افتتاحية - النيويورك تايمز


لعل في غاية الصعوبة تخيل رئيس وادارة اكثر تمسكا بالسرية من الرئيس جورج دبليو بوش وفريقه. عدا عن حالات بعينها، عندما يناسب السيد بوش من الناحية السياسية اعطاء الشعب إلماحة صغيرة عن تلك الاسرار. وهكذا كان عندما أمر في السادس والعشرين من أيلول بإماطة اللثام عن نزر يسير من تقرير كانت اعدته وكالات استخبارات اميركية حول التهديد الارهابي الكوني.

وقال السيد بوش انه اراد ان ينشر الوثيقة حتى لا يشعر المقترعون بارتباك حيال الارهاب او الحرب عندما يصوتون لمرشحي الكونغرس في تشرين الثاني- نوفمبر المقبل. لكن الصفحات الثلاث التي ازيلت عنها صفة السرية من اصل تقرير كبير الحجم، لم تخبرنا بكل تأكيد سوى بما كان يجب ان يكون قد عرفه اصلا اي اميركي يقرأ صحيفة او يشاهد تلفازا او يمتلك مدخلاً الى الانترنت. لقد كان غزو العراق كارثة جائحة، وستسوء الحالة الراهنة اكثر اذا ما انسحبت القوات الاميركية. ولسوء الطالع، فإنه لا التقرير ولا الرئيس سيقدمان حتى ولو بصيص اقتراح حول كيفية تجنب تلك الكارثة الحتمية.

وبالرغم من محاولة وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس وجون نيغروبونتي مدير الامن القومي جعل الجميع يصدقون، فإن احدى الاستثناءات الرئيسية لتقديرات الاستخبارات القومية التي تمثل اجماع ست عشرة وكالة استخبارات كانت تفيد في الحقيقة بأن الحرب في العراق قد زادت الى درجة كبيرة من حجم التهديد الذي يشكله الارهاب quot;عبر تشكيل جيل جديد من القادة والناشطين الارهابيينquot;.

وقال التقرير ان العراق قد أصبح quot;القضية الكبرى بالنسبة للجهاديين، وهو يولد استياء عميقا من تدخل الولايات المتحدة في العالم الاسلامي، ويوفر فرصة تجنيد مؤيدين للحركة الجهادية الكونيةquot;. كما صنف التقرير الحرب في العراق بوصفها أكثر ثاني العناصر أهمية في انتشار الإرهاب - بعد الآفات المتأصلة مثل الفساد والظلم والخوف من السيطرة الغربيةquot;. وقد كان ذلك كله حاضراً قبل نيسان -ابريل عندما استكمل وضع التقرير. ومنذ ذلك الحين، اصبحت الامور اكثر سوءا (حيث كان التقرير قد وضع قبل مقتل زعيم تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين ابو مصعب الزرقاوي في حزيران -يونيو الماضي. واعتقد واضعوه ان مثل هذا التطور سيزيل الخطر في العراق، لكنه لم يفعل).

لقد قرر السيد بوش نشر هذا القطعة الصغيرة المنتقاة من التقرير كرد فعل على مقال كان قد نشر في quot;التايمزquot; خلال عطلة نهاية الاسبوع، والذي تناول بالتعليق تقديرات الاستخبارات. وكدفاع عن سياساته، فان التقرير لا يخدم سوى في إبراز المنطق الدائري الباعث على الجنون الذي يمرر على أنه هو العقلانية التي يتبناها البيت الأبيض. ويقول ذلك المنطق ان غزو العراق قد خلف جيشا كاملا من الإرهابيين، الذي سيتشجعون اذا ما جرى انسحاب اميركي. ولذلك، فإن على الولايات المتحدة ان تمكث الى أمد غير محدد وتستمر في مقاتلة اولئك الارهابيين.

وعملا بذلك المنطق، فان الولايات المتحدة كلما خاضت المزيد من القتال، طال أمد هذه الحرب.

لعل من الواضح السبب الكامن وراء عدم رغبة السيد بوش نشر هذا التقرير، ولماذا يستغرق الامر وكالات الاستخبارات ردحا طويلا من الزمن حتى تكمل تقريرا آخر مخصصاً للعراق فقط، والذي كان الكونغرس قد طلبه في أواخر تموز الماضي.

ومن غير المعقول ان الحاجة تمس الى مزيد من الوقت للقيام بالمهمة. ففي عام 2002، اكملت وكالات الاستخبارات وضع تقريرها عن اسلحة الدمار الشامل في العراق خلال وقت أقصر. كما ان السيد بوش اختار فقرات من ذلك التقرير لعرضها على الجمهور لدعم وجهات نظره الخاصة بالذهاب الى الحرب في العراق، والتي تبين فيما بعد ان الكثير منها كان من نسج الخيال.

في ذلك الوقت، اراد السيد بوش من الاميركيين التركيز على مدى خطورة صدام حسين وليس على التبعات الواضحة لاشعال فتيل حرب في الشرق الاوسط. والآن، فانه يريد من الناخبين ان يركزوا على مدى خطورة العالم راهنا، وليس على افتقاره الكلي للافكار المتعلقة بما عساه ان يفعل حيال تلك الخطورة.