طلال سلمان
هل يمكن القول، في ضوء وقائع quot;اليوم السوري الطويلquot; إن المملكة العربية السعودية باتت جاهزة الآن لإطلاق مبادرتها، من اجل كشح مناخ quot;الحربquot; التي يعيش النظام السوري في جوّها، ويرد عليها بالتهديد بفوضى عارمة في هذه المنطقة المتهالكة أوضاعها، والمفتقدة الى مرجعية مؤهّلة لحسم الخلافات داخل اطار عربي، يوفر الغطاء الدولي الضروري؟!.
بصيغة أخرى: هل توفرت للمملكة، بشخص عاهلها عبد الله بن عبد العزيز الضمانات الضرورية لمباشرة هذه المهمة الصعبة التي كانت تعتذر عن التقدم لركوب مخاطرها إلى ما قبل أيام قليلة مضت؟!
ليس سراً أن العرب بمجموعهم، واللبنانيين على وجه الخصوص، كانوا يتطلعون الى المملكة على انها الجهة الوحيدة المؤهلة والقادرة على فتح الأبواب المقفلة في سوريا وعليها، وعلى كسر الحصار المضروب عليها بالاتهامات القاسية منذ اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، والتي بلغت ذروتها مع إصرار لجنة التحقيق الدولية، مجدداً، على الاستماع الى الرئيس السوري بشار الأسد ومعه وزير خارجيته فاروق الشرع.
كان العرب عموماً، واللبنانيون خصوصاً، يخافون من سوريا وعليها، خصوصاً بعدما أعلنت قيادتها بصراحة مطلقة أنها لن تقبع في مواقع دفاعية، بل هي ستقاتل دفاعاً عن نظامها، بكل الاسلحة، محمّلة مسؤولية الفوضى التي قد تجتاح المنطقة جميعاً (مع الجراح المفتوحة في العراق، وفي فلسطين) لقوى الضغط الدولية (الادارة الاميركية والرئاسة الفرنسية خاصة) والمرجعيات العربية التي تخلت عنها او امتنعت عن نصرتها، وبالتحديد المملكة العربية السعودية، وبدرجة أقل القيادة المصرية.
وكان لبنان المسرح المباشر لهذه lt;lt;الحربgt;gt;، خصوصا أنه قد تفجر بالغضب اثر جريمة اغتيال الرئيس الحريري، في 14 شباط الماضي، ووجد هذا الغضب الشعبي العارم من يوظفه بداية ضد الوجود السوري في لبنان، ومن ثم ضد النظام السوري عامة.. وقد تلاقت على هذا التوظيف قوى دولية وعربية مختلفة الاغراض، فضلا عن الكثير من lt;lt;حلفاءgt;gt; سوريا السابقين في لبنان، إضافة الى خصومها التاريخيين فيه.
سالت دماء كثيرة وعزيزة في لبنان، عبر سلسلة من الاغتيالات طاولت العديد من رجالاته الاعلاميين والسياسيين، وتفاقمت حالة من النقمة وجدت من يغذيها لتتحول عداء يقارب حدود العنصرية، وتدهورت العلاقات بشكل خطير حتى كادت تسد الطرق وتقطع التواصل بين البلدين المتكاملين بالمصلحة كما بالواقع الجغرافي.
كانت مصر تريد ولا تقدر، وحدها، على المبادرة.
وكانت السعودية تتردد، في انتظار ان تتأكد من استعداد القيادة السورية لوقف الحرب والتعاون مع لجنة التحقيق الدولية، كمدخل إلى جلاء الحقيقة حول جريمة اغتيال الحريري، يسهل مهمة فك الحصار عنها، وبالتالي طمأنة النظام الى ان lt;lt;العربgt;gt; لا يعملون لاسقاطه.
على هذا يمكن الجزم بأن لبنان كان lt;lt;الحاضر الاكبرgt;gt; في لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد، ثم في اللقاء المسائي في شرم الشيخ بين الأسد والرئيس المصري حسني مبارك، الذي كان حاول الاستعانة بالأمين العامة لجامعة الدول العربية في lt;lt;مسعىgt;gt; أولي لاستكشاف الجو، تمهيداً لمبادرة ما فكان الرد حملة شرسة على عمرو موسى لمجرد انه حاول ان يعرف هل ذلك ممكن ام لا!.
