الوضعان الأمني والسياسي عمّما التوقعات الفلكية وقراءة المستقبل
حركة الكواكب والنجوم والمجرات باتت العنصر الحاسم الذي يُقرر يوميات اللبنانيين ويرسم مساءاتهم ويُخطط لصباحاتهم، ويحدد كمية الأوكسجين التي يُفترض ان يتنفسّوها، وذلك بواسطة رسائل واشارات، يتولى علماء الفلك، كما يسمون انفسهم، ترجمتها ونقلها الى الجمهور المتلهف لمعرفة ما اذا كان من الأفضل ان يخطو برجله اليمنى أولا او اليسرى، او لا يخطو نهائيا خارج بيته لان ثمة شراً يتربص به خارجا! وكأن مسّاً جماعياً أصاب عقول المواطنين وجعلهم اسرى خزعبلات المنجمين والعرافين، وهم في ذلك لا يلامون بعدما فقد المجتمع كل صمامات الامان واصبح ابناؤه مسحورين، لا يعرفون ماذا يفعلون من دون الارشادات والتوجيهات الفلكية التي يتولى مبعوثون خاصون ترجمتها، وهم كثر واعدادهم الى تزايد، نظرا الى خطورة الوضع!.
توقّع، يُتوقّع، مُتوقع،أو تنبأ، يتنبأ، نبوءة... هذه الكلمات ومشتقاتها هي اكثر ما تُثير الذعر في نفوس اللبنانيين لحظة سماعها، بغض النظرعن العبارة التي قد تليها، اذ يكفي ان تحضر هذه الكلمة في اي عبارة او خطاب او كلام، او حتى حديث عابر، حتى يشعر المستمع بغثيان وتنتابه موجة من التوتر يكاد يفقد معها السيطرة على اعصابه.
ويعود ذلك، وفق التشخيص السريري لهذه الحال المستجدة في المجتمع اللبناني، الى quot;موضةquot; التوقعات التي اجتاحت البلاد في الطول والعرض، وابطالها منجمون وعرافون وعالمون في الغيب يدعون انهم يملكون الحقيقة المطلقة، اي حقيقة، حتى تلك التي انهمكت لجنة التحقيق الدولية في فكّ رموزها. واستطرادا، لماذا لا يعقد هؤلاء العارفون في بواطن الامور وظواهرها من خلال حركة الكواكب والنجوم وقدرة فوق ذهنية خصّهم بها الله، اجتماعا مغلقا لكشف الحقيقة الوحيدة التيquot;يهدسquot; فيها اللبنانيون واصدقاؤهم في هذا العالم منذ اكثر من عشرة أشهر؟ ولهم ان يستنزفوا كل الوقت الذي يحتاجونه لكشف طلاسم هذه المعضلة لعلهم يريحوا العباد على الأقل من توقعاتهم التي تتدرج في السوداوية من سيء الى اسوأ، ولا تتنبأ إلا بالكوارث والمصائب بصفتها عملة رائجة تحقق لهم شهرة مضمونة.
جحافل المنجمين
صحيح ان التوقعات الفلكية ليست ظاهرة جديدة في لبنان، غير انها تطورت في الآونة الاخيرة لتصبح موضة تشبه مواسم الفنانين والراقصين، لا بل تضاهيهم شهرة وشعبية. فحتى تلفزيون الواقع الذي شغل بال مشاهدي الشاشة الصغيرة من دون اي منافس من اي نوع، تراجعت سطوته امام جحافل المنجمين الذين يتفوقون على معظم السياسيين اللبنانيين في الثرثرة وملء الفراغ في الكلام غير المناسب. فلو خُيّر المواطنون، على سبيل المثال، ما بين دلع هيفا وهبي وميوعتها وبين جدية ماغي فرح وتقطيبة حاجبيها اثناء محاكاتها الكواكب والمجرات، فإنهم سيختارون مرغمين فرح، التي لا تحمل توقعاتها لهذه السنة اي فرح، وذلك ليطمئنوا اولا ما اذا كانوا سيبقون على قيد الحياة ليمتعوا نظرهم بآخر ابداعات هيفا وزميلاتها في الكار. اما اذا كان عليهم ان يفاضلوا بين الفلكي سمير طنب والنائب وليد جنبلاط، فإنهم سيهرعون عن طيب خاطر الى تحمل رتابة صوت طنب الذي يبدو كمن ينوّم المشاهدين مغناطيسيا، ليس لأن النائب وائل ابو فاعور سينفي في اليوم التالي تصريحات جنبلاط التي سيعيد هذا الاخير تأكيدها قبل الالتفاف عليها في تصريح ثان وثالث ورابع، بل لأنهم يأملون في ان يخبرهم طنب ان تأثير الكواكب على السياسيين سيكون كبيرا ويتسبب بعقد السنتهم الى حد يمتنعون معه عن التصريح طيلة سنة كاملة، قابلة التمديد!
