في لحظة، يمكن تحديدها بدقة، سيرتطم lt;lt;النيزك ميليسgt;gt; بlt;lt;كوكب لبنانgt;gt;. ومثل العادة، أي كما في أفلام العلم الخرافي، يعلّق الناس شؤونهم في انتظار الحادثة الرهيبة. لا غرابة، إذاً، أن يبدو كل شيء في لبنان محكوماً بهذا الموعد الحتمي، ولا غرابة أن تكون التصرفات مبنية على تقدير الارتطام وآثاره.
هناك مَن يزعم أن الحياة، فوق الكوكب اللبناني، ستكون، في اليوم التالي، غيرها ما قبله: ستختفي الديناصورات. سيُعاد تشكيل الوضع وكأن البلد قطعة طينية لزجة سيعطيها التقرير شكلها الجديد. لبنان، والحالة هذه، صفحة بيضاء يخط عليها ميليس، عبر خلاصاته، ما يشاء بناء على ما توصل إليه من استنتاجات.
هناك مَن يزعم أن حجم الجرم الصادم صغير أصلاً وأن نقطة الاصطدام هي غير المتوقعة بحيث يمكن الرهان على أن اليوم التالي ليس سوى مجرد استمرار لما سبق.

... وتكثر التكهنات. ستكون النتائج مدمرة، يقول البعض. يرد آخرون أنها لن تدمر سوى المجرمين والمعنيين منقذة لبنان منهم فيتعافى. ويخرج متشددون من صلب التيار المتفائل ليلوّحوا بأن الهدف محدد بدقة، وهو كبير، وبأن الجمرة ستحرق موضعها محدثة أزمة قابلة للتطويق والتجاوز.
ليس مسموحاً، في ظل حمّى المراهنات، التساؤل عن وجود سابقة أمكن فيها لlt;lt;تقريرgt;gt; ما صياغة مستقبل الحياة الوطنية لبلد ما. التساؤل نفسه قابل لأن يتحوّل إلى شبهة، إلى محاولة تشكيك. ففي لبنان، أي في بلد آلاف الأكاذيب اليومية، تسبغ على lt;lt;الحقيقةgt;gt; القدرة على الشفاء الوافي. لا مجال لطرح ملاحظة ساذجة تقول إن الصراع هو، على الأرجح، صراع بين مجموعة من الحقائق. ثم إن ما يجري عندنا، من إصدارات متتالية لعفو تلو الآخر، ومن مطالبات بإسقاط التهم عن lt;lt;نازحينgt;gt; (بالنسبة للبعض) وlt;lt;عملاءgt;gt; (بالنسبة للبعض الآخر)، إن ما يجري يعقّد احتمال التوصل إلى تهمة حصينة تكون فوق الشك وفوق التجريح.
لا أحد يعرف ماذا سيقول ميليس في تقريره اللاحق للعرض الإجرائي الذي يفترض تقديمه اليوم. ولكن لا بأس من مغادرة الاصطفاف اللبناني والقول بأن كل ما هو دون الحقيقة الناصعة، القاطعة، الحاسمة، المثبتة، يكاد يساوي انفجار النيزك قبل لحظة الارتطام.
إذا كان هناك مَن يدعي أن تقرير ميليس سيعيد تشكيل الواقع اللبناني فإن الواجب هو الرد عليه بأن العكس سيحصل وأن الواقع اللبناني هو الذي سيعيد تشكيل تقرير ميليس بمعنى أنه سيقدم له قراءات متعددة بتعدد المواقع والأهواء والمصالح. التقرير، بهذا المعنى، ليس جسماً صلباً. إنه جسم سائل سيتخذ شكل الوعاء اللبناني ولو أنه وعاء داخل، منذ سنة، في حراك يمنعه من الاستقرار. نتائج التقرير وتبعاته أكثر ارتباطاً بشكل الوعاء لحظة الصدور ممّا هي عليه بمضمون التقرير.
قد تكون الفرضية المشار إليها أفضل من غيرها في تسليح المواطنين بتقدير لما ستؤول إليه الأمور. وهي، بالتأكيد، أفضل من سيل الإشاعات المتدفقة والتي تنسب إلى ما سيقوله المحقق الألماني فعلاً سحرياً بهذا الاتجاه أو ذاك. بتعبير آخر، إذا أراد أي لبناني أن يمتلك تصوراً لوضع بلده غداة التقرير، عليه أن يبدأ بامتلاك تصور لوضع البلد اليوم، وتحديد نقاط التأزم فيه، وتعريف الاستعصاءات، ثم عليه أن يفترض أن المرحلة اللاحقة

