lt;lt;بني قصر الاليزيه، الذي اقام فيه رؤساء فرنسا منذ الجمهورية الثالثة، في الاصل لمدام دو بومبيدور عشيقة لويس الخامس عشر. واستخدم نابليون القصر، في غروب حكمه ليعلن منه تخليه عن الحكم بعد معركة واترلو. فهل يضطر جاك شيراك، في ضوء وضعه البائس، الى التخلي، هنا، وقبل الأوان، عن كرسيه؟ ام هل في الوسع القول ان مفارقة تاريخية استثنائية وفرت له منقذا بشخص ارييل شارون الذي سيضع بتصرفه بعض الهيبة الدولية وينقذه من نهاية كهذه؟gt;gt;.
هذه هي الفقرة ما قبل الاخيرة التي ختمت بها lt;lt;هآرتسgt;gt; المقابلة التي اجرتها مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك عشية وصول ارييل شارون الى باريس. وقد حفلت المقابلة، كما تقارير اخرى، بحشد من المعلومات على ما بدا قراراً فرنسياً بإنجاح الزيارة. ولكن لم يصل أحد الى حد تفسير هذه الحماسة بالقدرة التي يتوهمها شيراك لدى شارون على إنقاذ سمعته الدولية وانتشاله من الوهدة التي يقبع فيها. lt;lt;هآرتسgt;gt; تنسب هذه القدرة الى شارون واسرائيل فيما كان يمكنه ان يكون lt;lt;أدبا معاديا للاساميةgt;gt; لو جاء على لسان آخرين يزعمون ان lt;lt;اليهود يسيطرون على العالمgt;gt;.
الاعتبارات التي حكمت سلوك شيراك كثيرة. ولكن ما هو واضح هو ان الرجل أراد انجاح زيارة شارون. وبما ان شيراك هو شيراك فإن الامر يبدأ بالشخصي، تقارب العمر والتجربة، القدرة على الاستمرار، الشغف بالزراعة والحيوانات الأليفة، طريقة الاستقبال، عبارات المديح... وربما زاد في الامر ان الرئيس الفرنسي الذي يواجه أحكاما قضائية التقى شارون بعد ساعات من صدور قرارات قضائية ضد ابنه!
قرار إنجاح اي زيارة سهل حتى في ما يتعدى lt;lt;الشخصيgt;gt;: التناسي المتعمد لمواضيع الخلاف، وهي هنا استمرار الاستيطان الاسرائيلي، وبناء جدار العزل والضم، والتركيز على القضايا الوفاقية. وهذا التركيز ممكن حالياً شرط الاختباء وراء lt;lt;الخطوة التاريخيةgt;gt;، خطة الانسحاب من غزة، وشرط اطلاق التمنيات والاستماع الى الوعود الفارغة حول ارتباط هذه الخطوة بالتسوية الشاملة عبر lt;lt;خريطة الطريقgt;gt;. ثمة ضرورة، من اجل تأمين النجاح، لتجاهل ما قاله شارون في باريس حول رفض العودة الى حدود 67 ورفضه حق العودة!
مواضيع الاتفاق التي تناولتها المحادثات عديدة.
ففي ما يخص السلاح النووي الايراني (؟) التقى شيراك وشارون على رفضه وعدم السماح لطهران بامتلاكه واعتباره خطرا. كان التباين بينهما طفيفا لجهة شروط تحويل الملف الى مجلس الأمن وربما لجهة ترك الباب مفتوحا امام عمل عسكري.
وفي ما يخص سوريا اغتبط الضيف والمضيف لإرغامها على مغادرة لبنان، وعلى اضعاف موقعها الاقليمي، ولوجود قرار بمنعها من التدخل في الملفات التي تعني الدول المجاورة لها.
