إيلاف من دبي: في سنغافورة، حيث تُدار الدولة كما لو كانت شركة متعددة الجنسيات تضبط كل شيء حتى آخر ملليمتر، اكتشف البحر طريقة خاصة لإرباك الجدول الزمني. الحدائق الغارقة والأنفاق المغمورة والشوارع التي تصل مياهها إلى الركبة لم تعد أحداثاً "مزعجة" متفرقة، بل باتت تذكيراً لامعاً بأن الطبيعة، بخلاف البيروقراطية، لا تنتظر جداول التنفيذ.
السلطات تقدّر أن مستوى سطح البحر قد يرتفع 1.15 متر بحلول نهاية القرن، وفي سيناريو الانبعاثات العالية قد يصل إلى مترين بحلول 2150. وعند اجتماع المدّ العالي مع العواصف، يمكن أن تتجاوز المياه خمسة أمتار مقارنة بالوضع الحالي، ما يضع نحو 30% من البلاد تحت تهديد الغرق.
ردّ سنغافورة على هذا السيناريو لم يأتِ في صورة خطة إجلاء جماعية، بل في مشروع هندسي يعكس ذائقتها المفضلة: "لونغ آيلاند". سلسلة جزر اصطناعية بطول 13 كيلومتراً، يُراد لها أن تكون أحياء سكنية ومساحات حضرية، وفي الوقت ذاته سداً بحرياً يحمي الساحل الجنوبي الشرقي.
يمتد المشروع على مساحة 7.77 كيلومترات مربعة، أي ما يعادل مرتين ونصف مساحة "سنترال بارك" في نيويورك. ورغم أن الفكرة طُرحت في التسعينيات، إلا أنها اكتسبت زخماً في السنوات الأخيرة، مع كشف "هيئة إعادة التطوير الحضري" عام 2023 عن مخطط أولي يتضمن ثلاث مناطق متصلة عبر بوابات مد ومحطات ضخ.
الحماية من الفيضانات ليست الهدف الوحيد. المشروع يعد بأكثر من 20 كيلومتراً من الحدائق المطلة على البحر، ومساحات سكنية وتجارية قد تستوعب بين 30 و60 ألف وحدة سكنية. إضافة عقارية مغرية في بلد ضيق المساحة ومرتفع الأسعار.
وفي لمسة عملية، ستحوي "لونغ آيلاند" بحيرة داخلية ضخمة لتخزين مياه الأمطار التي كانت تُصرف في البحر، دعماً لأمن المياه وتقليلاً للاعتماد على الواردات من ماليزيا، مع توقع تضاعف الطلب بحلول 2065.
لكن الفخامة الهندسية تأتي على مهل. التخطيط والتنفيذ قد يستغرقان "عقوداً عدة"، إضافة إلى سنوات لاستقرار التربة قبل البناء. التكلفة؟ نحو 78 مليار دولار على مدى القرن، وهو استثمار ترى فيه الحكومة تجسيداً لنهجها الطويل الأمد.
العقبة الأقل أناقة تكمن في نحو 240 مليون طن من مواد الردم اللازمة. هنا تدخل النقاشات البيئية، حيث يُبحث في إعادة تدوير النفايات المحروقة ومخلفات البناء لتقليل الاستيراد، بينما تحذر منظمات بيئية من أثر المشروع على الحياة البحرية. السلطات، بطريقتها الهادئة المعتادة، تؤكد أن الأولوية لحماية البلاد من الفيضانات، مع وعد بدمج "حلول طبيعية" تشمل غابات المنغروف والشعاب المرجانية.















التعليقات