الإثنين:09. 01. 2006

راؤول الفونسين


شهد العام الماضي تحولاً حاسماً في أمريكا اللاتينية، فعلى ما يبدو أن عدداً متزايداً من دول المنطقة أصبحت عازمة الآن على السعي نحو تحقيق مصالحها بصرف النظر عن رغبة الولايات المتحدة.

كان انتخاب خوسيه ميجيل إنسولزا أميناً عاماً لمنظمة الدول الأمريكية، بعد الهزيمة التي ألحقها بالمرشح المدعوم من قِبَل إدارة بوش بمثابة البرهان الساطع على انحدار الزعامة القارية للولايات المتحدة. والحقيقة أن الولايات المتحدة لم تفقد السيطرة على منظمة الدول الأمريكية، التي كانت تخدم مصالحها بصورة عامة فحسب، بل لقد أخفقت أيضاً في إقناع الدول المشاركة في قمة الأمريكتين لعام 2005 والتي جرت في ldquo;مار ديل بلاتاrdquo; بالأرجنتين، بالتصديق بالإجماع على بيان تعلن فيه عن تأييدها للمواقف الاقتصادية والسياسية التي تتبناها الولايات المتحدة في المنطقة. ولقد كانت هذه النكسة أكثر إيلاماً للولايات المتحدة، حيث إن تلك القمة كانت قد صممت للدفاع عن مواقف الولايات المتحدة والترويج لها.

فضلاً عن ذلك فقد فشلت المحاولات التي بذلتها إدارة بوش طيلة العام 2005 لتأديب حكومة فنزويلا. فقد عجز الرئيس بوش ببساطة عن حمل الحكومات الأخرى على دعم سياسة العزلة التي كان يسعى إلى فرضها على إدارة الرئيس هوجو شافيز. كما أحبِطت أيضاً جهود الولايات المتحدة الرامية إلى اكتساب الدعم الإقليمي لسياسة التدخل المباشر في النزاع الداخلي الدائر في كولومبيا.

بطبيعة الحال، لا تسير كافة الأمور ضد الولايات المتحدة. فقد جاء انتخاب الكولومبي لويس ألبرتو رئيساً لبنك التنمية بين الأمريكتين نتيجة لدعم واضح من قِبَل الولايات المتحدة. وهذا يعني أن البنك سوف يستمر على الأرجح في سياساته التقليدية الليبرالية الجديدة. ولكن على أية حال، أصبحنا الآن نرى خطاً واضحاً بين دول أمريكا اللاتينية التي تسعى إلى تحقيق تكامل إقليمي تملي شروطه من خلال مصالحها الخاصة، وبين تلك الدول التي تؤيد التكامل تحت توجيهات الولايات المتحدة.

يتلخص مشروع المجموعة الأولى، تحت زعامة البرازيل وبدعم من الأرجنتين وفنزويلا، في إنشاء ما يسمى ldquo;جمعية أمم جنوب أمريكاrdquo;. وتسعى دول مجموعة جنوب أمريكا التجارية البرازيل، والأرجنتين، بالإضافة إلى باراجواي وأوروجواي إلى الدفاع عن مصالحها الوطنية وإلى إقامة نظام دولي أكثر عدالة وديمقراطية، ولا تسعى إلى المواجهة مع أي جهة.

وهناك اتجاهان بين دول المجموعة الثانية التي تسعى إلى إقامة علاقة مباشرة مع واشنطن فبعض الدول مثل كولومبيا، والإكوادور، وبيرو، تعمل كل منها على نحو منفرد، بينما هناك دول أخرى، وعلى رأسها دول أمريكا الوسطى وجمهورية الدومينيكان، تعمل من خلال منظور إقليمي. وجميع تلك الدول تؤيد السياسة التي انتهجتها المكسيك بالفعل، وشيلي إلى حد أقل.

