميدانية وصور الأقمار الصناعية
تشير صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها جهات مراقبة إلى وجود دبابات إسرائيلية على مسافة قصيرة داخل لبنان، خاصة في منطقة "مارون الراس" الجنوبية. وتشير الصور إلى وجود حوالي 27 مركبة إسرائيلية على بعد 250 مترًا من الحدود، فيما توجد مجموعة أخرى أصغر حجماً على بعد كيلومتر واحد داخل لبنان. كما تظهر الصور مسارات تشير إلى نقاط توغل أخرى في مواقع مثل قريتي "أفيفيم" و"يرؤون" الإسرائيليتين.

يؤكد المسؤولون الإسرائيليون أن الهدف الرئيسي من الهجوم هو تدمير بنية حزب الله التحتية التي تشمل أنفاقًا ومخابئ ومستودعات أسلحة، والحد من قدرة الحزب على تهديد التجمعات الإسرائيلية بالصواريخ والأسلحة الثقيلة.

الدعم الدولي والموقف الأمريكي
على الصعيد الدولي، تشير فايننشال تايمز إلى أن الولايات المتحدة قد قدمت دعمًا ضمنيًا للهجوم الإسرائيلي على حزب الله. فقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، أن واشنطن تدعم جهود إسرائيل لإضعاف قدرات حزب الله، لكنها تفضل في النهاية الوصول إلى حل دبلوماسي للصراع.

ومع ذلك، يشعر العديد من اللبنانيين بالقلق من أن الهجوم الإسرائيلي قد يتفاقم بدعم من الولايات المتحدة، خاصة في ظل عمليات القصف المستمرة من قبل الطائرات الإسرائيلية على المعابر الحدودية بين لبنان وسوريا، والضربات التي تستهدف مواقع حزب الله في مناطق جنوب سوريا وسهل البقاع.

الدمار والخسائر البشرية
خلال الأيام الأولى من الحرب، أبلغت التقارير عن مقتل أكثر من 500 مقاتل من حزب الله وتسعة جنود إسرائيليين. كما تسبب القصف الإسرائيلي في دمار واسع النطاق في القرى والبلدات الحدودية اللبنانية. وفقًا للتقارير، قتلت الغارات الإسرائيلية أكثر من 2100 شخص في لبنان، وشردت أكثر من 1.2 مليون شخص، معظمهم خلال الأسابيع الأخيرة.

كما تسبب القصف الإسرائيلي في تدمير كبير للبنية التحتية في المناطق الجنوبية من لبنان، حيث استهدفت العمليات العسكرية مواقع لحزب الله في القرى الريفية والمناطق الحرجية التي تستخدم لإخفاء الأسلحة والذخيرة.

المخطط الإسرائيلي المستقبلي: نحو توغل أعمق؟
تتوقع بعض المصادر الغربية لـ"فايننشال تايمز" أن القوات الإسرائيلية قد تتوغل أكثر داخل لبنان إذا استمرت العمليات بنفس الوتيرة. ورغم أن الهدف المعلن هو تطهير المنطقة الحدودية من تهديد حزب الله، فإن التوغل إلى عمق لبنان قد يكون مسارًا محتملاً في الأيام القادمة.

أظهرت لقطات فيديو نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي رفع القوات الإسرائيلية علم البلاد في مارون الراس، مما يعزز الشكوك بأن إسرائيل قد تسعى لفرض سيطرتها على مساحة أكبر من الأراضي اللبنانية. وفقًا لتقرير فايننشال تايمز، فإن هدف إسرائيل المعلن هو دفع حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني، الذي يمتد حتى 30 كيلومترًا شمال "الخط الأزرق"، وهو الهدف الذي تسعى إسرائيل لتحقيقه منذ حرب عام 2006، لكنه لم يُنفذ حتى الآن.

بينما تبقى بعض التفاصيل العسكرية محجوبة، يبدو أن الحرب الإسرائيلية في لبنان تتجه نحو تصعيد أكبر، حيث تسعى إسرائيل لتحقيق مكاسب استراتيجية على الأرض. وبينما تشير التحليلات إلى أن التوغل الإسرائيلي قد يستمر لفترة أطول مما كان متوقعًا، فإن الخيارات الدبلوماسية لا تزال مطروحة، لكنها تعتمد بشكل كبير على تطورات الميدان وردود الفعل الدولية.