في كل حال، ان المنافسة على اشدها ما بين الطرفين، وخصوصا بعدما خصصت مساحات واسعة للمنجمين في برامج الـ quot;توك شوquot; السياسية. وفي المناسبة، فإن الترجمة العربية الحرفية لهذه العبارة الانكليزية هي الاكثر تجسيدا لمضمون معظم هذه البرامج في المحطات المحلية والفضائيات العربية. انه quot;استعراض الكلامquot;. ولعل هذا القاسم المشترك بين السياسي والفلكي اتاح للأخير ان يحجز لنفسه مكانا في البرامج السياسية المُصنفة درجة أولى. فحلّت العالمة في الغيب كارمن شماس ضيفة على برنامج quot;نقطة نظامquot; للزميل حسن معوّض في محطة quot;العربيةquot; التي ما لبثت ان استضافت بعد دقائق نائب الرئيس السوري المستقيل عبد الحليم خدام في مقابلته الشهيرة.
وفجّر خدام قنبلة سياسية شغلت العالم والمنجمين الذين تباروا في مراقبة حركة المجرات والدبّين الاصغر والأكبر لاستلهام المستقبل بناء على هذه الاشارة الدنيوية، في حين عكف السياسيون على التحليل والتمحيص لمزيد من الاستشراف. والنتيجة واحدة في التحليل والتوقع: مزيد من الاغتيالات والخضات الأمنية، والآتي الأعظم. لذا، لا ضير في ابدال الطاقم السياسي الحالي والسابق والأسبق وكل من تسوّل له نفسه لمزيد من التصريح والتحليل بمجموعات المنجمين من دون ان يحدث ذلك فارقاً يذكر، علما ان المنجمين هم اقل سماجة من السياسيين.
ولا تبدو عملية الإبدال مستحيلة، خصوصا ان دائرة استلهام العرافين لم تعد تقتصرعلى شؤون المال والزواج والانجاب، بل تعدتها الى الخوض في غمار السياسة والتحالفات الاستراتجية، والتكتيكات العسكرية، وخريطة المنطقة، ومستقبل الزعماء العرب. والطريف هنا ان العرّافين يؤكدون انهم لا يحلّلون في السياسة بل quot;يقرأونquot; هذا النوع من الاحداث والتصريحات والمواقف وفق حركة النجوم والكواكب. واراد احد المنجمين الذي استضافته اذاعة quot;صوت الشعبquot;(لم نتعرف إلى اسمه) ان يشرح معنى ذلك، فأعطى مثلا عن تجربته في هذا الميدان، وقال معتزا بنفسه انه quot;اول من توقع ان محمود عباس سيصبح رئيسا للسلطة الفلسطينية، علما ان احدا لم يكن يسمع بهذا الرجل . فقد كان موضوعا على الرف منذ اعوام طويلةquot;! وهذا خير مثال، في رأي صاحبنا، على انه لا يحلل في السياسة بل يستلهم. وعلى المستمع الذي يعرف ان عباس كان المرشح الأوفر حظا لخلافة الرئيس ياسر عرفات، ان يغالط نفسه وينفي الحقائق الواضحة وضوح الشمس، ويقتنع بان هذا الفلكي الأشوس حبس نفسه في غرفة سوداء وتلقى هذا الالهام - الاكتشاف وقدمه بتواضع للجمهور المتعطش لمزيد من المعرفة. ولا يتوقف الاستخفاف بعقول الناس عند هذا الحد، بل يتجاوزه الى ما هو افظع من ذلك، اذ يجزم بعض الفلكيين، مثلا، حدوث وفاة مجموعة من الشخصيات او الزعامات المحلية والعربية، هي اصلا متقدمة في السن وتعاني أمراضاً شتى، ويمكن أي طفل بريء ان يتوقع الأمر نفسه من دون حاجته لمواهب فوق انسانية.
