السلاحان الرئيسيان للنظام العربي الرسمي في عالم العلاقات الدولية الذي لا يرحم هما: إبداء المخاوف والتهديد بالانهيار! أي أن هذا النظام لم يعد يملك ما يقول سوى الشكوى، ولم يعد يملك ما يلوّح به سوى أنه على شفير الهاوية.
تنظر أنظمة lt;lt;صديقةgt;gt; للولايات المتحدة إلى الوضع في فلسطين فترفع صوتها بالتحذير من أن السلطة الوطنية ضعيفة ويخشى عليها لذا فالواجب تقديم العون إليها واستجداء أرييل شارون حتى لا يزيدها ضعفاً. ربما أقدم نظام ما على المساعدة داخلاً من الحيز الذي تسمح به واشنطن وإسرائيل ولكنه، إذ يفعل ذلك، يكون مراهناً على أن استمرار التحلل غير مرغوب وعلى أن هناك من يخشى البديل.
لا يوجد اليوم نظام عربي واحد يتعاطى مع إسرائيل بصفتها دولة تملك lt;lt;استراتيجية وطنيةgt;gt; شديدة الوضوح لا يمكن الرد عليها إلا باستراتيجية مقابلة. والوجه الآخر لهذا العجز ملء الفضاء بالأوهام والترهات، والمضي إلى حدود غير مقبولة في إيهام النفس والتدليس عليها، وفي إنتاج وعي ومحاولة فرضه على الآخرين يجافي الوقائع البسيطة وألف باء العقلانية.
وتنظر أنظمة lt;lt;صديقةgt;gt; للولايات المتحدة إلى الوضع في العراق، وتستشعر خطورة ما يجري في هذا البلد عليها، إلا أن الشلل يقعدها، فتكاد تنتحب خوفاً معتبرة أن إبداء المخاوف يمكن له أن يثير شفقة أحد. يتفكك العراق أمام الأعين. يخطو خطوات نحو الاحتراب الأهلي. يتأكد للجميع أنه من رابع المستحيلات حصر النار في موضعها. ويكون الرد الغرائبي هو الذهاب إلى الولايات المتحدة نفسها من أجل إبداء التذمر من lt;lt;التدخل الأجنبيgt;gt;!
لا يتوقف أحد عند معنى أن يكون العراق محاطاً بدولتين غير عربيتين تملك كل واحدة منهما lt;lt;استراتيجية وطنيةgt;gt;: تركيا وإيران. ولا يفكر أحد بمعنى أن يكون الشمال العراقي صاداً لتركيا بحيث يمكنها أن تتدخل ضده في حال تمادى في تطلبه الاستقلالي. ولا يأبه أحد لمعنى أن يكون الجنوب العراقي جاذباً للتدخل الإيراني وسامحاً له بموقع قدم قابل للتمدد. ولا يهتم أحد لمعنى أن الوسط العراقي مقاوم وداخل في اشتباك مع الاحتلال يمكن له أن يتسع مثل بقعة زيت ليطال مرتكزات النفوذ الأميركي في المنطقة. وهكذا يجد lt;lt;حلفاءgt;gt; الولايات المتحدة أنفسهم أمام أكراد انفصاليين لا لسان معهم، وأمام شيعة يرنون نحو إيران، وأمام عرب سنّة يعادون الغزو فتكون النتيجة أن لا مدخل للتأثير ولا قدرة على التدخل لإطفاء النار أولاً ولمنعها من الانتشار ثانياً.
أمام هذا المشهد المريع لا نجد نظامين عربيين يلتقيان لتحديد سياسة، أو لرسم وجهة تدخل، أو للتجرؤ على أخذ الاستنتاجات اللازمة المبنية على توزيع عادل للمسؤوليات عمّا جرى. كل ما نسمعه هو نوع من النحيب الطفولي، وكل ما نراه هو المحاولة المستميتة للاحتماء بالهوان ولإثارة الرعب لدى lt;lt;الدولgt;gt; من أن عواقب ما تفعله وخيم لأن lt;lt;حلفاءهاgt;gt; أوهى من أن يتحمّلوا النتائج.
لا شك، اليوم، في أن السلاح الأمضى في يد بعض الأنظمة هو تهديد الولايات المتحدة بالانهيار الذاتي. ثمة دول عربية تعتقد جدياً أن قوتها الرادعة حيال خصومها هي أنها قابلة للسقوط. والوجه الآخر لهذا التهديد هو التلويح بأن البديل منها قد يكون أكثر جذرية وأنه، بالتأكيد، أصولي متشدد. إن التوازن الاستراتيجي الذي يسجل لنا فضل ابتكاره هو أن الحد الأقصى من القوة يواجه، حصرياً، بالحد الأقصى من الهشاشة.
هل يمكن تخيّل المشهد التالي: ان قادة عرباً يهددون الولايات المتحدة بأنهم قد يكونون موضوعاً لأحد أوجه سياسة lt;lt;الفوضى البناءةgt;gt; التي هي واحد من احتمالات السياسة
الأميركية (!)، وهم، في هذا التهديد، يشددون على lt;lt;الفوضىgt;gt; من أجل إقناع البيت الأبيض بقدر من الرأفة.
إلا أن من الملاحظ، في مقابل هذا التشاؤم الذي يبديه النظام العربي الرسمي، لا يكف جورج بوش عن إبداء تفاؤل يبدو أنه يمتلك منه مخزوناً لا ينضب ولا تؤثر فيه الوقائع. نظرة بوش إلى الموضوع الفلسطيني وردية. كذلك نظرته إلى الوضع العراقي الذي يرى فيه خطاً بيانياً إيجابياً متصاعداً في حين يرى الآخرون، ومنهم زوار عرب دائمون للولايات المتحدة، تدهوراً مستمراً.
لا شيء أدهى من التشاؤم العاجز إلا التفاؤل الغبي و... القوي. فبين هذين الحدين يتم طحن المنطقة وقضاياها وشعوبها: حكّام تابعون يعتبرون ضعفهم نقطة قوتهم الأساسية ومركز إمبراطوري يلزمه غير إعصار من أجل التعرف على التواضع.
- آخر تحديث :
التعليقات