إيلاف من القاهرة: تستعد مدينة أسوان في جنوب مصر لاستقبال جثمان الأمير كريم الحسيني، آغا خان الرابع، الزعيم الروحي للطائفة الإسماعيلية، الذي وافته المنية يوم الثلاثاء الماضي في العاصمة البرتغالية لشبونة عن عمر ناهز 88 عامًا، بعد أكثر من 7 عقود من قيادته للطائفة الإسماعيلية النزارية.

مراسم دولية
أعلنت الإمامة الإسماعيلية أن مراسم الجنازة ستبدأ يوم السبت في المركز الإسماعيلي في لشبونة، بحضور زعماء الطائفة، وعدد من المسؤولين البرتغاليين وشخصيات أجنبية بارزة، حيث سيتم تأبين الآغا خان الرابع قبل نقل جثمانه إلى مصر.

ومن المقرر أن يُدفن الجثمان يوم الأحد في محافظة أسوان، وهي المدينة التي تحتضن ضريح الآغا خان الثالث، والذي يُعد موقعًا مقدسًا لدى الطائفة الإسماعيلية. ويأتي هذا الاختيار تعبيرًا عن الارتباط الروحي والتاريخي بين العائلة الإسماعيلية ومدينة أسوان، التي كانت تُعرف بمكانتها الخاصة لدى الآغا خان الرابع نفسه، حيث اعتاد قضاء فترات فيها.

ضريح الآغا خان الثالث، السلطان محمد شاه، جد الراحل، والذي كان الإمام الثامن والأربعين للطائفة الإسماعيلية ©
إرث الإمام الراحل
وُلد الأمير كريم الحسيني في 11 كانون الأول (ديسمبر) 1936 في جنيف بسويسرا، وتولى زعامة الطائفة الإسماعيلية النزارية في 11 تموز (يوليو) 1957، عندما كان في عمر 20 عامًا، خلفًا لجده الآغا خان الثالث، ليصبح الإمام التاسع والأربعين للطائفة.

وخلال قيادته، عمل على تعزيز الهوية الإسماعيلية وتطوير مؤسسات الطائفة، مع التركيز على المشاريع التنموية والإنسانية، من خلال شبكة الآغا خان للتنمية، التي تعتبر واحدة من أكبر المنظمات غير الحكومية في العالم، حيث تمتد أنشطتها إلى أكثر من 30 دولة، خاصة في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط، وتغطي قطاعات التعليم، والصحة، والتنمية الاقتصادية، والثقافة، والتراث.

كما اشتهر الراحل بثروته الواسعة، حيث كان يعتبر واحدًا من أغنى الزعماء الروحيين في العالم، لكنه في المقابل استخدم جزءًا كبيرًا من ثروته في تمويل مشاريع تنموية كبرى تستهدف المجتمعات المحرومة، مع التركيز على تحقيق الاستدامة الاقتصادية والتعليمية لأتباع الطائفة وخارجها.

الإمامة الإسماعيلية
تُعد الطائفة الإسماعيلية النزارية أحد الفروع الأساسية للمذهب الشيعي، ويؤمن أتباعها بأن الإمام الإسماعيلي ينحدر من نسل السيدة فاطمة الزهراء، ابنة النبي محمد، وهو ما يمنحه مكانة دينية وروحية خاصة لديهم.

وتنص تقاليد الطائفة على انتقال الإمامة عبر وصية مكتوبة، حيث أعلن الأمير رحيم الحسيني يوم الأربعاء تعيينه آغا خان جديدًا خلفًا لوالده، ليصبح الإمام الخمسين للطائفة الإسماعيلية النزارية، وفقًا لما جاء في وصية الآغا خان الرابع.

ويُعرف الإمام الجديد، رحيم الحسيني، بدوره البارز داخل شبكة الآغا خان للتنمية، حيث يشغل مناصب قيادية في عدة مؤسسات تابعة لها، كما يتابع عن كثب برامج الحوكمة الاجتماعية والبيئية للطائفة.

لماذا أسوان؟
دفن الأمير كريم الحسيني في أسوان لم يكن مجرد قرار عائلي، بل هو امتداد لتاريخ طويل من الارتباط الروحي والرمزي بين الطائفة الإسماعيلية وهذه المدينة المصرية العريقة. هذا الاختيار يحمل أبعادًا دينية وتاريخية وشخصية تعكس مكانة أسوان الخاصة لدى عائلة الآغا خان وأتباع الطائفة الإسماعيلية حول العالم، حيث تُعد موطن ضريح الآغا خان الثالث، السلطان محمد شاه، الذي دُفن فيها عام 1957.

يُعتبر الضريح واحدًا من أهم المعالم الدينية للإسماعيليين ©
يُعتبر الضريح واحدًا من أهم المعالم الدينية للإسماعيليين، حيث يأتي أتباع الطائفة من مختلف أنحاء العالم لزيارته.
وكان الآغا خان الرابع معروفًا بحبه لأسوان، حيث كان يقيم هناك لفترات طويلة، وخاصة خلال فصل الشتاء، في قصره المطل على نهر النيل. وقد لعب دوره في جعل المدينة واحدة من المناطق المهمة روحيًا لدى أتباع الطائفة، الذين يعتبرونها مركزًا رمزيًا لتاريخهم وتراثهم الديني.

عهد جديد
مع رحيل الأمير كريم الحسيني، تطوي الطائفة الإسماعيلية صفحة من قيادتها الروحية امتدت لأكثر من 7 عقود، كان خلالها الآغا خان الرابع أحد أبرز الشخصيات الدينية والسياسية والتنموية في العالم. وبينما تستعد أسوان لاحتضانه في مثواه الأخير، يواجه الإمام الجديد رحيم الحسيني تحديات قيادة الطائفة نحو المستقبل في ظل التغيرات العالمية المتسارعة.

في الأيام القادمة، ستتجه الأنظار إلى مراسم التشييع في لشبونة وأسوان، حيث سيكون هذا الحدث بمثابة لحظة فارقة في تاريخ الطائفة الإسماعيلية، التي لطالما ارتبطت بمفهوم التطور والاستمرارية عبر العصور.