وطبيعي ان يكون لبنان lt;lt;الحاضر الاكبرgt;gt;، طالما ان البند الاول على جدول الاعمال هو جريمة اغتيال الرئيس الحريري، والموقف السوري من التحقيق الدولي فيها، وبالتالي من مطلب كشف الحقيقة ومحاسبة المسؤولين المتورطين فيها.
فرفيق الحريري، بداية، قد جاء من المملكة العربية السعودية الى الحكم في لبنان، عبر بوابة دمشق، وبديهي ان يكون اغتياله قد تسبب في إقفال هذه البوابة، كما خلخل مرتكزات العلاقة الخاصة والاستثنائية التي كانت قائمة على الدوام بين دمشق والرياض.
ولعل الرحلة التي قطعها الرئيس السوري بشار الأسد في طريقه الى لقاء الملك عبد الله بن عبد العزيز، في جدة، امس، والتي لا تستغرق في العادة اكثر من ساعتين، هي واحدة من اطول رحلاته، اذا كانت المعايير سياسية ونفسية. لقد استغرقت شهوراً طويلة من الحملات والاتهامات المعلنة او الضمنية، وتراكمت على الطريق بين العاصمتين اللتين شدتهما علاقات مميزة، فعلاً، على امتداد ثلث قرن او يزيد، مجموعة من العقبات الكأداء والريب والحساسيات التي كادت تعطل التواصل.
هل آن الأوان، إذاً، لمبادرة من الملك السعودي، كان يتطلع إليها اللبنانيون بخاصة والعرب عموماً، مع مساعدة مصرية مباشرة، وهل نضجت الظروف الكفيلة بنجاح هذه المبادرة، فباتت دمشق مستعدة لقبول شروطها الضرورية، حتى لو بدت للوهلة الاولى ثقيلة الوطأة عليها؟!
مؤكد أن المهمة الصباحية التي قام بها وزير خارجية السعودية الامير سعود الفيصل في دمشق، قد نجحت بالاتفاق على توفير الشروط الكفيلة بإنجاح المبادرة، فعاد الى مليكه بأجوبة سورية حاسمة مكّنت من عقد قمة ناجحة، بشهادة بيانها الذي يقول ضمنا اكثر بكثير مما يقول نصه lt;lt;التقليديgt;gt;.
ومؤكد أن بشار الأسد قد ذهب الى الرئيس المصري حسني مبارك بهذه البشائر الطيبة للمبادرة السعودية التي لعب دوراً في إنضاجها وتوفير أسباب النجاح لها في دمشق، ثم في باريس التي ذهب إليها خصيصا لكي تسمع منه lt;lt;الضماناتgt;gt; التي طالما طالبت بتوفيرها، لكي توقف lt;lt;حربهاgt;gt; ضده سواء مباشرة ام بالواسطة.
أما عن طبيعة المبادرة والضمانات التي تكفل نجاحها، وكيف ستترجم على صعيد العلاقات اللبنانية السورية، فمن الضروري انتظار بعض الوقت لمعرفتها بكامل تفاصيلها.
لكن المؤكد ان السعودية ما كانت لتنطلق لولا توفر ما يكفي من عناصر الاطمئنان الى ان مبادرتها هذه ستحمل الى اللبنانيين عموما ما يطلبونه من سوريا كمدخل لاستعادة مناخ الوئام وبالتالي العلاقات الطبيعية معها.
والمدخل المنطقي ان يطمئن اللبنانيون جميعا، وليس آل الحريري أو تيار المستقبل فقط الى تعاون سوريا مع التحقيق الدولي لكشف المسؤولين عن اغتيال الحريري، فعلى قاعدة كشف الحقيقة حول هذه الجريمة وهوية مرتكبيها، يمكن المباشرة بترميم ما تدهور من العلاقات الاخوية بين البلدين التي أراد لها بشار الأسد، ذات يوم، ان تكون lt;lt;النموذجgt;gt;، فانتهت الى النقيض حتى بلغت مشارف الحرب، مع خطر انحدارها الى نوع من العنصرية المدمرة للشعبين التوأمين.
واللبنانيون، على اختلاف مشاربهم، يتمنون ان تكون هذه المبادرة السعودية بداية الخروج من النفق المظلم الذي ادخلوا إليه كارهين.
التعليقات