كانت لندن محط أنظار العالم بعد فوزها بحق تنظيم الألعاب الأولمبية الصيفية للعام 2012. لم يكن بسيطاً ان تنجح في هزيمة باريس ومدريد وموسكو ونيويورك. إلا ان لندن، في اليوم التالي، باتت تختصر العالم وتتقدم بصفتها عاصمته التي تحتشد فيها lt;lt;التياراتgt;gt; الرئيسية الفاعلة في دنيا اليوم: قمة الثمانية الكبار (او 8+ 5بالاحرى)، تظاهرات الاعتراض على lt;lt;نادي الاغنياءgt;gt;، الإرهاب الدامي والعدمي.
ليست هذه التيارات ذات تركيب بسيط. فقمة الثمانية التي توحدها أسس مشتركة صلبة تخترقها التمايزات. فلقد كان مقدراً ان يكون جورج بوش متجهاً إلى نوع من الحصار أو العزلة النسبية. فجدول أعمال الاجتماع يتضمن بند الاحتباس الحراري وضرورة إيلاء البيئة اهتماماً أكبر. والرئيس الأميركي يدافع، في هذا المجال، من موقف lt;lt;وطنيgt;gt; أناني ينطلق من رفض معاهدة كيوتو ليوحي انه ينوي اقتراح بدائل. ولقد تسربت أنباء عن أن اقرانه قد يتوافقون على توجه لا يخضع لأي فيتو أميركي. أما البند الثاني المهم فيتعلق بمساعدة أفريقيا عبر إلغاء الديون ودعم التنمية ومكافحة الأمراض المعدية والفتاكة. وهنا أيضا يبدو بوش أكثر تقتيراً ولو انه أكثر ثرثرة لجهة الزيادة التي أضافها على ما تقدمه بلاده. فهذه
المساعدات تقل كثيراً، ونسبياً، عما يدفعه الآخرون وهي بعيدة البعد كله عن التزامات أميركية سابقة بتخصيص ما نسبته 0,7 في المئة من الناتج الوطني لمعونة العالم النامي.

التباينات ضمن الثمانية حول هذين الموضوعين معروفة، وكذلك التباينات بين جاك شيراك وطوني بلير في قضايا تمس مشروع البناء الأوروبي. ويزداد التنوع غنى مع مشاركة الدول الخمس المدعوة، الصين والهند والمكسيك والبرازيل وجنوب أفريقيا، وهي دول تحكمها أنظمة مختلفة وتعيش هواجس اقتصادية واجتماعية وجيو استراتيجية ليست وثيقة الترابط. ولا مبالغة في القول ان بين الحاضرين من يمكن اعتباره أقرب إلى الخط الاعتراضي على الوجهة العامة التي يدفع العالم دفعاً إلى سلوكها.
لقد سبقت القمة ورافقتها الاحتفالات الموسيقية للحض على مساعدة أفريقيا والتظاهرات الاحتجاجية على النيوليبرالية باسم lt;lt;العولمة البديلةgt;gt;. أي إن التنوع الموجود ضمن القمة موجود، أيضاً، خارجها. ثمة قوة ضغط وديعة يشكل فنانون عمودها الفقري وتستطيع حشد الملايين وراء شعارات lt;lt;إنسانيةgt;gt;، وثمة من يقترح وجهة مخالفة تميّز بين عولمة وعولمة. صحيح ان هذا التيار متصاعد النفوذ، وأنه يستطيع، أحياناً، فرض بنود من جدول أعماله على الآخرين، إلا ان الصحيح، أيضاً، انه لم يصل إلى امتلاك القدرة على وقف الاندفاعة النيوليبرالية وموجتها العاتية.

