الأربعاء:18. 01. 2006

عيون وآذان
جهاد الخازن

فوجئت وأنا أجمع مادة من حول العالم عن آرييل شارون بعد مرضه ان أقرأ laquo;أين شارون العربي؟raquo;، وأيضاً laquo;مطلوب: شارون عربيraquo;.

العنوان الاول كان لموضوع نشرته جريدة التايمز اللندنية في التاسع من هذا الشهر، وكتبه تم هيمز الذي أستطيع ان أتجاهله بسهولة، غير ان العنوان الثاني كان لمقال نشرته laquo;نيويورك تايمزraquo; في 11 الجاري، وأعادت نشره laquo;الهيرالد تريبيونraquo; في اليوم التالي وكتبه توماس فريدمان الذي أقدر رأيه كثيراً، فهو حسن الاطلاع ووسطي في معظم الأحيان فلا اختلف معه في رأي اكثر من مرة في السنة.

تيم هيمز بدأ بمقارنة ممجوجة بين آرييل شارون وشارل ديغول منطلقاً من قول الرئيس الفرنسي الراحل ان المقابر ملأى بناس اعتقدوا ان لا غنى عنهم. وهو أكمل بهاتين الفقرتين العجيبتين:

ديغول وشارون اشتركا في اكثر من القدرة على السخرية. كانا قائدين لامعين ومثيرين للجدل اعتبرا laquo;الأوامرraquo; مجرد نصائح تقوّم بحسب أهميتها. ووصل كلاهما الى أعلى مركز رسمي بعد سنوات من النفي السياسي، واتهم كل منهما بخيانة اقرب أنصاره اليه، ديغول للانسحاب من الجزائر وشارون لإغلاق المستوطنات اليهودية في غزة.

الفارق الوحيد بين الرجلين هو ان رئيس وزراء إسرائيل كان انجح بكثير كقائد ميداني (فهو لم يقد الفرنسيين) وانه كان اكثر تواضعاً.

ما سبق هو ما طلع به تيم هيمز، وهو محاضر جامعي سابق وكاتب يميني يكتب عادة تمنياته، ولا اعرف من أي أبدأ، فأرفض مبدأ مقارنة شارون بديغول، وأقول ان شارون على رغم شهرته العسكرية في الخارج كان محتقراً من كل العسكريين الاسرائيليين الذين عرفوه او تعاملوا معه، وقد طالب جنود وضباط مرة بمحاكمته وترأس حاييم بارليف الجلسات، وخسر في قلقيلية 18 جندياً اسرائيلياً مع جرح 50 آخرين، وانتقده موشى دايان بحدة في مذكراته. وهو سنة 1956 قاد جنوده خلافاً للأوامر الى الجانب الغربي من ممر ميتلا فسقطوا في كمين مصري، وقتل 38 منهم وجرح 120 آخرون. واتهمه الجنرال مائير زوريا، قائد القطاع الشمالي، بأنه laquo;نرجسيraquo;، وحتى في ثغرة الدفرسوار، تبين انه عصى الأوامر، وترك جيشين إسرائيليين في الشمال والجنوب ليدمرهما المصريون، وتكبد خسائر هائلة. وبعد ان تشتت جيش الجنرال ابراهام دان في الشمال، وأيضاً فرقة الجنرال ابراهام مندلر الذي قتل في الجنوب، تضافر الجنرال شمويل غونين مع بارليف لطرد شارون من الجيش. وفي النهاية عزل من القيادة التي سلمت الى غونين. أما اجتياح لبنان فكان غير مبرر وخسرت فيه إسرائيل اكثر مما خسرت في حروب مع الدول العربية، وبعد مجزرة صبرا وشاتيلا دانه تقرير القاضي مائير كاهانا وقال انه لا يصلح لتسلم مسؤولية.

هذا تاريخ إسرائيلي ولا يجوز معه ان يقارن مجرم حرب ببطل مقاومة ضد النازيين، وديغول لم يتهم يوماً بمجازر، او قتل بنات المدارس. وفي أهمية ذلك، ان ديغول انسحب من ارض ليست لفرنسا، وان شارون انسحب من ارض ليست لإسرائيل، والفارق ان ديغول فعل ذلك لأنه كان يعرف ان أيام الاستعمار ولت، وان شارون انسحب هرباً من القنبلة السكانية الفلسطينية في القطاع، وليستطيع البقاء في أجزاء من الضفة الغربية.

بعد كل هذا يربط الكاتب بين شارون و laquo;مسيرة السلامraquo; كأنه سعى فعلاً للسلام، ولم يدمره عمداً، ويقول ان المشكلة هي انه لا يوجد من يماثل شارون في العالم العربي، laquo;لا أحد يقبل الاعتراف علناً بأن الفلسطينيين لا يستطيعون ان يحصلوا على كل ما يريدون كما ان الاسرائيليين لا يستطيعون ان يحصلوا على كل ما يريدونraquo;.

اذا حصل الفلسطينيون على كل ما يريدون فهو فلسطين الا انهم قبلوا 22 في المئة منها، وبقي ان تقبل إسرائيل.

أريد للعالم العربي أشياء كثيرة ليس بينها شارون عربي، فهذا يعني قاتلاً من مستوى نازي وعدواً للسلام.

ووجدت رداً وافياً على تيم هيمز في رسالة من كريس دويل، مدير مجلس تحسين التفاهم العربي ndash; البريطاني، فهو أبدى رأياً مماثلاً لرأيي، ولكن بديبلوماسية.

مقال توماس فريدمان افضل بكثير، والكاتب أذكى من ان يخدع بشارون ومواقفه، ولا اختلف معه في اكثر من العنوان لأن laquo;شارون عربيraquo; يعني ان نطلب للعرب مجرم حرب وعدواً للسلام، فالنقطة الاهم في كل هذا الجدل هي ان شارون عارض كل خطوة على طريق السلام، وكل اتفاق سلام، او وقف لاطلاق النار، وانه لم يتغير ابداً في سنواته الاخيرة، لذلك طلب laquo;شارون عربيraquo; يعني ان نطلب نهاية العملية السلمية.

فريدمان يقول عندما يسأل هل هناك شارون عربي فهو يسأل هل تقوم قيادات من بين الفلسطينيين والسوريين واللبنانيين والسعوديين تنهي العداء الذي يضر بمجتمعات هذه الشعوب، والمطالبة بعودة اللاجئين.

كل ما اقول هو ان شارون لم يكن الزعيم الاسرائيلي الذي سينهي العداء، ولكن أرجو ان يكون ايهود أولمرت قادراً فقد وجدته دائماً بين قيادة ليكود الاقل عدوانية وتطرفاً.

وكنا سمعنا دائماً ان ياسر عرفات عقبة في وجه السلام، غير انه مضى على رحيله اكثر من سنة، مع وجود رجل يريد السلام هو محمود عباس، ومع ذلك لا يزال السلام بعيداً لأن العقبة كانت دائماً شارون لا أبو عمار.