المال والسلطة
يبدو ان المواطنين تنبهوا متأخرين الى انهم اصبحوا مادة يتقاذفها المنجمون، بعدما كانوا quot;الفئات الشعبيةquot; وquot;الطبقات المسحوقةquot; الذين استدعت حالهم وجود السياسيين لأجل خدمتهم كما يدعون. ويُفترض بهؤلاء ان يبقوا مسحقوين لتحليل عمل هذه الطبقة وتبرير وجودها. وكذلك هي الحال مع العالمين في الغيب الذين وُجدوا ايضا للعمل من أجل خير كوكب الأرض عموما واللبنانيين خصوصا، ولكنهم لا يتنبأون للبشرية الا بمزيد من المصائب والنكبات والانهيارات، وهذا شرط اساسي لضمان تأمين استمرارية عملهم، إذ يتهافت المواطنون، الذين لا حول لهم ولا قوة، على شراء كتبهم، فترتفع نسبة المبيعات، وتلقائيا منسوب الشهرة والربح. انها الثروة المضمونة التي تدخل في دائرة الخطراذا مالت دفة التوقعات باتجاه بعض الايجابية. فالناس يخافون المستور الذي يهدد حياتهم، وقلما يكترثون لمعرفة تفاصيل المستقبل الزاخر الذي ينتظرهم. وفي هذه الحال، يكتفون بالعنوان الرئيسي ولا يخوضون في التفاصيل حتى لا يضيعوا على انفسهم عنصر المفاجأة الجيدة. انها حال سيكولوجية يعرف المنجمون كيف يستغلونها. فإذا بهم يُمعنون في اختيار عناوين كتبهم ونبوءاتهم لمضاعفة ربحهم. المسألة حسابية قبل ان تكون فلكية. ولا يحتاج هؤلاء للتمحيص في حركة الكواكب للإطلاع على حجم المبيعات التي ستحققها بٍدعُهم، بل يكتفون بدراسة جدوى يكلفون بها على الأرجح أي مسوّق يتمتع بالكفاية المطلوبة. ولأن التنجيم أصبح عملة رائجة في ظل الشهرة والمال والسلطة التي يحققها ابطاله، فقد بات الباب مفتوحا امام كل من يقنعه الاصدقاء والاحباء انه يملك الخيال، حتى لا نقول القدرة على التدجيل لخوض غمار هذه التجربة، تماما مثل الفنان الذي يروي دائما انه جرّب اوتار صوته امام الاهل الذين كانوا اول من تحمّل نشازه (وهو لا يستخدم هذا التوصيف بطبيعة الحال، بل يستبدله بعبارة quot; اكتشفوا موهبتهquot;) وحمّسوه الا يدفن قدراته الإلهية ضمن جدران البيت. ولكن عواقب التجارب الفنية على آذان المستمعين معقولة مقارنة مع ما يمكن ان تسببه توقعات المنجمين في النفوس والعقول. لذا، ثارت ثائرة المواطنين اخيرا على كل من يدعي ان في جعبته اسرار المجرات والكواكب، ووصل الامر بالبعض الى طلب توقيف كل من quot;يتوقعquot; حتى ولو كان حديثه يتناول تقلبات الطقس ودرجات الحرارة. دفع هذا الواقع بالمنجمين الى شنّ حملة دفاع شرسة عن quot;مهنتهمquot; محورها التأكيد انهم علماء فلك وليسوا منجمين (قلما يؤثر الفارق في نتيجة ما يتفوهون به)، وانهم يحملون في جعبهم نصائح الى الناس قد تجنبهم، اذا اتبعوها المصير (الاسود) الذي تنبئ به حركة الكواكب. وكانت النصيحة بجمل!