... وفجأة تحصل التفجيرات الإرهابية حاصدة أرواح الأبرياء ومروّعة المدينة وأوروبا والعالم. تفجيرات لم يتبنّها أحد حتى الآن. ولا هي مرفقة بمطلب محدد أو بمشروع واضح. تفجيرات عدمية تواصل حرباً لا هوادة فيها ولا مصالحة ولا أمل بتسوية.
تلاقت، في لحظة واحدة، قوى العولمة بتياراتها الجامحة والرشيدة، وقوى الاعتراض عليها بتياراتها lt;lt;الاحسانيةgt;gt; والراديكالية، وقوى القطع الجذري معها بواسطة العنف العشوائي. ويرسم هذا التلاقي لوحة دقيقة للعناصر الرئيسية الفاعلة في عالمنا، والمتصادمة.
والملاحظة الأهم هي انه بمجرد حصول التفجيرات تتراجع قوى الاعتراض وتكاد تنسحب من أجل ان يصبح المشهد مختصراً بعاملين: قادة الدول الصناعية الأكثر تقدماً و... القنابل المزروعة وسط المدنيين والمعبّرة عن المحاولة العبثية لتأمين حضور مدوّ. الخير في مواجهة الشر أو الشر في مواجهة الخير، حسب زاوية النظر.

كان لا بد للإرهاب من ان يقتحم القمة ويفرض نفسه عليها. والواضح انه فعل ذلك من دون مشكلة ومن دون... نتيجة. فالقادة الملتقون في غلين ايغلز لم يكونوا بحاجة إلى من يذكرهم بlt;lt;الوحدةgt;gt; في مواجهة الإرهاب. صحيح انهم قد يختلفون حول أمور كثيرة ولكنهم، في السنوات الماضية، لم يختلفوا مرة واحدة حول ضرورة lt;lt;مكافحة هذه الآفةgt;gt;.
ان التباين بينهم متصل بوسائل lt;lt;المكافحةgt;gt;. فالمحور الانغلوساكسوني يصر على ان حربه على العراق هي جزء من الحرب على الإرهاب. لا بل يصر على انها الجزء الناجح من هذه الحرب وأنها تجعل العالم أكثر أمناً. أما الآخرون فيعتبرون ان lt;lt;الذهابgt;gt; إلى العراق تبديد للجهد في غير محله، وصرف للانتباه عن الأعداء الحقيقيين، وإنهاك لقوى الخير وبعثرة لها، وتهديد لوحدة الجبهة، و... أكثر من ذلك، استثارة للمزيد من الكراهية والحقد والعنف. lt;lt;الحرب على الإرهابgt;gt; في نظر هؤلاء هي عملية استخباراتية، بوليسية، قانونية لا تنجح من دون تأمين أكبر قدر ممكن من التعاضد، ومن دون صيغة للجمع بين الوقاية والعلاج.

لم تكن القمة مناسبة لتجديد النقاش حول نقاط الاختلاف لذا جرى الاكتفاء بالتركيز على وحدة الجبهة.
أما القول بأن الإرهاب اقتحم القمة من دون نتيجة فالدليل عليه أمران. الأول هو شرح كل من بوش وبلير لمعنى ما جرى. فالأميركي رأى التناقض الصارخ بين النوايا حيال حقوق الإنسان والحرية الإنسانية والاهتمام بمحاربة الفقر والأوبئة وتحسين البيئة وبين قتلة الأبرياء. والبريطاني أعاد الأمر كله إلى حرب بين lt;lt;قيمنا وقيمهمgt;gt; وإلى وعد قاطع بأننا lt;lt;لن نسمح لهم بتغيير نمط حياتناgt;gt;. يتلاقى الخطابان عند التزوير الكامل لكل ما يجري في هذا العالم، وعند التفسير الخاطئ والمقصود لطبيعة المواجهة.
هذا هو الدليل الأول. أما الثاني فهو ان القمة لم تلامس، في نتائجها، الحلول الجدية للمشكلات التي تشكل البطن الخصب للتوتر والعنف.
يعني ذلك ان الجميع على موعد آخر مع العنف العبثي. لا ضرورة، ربما، لموعد آخر مجهول التوقيت. انه الموعد اليومي في العراق مع فارق هو ان العنف العراقي ليس كله عبثياً.