لكن الصورة الأيديولوجية تقدم لنا تناقضات صارخة. والحقيقة أننا نستطيع أن نتوقع عواقب سياسية قد تؤثر في المنطقة بالكامل إذا ما تفاقمت المواجهة بين فنزويلا والولايات المتحدة، وإذا ما فازت جبهة ساندينيستا للتحرير الوطني بنصر انتخابي في نيكاراجوا. فمن المرجح أن تنظر الولايات المتحدة إلى تشكيل مثلث يربط كوبا وفنزويلا ونيكاراجوا باعتباره تهديداً مباشراً للاستقرار الإقليمي، الأمر الذي سيؤدي لا محالة إلى وضع أمريكا اللاتينية بصورة خطيرة على رأس أولويات الأجندة الأمنية لإدارة بوش. وبطبيعة الحال، لن يؤدي فوز الحركة الاشتراكية التي يتزعمها إيفو موراليس في بوليفيا إلا إلى صب المزيد من الوقود على اللهب.

مما لا شك فيه أن نظرتنا إلى أمريكا اللاتينية في عام 2005 ينبغي ألا تقتصر على الجانب الذي يتصل بعلاقتها بالولايات المتحدة، فهناك أيضاً مخاوف عميقة بشأن الأوضاع الداخلية في العديد من الدول التي تعاني من أزمات سياسية ومؤسسية تكاد تكون مستديمة، مثل هايتي، والإكوادور، وبوليفيا. ومما يدعو للأسف أن الأسباب البنيوية التي أدت إلى نشوء هذه الأزمات لن تتوافر الحلول لها بمقدم العام الجديد.

والحقيقة أن المشاكل المحلية من المرجح أن تؤدي إلى تفاقم التوتر الإقليمي. فقد شهد عام 2005 على سبيل المثال مناوشات بين شيلي وبيرو بشأن الحدود البحرية. وفي بوليفيا هناك ضغوط متصاعدة ترمي إلى استرداد الحق في الوصول إلى البحر، والذي خسرته لمصلحة شيلي أثناء القرن التاسع عشر، وهي تستغل صادراتها من الغاز كورقة ضغط. كما يساعد النزاع بين كوستاريكا ونيكارجوا حول حقوق الملاحة في نهر سان خوان، والنزاعات القضائية الحامية بين كولومبيا وفنزويلا، على تصعيد التوتر في المنطقة.

كل هذه التوترات تفرض تهديداً قد يتجسد في سباق تسلح جديد، هذا في وقت أصبحت مشاكل مثل الفقر، والافتقار إلى المساواة والعدل، وتهميش المواطنين الأصليين تمثل التحدي الأكبر الذي يواجه المنطقة. وإذا لم تجد هذه المشاكل علاجاً فلسوف تتفاقم حالة عدم الاستقرار لا محالة.

وفي النهاية، نستطيع أن نؤكد أن الهجرة بأعداد كبيرة تساهم في تغذية التوتر في الإقليم. والمشكلة لا تتلخص في الهجرة غير القانونية إلى الولايات المتحدة فحسب. ذلك أن هذه الهجرات التي جاءت كنتيجة مباشرة للظروف الاقتصادية القاسية وأعمال العنف واسعة النطاق في الماضي بصورة خاصة تحدث أيضاً بين دول أمريكا اللاتينية. ولكي تظل هذه التنقلات الهائلة للبشر سلمية فإن هذا يفرض على زعماء المنطقة تحديات خطيرة خلال الأشهر والأعوام القادمة.

وإذا لم تتحسن الظروف التي تؤدي إلى الفقر والعنف في كافة أنحاء أمريكا اللاتينية فمن المحتم أن يتصاعد التوتر. فلقد وصلت المنطقة حقاً إلى مفترق طرق، ولسوف يقرر العام 2006 ما إذا كانت المنطقة سوف ترتد إلى ذلك الماضي المؤسف الأليم الذي سادته الفوضى، أو تعمل على إيجاد النضج اللازم للاستفادة من تجارب الماضي في تحقيق النمو والاستقرار في ظل ظروف تسودها الحرية والديمقراطية.

* أول رئيس منتخب ديمقراطياً للأرجنتين بعد سقوط نظامها الديكتاتوري العسكري.