أضرار محدودة
بقيت عملية التنجيم في الواقع، مضبوطة ضمن ايقاع معين، ولم تتجاوز حدودها المنطقية بوصفها ظاهرة عالمية موجودة في كل المجتمعات، بغض النظر عن مدى تطورها او تخلفها. فالادب الشعبي غني بقصص الملوك الذين كانوا يعتمدون على المنجمين في كل تحرك يقومون به. وفي التاريخ القديم والحديث روايات عن زعماء عرب وأجانب وظفوا منجمين في قصورهم بصفتهم مستشارين لهم الكلمة الفصل في كل قرار ينوون اتخاذه. ويُقال ان مرجعا لبنانيا يُصغي الى احد العرافين اكثر مما يأخذ بنصيحة مستشاريه، وزيارة هذا العراف طقس يومي لا يتخلى عنه تحت اي ظرف. ويقال ايضا ان هذه العادة متوارثة في العائلة ابا عن جد!.
لكن كشف المستور في هذا المعنى، لم يشكل أي ضرر يُذكر، وبقي ضمن حدود اللعبة المتعارف عليها: توقعات في مطلع كل سنة، يتابعها المواطنون ثم ينسونها بعد أيام، ليقتصر اهتمام البعض على مطابقة التوقعات الخاصة بابراجهم مع ايقاع حياتهم اليومية. وقد يذهب المهووسون أبعد من ذلك. فإذا بهم ينتقلون ما بين منجم وعرّاف ومشعوذ، وبين قارئة كف ومتخصص في علم الفراسة وقراءة الفنجان وضرب الرمل، بحثا عن معلومة تنير لهم درب المستقبل. وغالبا ما يقتنعون بان كل ما يُقال لهم صحيح، وخصوصا حين تدور المعلومات في دائرة العموميات التي تناسب كل شخص عمليا، وهي من نوع quot;مسافر يعود قريباquot;، وفي كل بيت لبناني مسافر! اوquot; مشكلات عالقة ستجد طريقها الى الحلquot;، ومن هو الذي لا يواجه جملة مشاكل عالقة؟ وسواها من التوقعات المشابهة التي ما لم تعد بالفائدة على اصحابها، فإنها لا تضر حكما. ويروي صاحب مقهى وظّف quot;بصارةquot; لجذب مزيد من الزبائن، انها كانت تردد مجموعة جمل وعبارات وكليشهات امام الزبائن الذين كانوا يخرجون مدهوشين ببراعتها وحرفيتها في كشف الحقائق، علما انه اشترط عليها الا تتنبأ بالسوء لأحد لأن هذا مناف لشروط العمل ومن الممكن ان يتسبب بطردها.
لم يكن هذا العالم يخلو من الطرافة، وفيه الكثير من القصص المسلية. ويروي شاب انه استيقظ ذات صباح على صراخ امرأة في المبنى الذي يقطنه حيث كان جارهم يعتاش من خلال الضرب بالرمل وكشف المستور. وكانت هذه المرأة تشتم الرجل الذي أكد لها ان ابنها سينجح في الشهادة الثانوية. لكن الاخير رسب، فما كان من المنجم الا ان اجابها quot; شو بعملك اذا ابنك حمار؟quot; مؤكدا لها انه quot;لم يحدد لها اصلا السنة التي سينجح فيها ابنها، واذا رسب في الدورة الاولى فلا بد من ان ينجح في الدورة الثانية أو في السنة التي تليهاquot;. ولا يزال مشاهدو الشاشة الصغيرة يذكرون quot;البصارةquot; التي كانت تقدم فقرة في عالم الصباح تقرأ خلالها في الفنجان مستقبل السياسيين الذين يحلون ضيوفا على تلفزيون quot;المستقبلquot;. وكانت هذه البصارة تجمع المعلومات الخاصة بحياة الضيف وتقدمها في قالب توقعات لتثبت جدارتها وتنال اعجاب الضيوف والمشاهدين. وكان أحد الوزراء الذين وقعوا في فخها يواجه مشكلات عقارية مع اقربائه ويحاول التحايل عليهم، فما كان منquot; البصارةquot; الا ان فضحته مباشرة على الهواء بعدما استقت المعلومات من احد الصحافيين المقربين منه، فوضعته في موقف لا يحسد عليه. وكانت تردّ على كل امتعاضة تعلو وجهه بابتسامة خبيثة تلحقها بعبارة quot;هذا ما يقوله فنجانك في شكل جلّيquot;.