وفي ما يخص لبنان ارتاح الرجلان الى تطورات الشهور الاخيرة وأبديا اهتماما بحمايتها وبنشر سيطرة الدولة حتى الحدود (مع تلميح الى وجود تعاون استخباري في لبنان وحوله). وهنا، ايضا، كان التباين محدودا لجهة سلاح lt;lt;حزب اللهgt;gt; اذ تريد باريس إعطاء اللبنانيين فرصة لنزعه بالحوار، كما لجهة توقيت ادراج lt;lt;الحزبgt;gt; على القائمة الاوروبية للمنظمات الارهابية.
لقد نفذ شيراك وشارون قرارهما بإنجاح اللقاء. وذهبت تعليقات صحافية الى وصف ما جرى بأنه lt;lt;عودة إلى ما قبل اجواء 67gt;gt;. وكان القصد من ذلك ان الزيارة استثنائية بالفعل لأن العودة الى مثل تلك الاجواء مستحيلة عمليا: اسرائيل تعطي، الآن، اولوية لعلاقتها مع الولايات المتحدة على علاقتها مع اوروبا (وفرنسا)، التسليح النووي الفرنسي لإسرائيل لم يعد واردا، التحولات في مزاج كل من الرأي العام الفرنسي والاسرائيلي كبيرة. فالاسرائيليون لن يتخلوا، بسهولة، عن حبهم لكراهية فرنسا، والفرنسيون باتوا في موقع متقدم على حكومتهم حيال النزاع الفلسطيني الاسرائيلي...
لم تمنع هذه الحصيلة شارون من دعوة يهود فرنسا الى lt;lt;حزم الحقائبgt;gt;. ولم تمنع صدور توقعات بأن الانفراج قد لا يتجاوز غمامة فك الارتباط الصيفية. الا ان القرار الارادوي موجود بتحسين العلاقات وهو قرار يستند الى ما سبق لشيراك ان اقدم عليه. فمنذ سنوات والرئيس الفرنسي يحاول الفصل بين العلاقات الثنائية من
دولة لدولة (متطورة) وبين العلاقات الناجمة عن تباين المواقف من التسوية الاقليمية وشروطها (متدهورة). وما حصل في هذه الزيارة هو انه بات في وسع شيراك ان يقول ان العلاقات الثنائية ليست متطورة برغم السلوك الاسرائيلي حيال التسوية وإنما... بسببه!
يستطيع شارون المباهاة. لم يعد الاجتماع به مشكلة تسبب حرجا. على العكس. صار انقاذاً، حسب lt;lt;هآرتسgt;gt;، لزعيم دولة تقول عنها lt;lt;هآرتسgt;gt; نفسها انها lt;lt;احد اهم البلدان الاوروبية، ورابع اكبر اقتصاد في العالم، وقوة نووية، وعضو دائم في مجلس الأمنgt;gt;. استخدم رئيس الوزراء الاسرائيلي محطته الباريسية ليخاطب مواطنيه مؤكدا لهم ان سياسته تلقى ترحيبا دوليا حتى من.. فرنسا. وكان في وسع شارون ان يقول لمستوطنيه ومتطرفيه lt;lt;لقد نجحت في دفع شيراك الى ان يرى قشة الاحتلال السوري للبنان بدل ان يرى خشبة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين وهذا إنجاز تحقق بفعل الرغبة الاصلية لدى الرئيس الفرنسي في أن يوهم نفسه، كما العدد الاكبر من القادة العرب، بأن ما يحصل هو انسحاب محتمل من غزة لا ضم واقعي للقسم الاكبر من الضفةgt;gt;.
ويستطيع شارون المباهاة، ايضا، بأنه نجح في ان يستخدم لصالح اسرائيل lt;lt;النفوذgt;gt; الفرنسي لدى العرب ما دام نفوذاً يطارد الاسلحة الايرانية والارهاب الفلسطيني واللبناني والتهور السوري!
