أطالع مجلة «الأهرام العربي» لأكثر من سبب، أهمها تقديري لرئيس التحرير الأستاذ أسامة سرايا. وفي العدد الأخير من المجلة مقال غاضب ثائر على «نجوم هذا الزمان» يصفهم صاحبه بأنهم «بيض فاسد». ولا شك ان هذا الانطباع هو موقف فئة كبرى من الناس، خصوصا تلك التي نشأت على مقاييس أخرى في الأدب والفن. غير ان كاتب المقال يصل في غضبته الى المقارنة بين ديوان «أشجار الإسمنت» لأحمد عبد المعطي حجازي الذي بيع منه 200 نسخة ورواية «عمارة يعقوبيان» لعلاء الأسواني التي أصبحت في طبعتها الثامنة. ويقول ان ديوانا ساحرا لم يبع أكثر من 200 نسخة بينما «عمارة يعقوبيان» ليست أكثر من «أخبار نمّامين».
هذه مناسبة لن أفوتها لأقول شيئا في الشاعر والمفكر والكاتب، وخصوصا الإنسان النبيل المشاعر، احمد عبد المعطي حجازي. فأنا اقرأ شعره ونثره وأحاديثه، بما هو أكثر من الإعجاب. بمحبة. لكن المقارنة بين مبيعات الشعر والرواية غير جائزة في أي بلد من بلدان الأرض. وشواذ القاعدة قليل في كل العالم.
أما ان «عمارة يعقوبيان» مبنية على أخبار النمّامين، فهذه مفاجأة كبرى. لقد كان انطباعي عندما قرأتها المرة الأولى ثم الثانية أنها عمل روائي محاك بحرفية فنية نادرة. وذهبت الى ابعد من ذلك عندما سألت نفسي، هل قارب علاء الاسواني نجيب محفوظ في عملية البناء الروائي من حيث تحريك الأبطال وتغيير المشهد والمحافظة على وحدة الرواية في وقت واحد. كما تساءلت يومها هل سيكون ذلك كتابا واحدا لا يستطيع كاتبه ان يلحقه برواية جميلة أخرى، كما يحدث في حالات كثيرة، في الشرق والغرب؟
هناك طبعا أذواق أدبية مختلفة. لكن هل يمكن ان يصل الاختلاف الى درجة اعتبار «عمارة يعقوبيان» بيضا فاسدا، برغم كل ما كتب عنها؟ وهل هي مجرد تقرير قضائي لكي تصبح عملا وضعته مجموعة نمّامين، أم هي رحلة في الطباع البشرية الضعيفة والمتناقضة والمتنوعة التي تعيش على سطح مبنى واحد وفي طبقاته المختلفة كل حياتها، كما هي، أو كما يفترض في الروائي ان يصورها؟
كنت اعتقد في الحقيقة ان علاء الأسواني سيكون بداية لمرحلة روائية جديدة في مصر التي طالما خرجت منها فئات الرواية العربية وفيها بدأت صناعة هذا الفن الأدبي. لكن جاء من يستوقفنا ويهزنا قائلا: ماذا حدث لكم؟ هذا ليس عملا أدبيا. هذه جلسة مع مجموعة نمّامين سجلها علاء الأسواني في زمن البيض الفاسد! إلى الطبعة التاسعة. هكذا يحدث دائما عندما يرشق العمل الجيد بالبيض الفاسد.
التعليقات