quot;فلت الملقquot;
انقلبت الصورة الى نقيضها مع انفجار الوضع الامني والسياسي في لبنان عند اغتيال الرئيس رفيق الحريري في شباط الماضي، فسارع المنجمون الى فتح كتبهم واخراج تسجيلاتهم الاذاعية والتلفزيونية للتأكيد أنهم كانوا اول من تنبأ بوقوع الواقعة. منهم من قال انه لمّح الىquot; شخصية كبيرةquot;، كان يعني بها الحريري، ولكنه آثرعدم ذكر الإسم منعا لاثارة الهلع في النفوس. منهم من اكتفى بوصف مشهد الانفجار او بتحديد مكان وقوعه. في الخلاصة، جميعهم كانوا يعرفون، أو كانوا في اسوأ الاحوال قاب قوسين أو أدنى من تحديد تفاصيل الواقعة. وهذا ما يدفع الى التساؤل ما اذا كانت الكواكب والمجرات تعطي الاشارات عينها لكل الناطقين بإسمها ام انها تخص مجموعة معينة بمعلومات تحجبها عن المجموعات الاخرى؟ ولعل هذا ما دفع بإحدى الصديقات الى اتخاذ قرار بتقديم نفسها قربانا على مذبح المنجمين، وذلك عبر زيارة جميع الذين يتعاطون هذه المهنة (هذا، اذا استطاعت ان تحصي اعدادهم) واعطائهم معلومات كاذبة عن هويتها لترى ما اذا كانوا يستطيعون اكتشاف ذلك ام لا، على ان تجمع بعدها المعلومات التي حصلت عليها وتقارنها مع بعضها البعض لتستنتج مدى تطابقها او تقاطعها او تعارضها.
بعد اغتيال الحريري ارتفعت، اذن، اسهم quot;علماء الفلكquot; ومن لفّ لفهم وأصبحوا مطلبا شعبيا، وخصوصا ان المواطنين اقتنعوا بأن هؤلاء يملكون الحقيقة المطلقة، فرفعوا لهم شعارquot; هاتوا
ما عندكمquot; من دون ان يدركوا ان هذه الحماسة ستقودهم الى الهلاك، وتجعلهم اشبه بمجانين خرجوا للتو من مشفى الأمراض العقلية. وأصبحت كلمة واحدة من عالم الفلك ميشال حايك quot;تحل وتربطquot; في البلاد، فاذا به صاحب السلطة المطلقة، بإمكانه ان يأمر الناس التزام بيوتهم او الإختباء في الملاجئ او الإمتناع عن سلوك هذا الطريق او ذاك حتى يحصل على طاعة شبه كاملة من دون ادنى نقاش او اعتراض.
كان يمكن هذه الفورة ان تنطفئ بعد بضعة اسابيع شأن اي ظاهرة يتلهى بها الناس لبعض الوقت قبل ان يلفظوها بعيدا، لكن تطورات الاحداث في لبنان خلال العام المنصرم شكلت ارضا خصبة لتكاثر المنجمين بوتيرة اسرع من الفطر. وquot;فلت الملقquot; في ظل غياب اي بديل عقلاني او موضوعي يعيد الناس الى رشدها او صوابها. فلا دولة تشرح للناس ماذا يجري، ولا سلطة امنية توقف متهما واحدا، ولا اجراءات كافية لردع الخطر. فكيف يُمكن لأي مواطن في اوضاع مماثلة الا يصدق المنجمين، ويلتقط الاشارات الصادرة عنهم وخصوصا حين تتحدث عن انفجار في مركز تجاري سيذهب ضحيته عشرات الجرحى والقتلى. لم يحصل الانفجار، والحمدالله، ولكن احدا لم يجرؤ على زيارة مركز تجاري في التاريخ المحدد تحت شعارquot; ألف مرة جبان ولا مرة الله يرحمواquot;.
***
... والى ان يخرج لبنان من هذا المخاض العسير، ويستعيد اللبنانيون بعضا من رشدهم، فإن السلطة الفعلية هي للمنجمين او علماء الفلك لا فرق، فنوع التسمية قلما يفيد هنا. لهم ان يتوقعوا، وللمواطنين ان يصدقوا حرفية ما يقولون حتى ولو أرادوا عكس ذلك. وسلطة المنجمين هي، في أي حال، أفضل من سلطة السياسين، ذلك انهم يوحون على الأقل، انهم كاذبون مهما صدقوا، في حين يُصر معظم السياسيين على انهم صادقون مهما كذبوا.
تحقيق، جنى نصرالله
التعليقات