لا يستطيع شيراك الإقدام على المباهاة نفسها. ففرنسا الباحثة عن قدر من الفاعلية في الشرق الاوسط قد تجد نفسها مهددة بمزيد من الهامشية. فباريس، اذا تطابقت مع وشانطن، حلت هذه محلها وألحقتها. وباريس اذا تمايزت عن واشنطن جرى تهميشها. فالدور الذي تنشده فرنسا لنفسها (وللاتحاد الاوروبي) محكوم بشرطين غير متحققين: ان تكون اوروبا السياسية والامنية اقوى حيال الولايات المتحدة، وأن تكون محصلة الوضع العربي السياسية والامنية اقوى حيال اسرائيل. من دون ذلك لا دور لفرنسا او اوروبا جديا ولا قدرة عربية على الاستفادة. والواضح ان حملة علاقات عامة فرنسية في اسرائيل لا تحقق أياً من هذين الشرطين. ربما العكس هو الصحيح.
التقارب الفرنسي مع اسرائيل هو الخطوة الثانية بعد الدور في استصدار القرار 1559 في التناغم مع الاستراتيجية الاميركية الاجمالية لجورج بوش في الشرق الاوسط. اي ان باريس تتصرف مثل دولة عادية جدا تعتقد ان الطريق الى واشنطن تمر في تل ابيب (من هنا بعض الوجاهة في ما قالته lt;lt;هآرتسgt;gt;). وليس اسهل من ان يلاحظ المراقب الترابط بين 1559 ونتائج زيارة شارون الى باريس.
لقد سبق لجاك شيراك ان اقام المعادلة التالية: العلاقات الفرنسية اللبنانية الحارة مرتبطة بالعلاقات الفرنسية السورية الجيدة، وفي مقابل ذلك يمكن احتمال بعض التدهور في العلاقات الفرنسية الاسرائيلية. أما المعادلة الجديدة التي تجري محاولة لبنائها فتقوم على التالي: علاقات فرنسية حارة بكل من اسرائيل ولبنان مقابل علاقات سيئة مع سوريا. لهذه السياسة ما لها وعليها ما عليها. غير ان ما يهمنا منها في لبنان انها تطرح على بيروت تحديا غير مسبوق في مجال السياسة الخارجية قد يكون اول تحديات المرحلة الجديدة.
لقد بات على لبنان ان يمشي على الخط الفاصل. اي ان يحاول قدر الامكان الاحتفاظ بإيجابيات علاقته مع فرنسا من دون ان يبدو ذلك وكأنه تسليم بالحرارة المستجدة بين باريس وتل ابيب وبالعدائية بين باريس ودمشق. وكل سياسة لا تأخذ طرفي المعادلة بالاعتبار سيئة لأن في امكانها ان تضع لبنان في مواجهة لا مبرر لها مع دولة صديقة او ان تضعه في موقع المشارك في محور دولي اقليمي ضد سوريا. التقاط الخط الصائب ليس سهلا خاصة في بلد يفتقد تقاليد السياسة الخارجية، وإن كان يمتلك دبلوماسية لا يمكنها ان تقدم اجوبة عن الاسئلة الجديدة المطروحة بإلحاح.
امتدح شارون محاربة فرنسا لمعاداة السامية. الا انه لم يمنع نفسه من كلام عنصري ضد العرب. روى لقادة منظمات يهودية التقاهم انه زار الاسكندرية والقاهرة مرات عدة في اطار مفاوضات التسوية علما انه سبق له ان وطئ الارض المصرية في مهمات غير سلمية.
اضاف انه في خلال زياراته lt;lt;السلميةgt;gt; كانت أمه (85 عاما) تهاتفه كل مرة لتحدثه عن الزراعة والمزارع خاتمة حديثها بما يشبه الرجاء: لا تثق بهم! التحذير من العرب يشبه الصورة النمطية العنصرية عنهم في بعض الادب الاجنبي. لكن مصدر عدم الثقة بهم عند شارون وأمه هو انهم ليسوا صهاينة كفاية!.
- آخر تحديث :
التعليقات