ستكون شبيهة إلى حد ما بالحالية مع إضافة قدر كبير من التوتر والحرارة على كل المعضلات المطروحة اليوم.
إن طبيعة القوى السياسية والطائفية في البلد، وطبيعة العناوين المختلف عليها، وطبيعة السجالات الدائرة، والتصلب المتنامي في التخندق والتموضع، ان هذه كلها أقوى من أن يعدّل فيها جوهرياً تقرير قد يبقى مقصراً، ولو بحدود، عن رمي النور في الصدور.
وليس أدل على ذلك من أن المحطة الراهنة التي استقر عليها لبنان لم تكن في وارد انتظار lt;lt;معرفة الحقيقةgt;gt;. لقد استبق lt;lt;الجلاء السوريgt;gt; جلاء الحقيقة. وكذلك مصير القسم الأكبر من قادة الأجهزة. وعاد مَن كان منفياً. وتحرر مَن كان سجيناً. وخيضت انتخابات قيل إنها كانت منازلة بين الضحايا المحددين والقتلة المحددين. وتغيّرت الأكثرية. وتشكلت حكومة جديدة. وانقلبت جهة الوصاية وأساليب الوصاية. وكانت الحصيلة الإجمالية لذلك كله نوعاً من الاستقرار المتوازن والهش... نعم حصل ذلك كله قبل التقرير والحقيقة، لا بل حصل بعض منه حتى قبل مجرد تشكيل لجنة التحقيق.
التوازن الحالي هش وربما انتقالي. ونقاط التأزم فيه معروفة وعلنية وإن كان بعضها مستتراً وخبيثاً ويجري التستر عليه من جانب اللبنانيين الذين اكتشفوا في أنفسهم شغفاً إلى lt;lt;الحقيقةgt;gt;. ولأن التوازن هش فإنه يعطي للتقرير العتيد أهمية ولكنها أهمية لا تتجاوز، على الأرجح، القدرة على رفع منسوب الحرارة والتوتر في قضايا يجعلها الوضع اللبناني العام مأزومة. إن الوضع اللاحق هو، في النهاية، نتيجة تفاعل بين المعطى الحالي وبين التأثير الذي سيتركه عليه التقرير.
هناك أزمة، مثلاً، في العلاقة بين الأكثرية الجديدة وبين الرئيس إميل لحود. هذه الأزمة سوف تشتد بعد صدور التقرير. هل تصل إلى حد طرح موضوع الانتخابات الرئاسية المبكرة؟ إن الجواب مرهون بالمسالك السياسية لقوى تملك حساباتها الخاصة وتستعد، منذ الآن، لحماية أي نهج تعتمده بقراءة معينة للتقرير.
هناك أزمة، أيضاً، في العلاقات اللبنانية السورية. هذه الأزمة قد تشهد حماوة في حال تضمن التقرير إشارات أو إيحاءات أو حتى أكثر من ذلك قليلاً. غير أن القوى، المحلية والإقليمية والدولية، التي تريد لهذه العلاقة أن تكون على هذا النحو أو ذاك ستبقى، في الجوهر، عند مواقفها ولو أنها ستعدلها بعض الشيء آخذة في الاعتبار درجة lt;lt;الحقيقةgt;gt; في التقرير ومحيلة، ربما، قرارها النهائي، أو هذا ما سوف تدعيه، إلى ما بعد... المحاكمة.

هناك أزمة في علاقات الطوائف اللبنانية ببعضها. سوف تشتد بعد التقرير مع إضافة محتملة قد تترك آثاراً على ما يسمى lt;lt;التحالف الرباعيgt;gt; وعلى مكوّنيه السني والشيعي...
وهكذا دواليك. ثمة لوحة معقدة من المواقف حيال قضايا جوهرية ومفصلية بعضها محلي صرف وبعضها موصول بأجندات خارجية. إن لوحة ما قبل التقرير هي نفسها، أو هي قريبة جداً، من لوحة ما بعد التقرير مع فارق محتمل هو التصاعد في نقاط الاحتكاك.
lt;lt;النيزك ميليسgt;gt; قادم. lt;lt;الكوكب اللبنانيgt;gt; ينتظر. لحظة الاصطدام قريبة. لا بد ممّا ليس منه بد. ثمة جريمة مروّعة حصلت. لا بد من دفع الثمن. ولكن، أيضاً، لا بد من الإدراك أن اللبنانيين أقل توافقاً بكثير من أن يجمعوا على فدية واحدة، على حقيقة شافية واحدة