الإثنين: 2006.10.09


د. عبد الرحمن محمد السلطان


تفضل خادم الحرمين الشريفين بتقديم موعد بدء إجازة عيد الفطر المبارك في القطاع الحكومي إلى الثامن عشر من رمضان، والذي كان موضع شكر وعرفان من قبل العاملين في هذا القطاع كافة. فالعمل في رمضان بالنسبة للكثيرين مشقة وعناء، خاصة في العشر الأواخر، والأجهزة الحكومية تعاني من تدن حاد في مستوى أداء العاملين، لذا فالمفقود الفعلي من الإنتاجية بسبب تقديم الإجازة محدود جدا لا يقارن بالمشقة التي رفعت عن كاهل العاملين, ما يؤكد حكمة ومناسبة هذه المكرمة السامية، وأنها قد تكون فرصة مناسبة لإعادة تقييم تجربة تأخير موعد بدء الدوام الحكومي في رمضان إلى الساعة العاشرة، التي مر على تطبيقها ما يقارب الثلاثين عاما. ومن المؤكد أن قرار تأخير بدء الدوام كان يهدف إلى تقليل مشقة العاملين في القطاع الحكومي في شهر رمضان ما يرفع من إنتاجيتهم ويزيد من كفاءة أدائهم، مقارنة بما سيكون عليه الحال لو بقي موعد بدء الدوام دون تغيير، وأي تقييم لهذه التجربة يجب أن يكون من خلال قياس مدى نجاحها في تحقيق هذا الهدف.
وتحول العمل في رمضان إلى مشكلة ومعاناة بصورة لم تكن معهودة في مجتمعنا ولا تتلاءم مع ما عرف به شهر رمضان على مدى التاريخ الإسلامي من إنجازات عظيمة، مؤشر على أننا، وعلى عكس ما نتصور، قد نكون بقرار تأخير بدء الدوم اليومي في رمضان قد زدنا من مشقة العاملين لا يسرنا عليهم. فكما نعرف جميعا، فإن المزارع والحرفي مثلا يبدأ عمله في رمضان في وقت أبكر من غيره لا أن يكون ذلك بعد أن يمضي نصف نهاره وإحساسه بالجوع والعطش وظهور آثار الصوم عليه. وهذا التأخير في موعد بدء الدوام لم يتسبب فقط في تشجيع معظم أفراد المجتمع على السهر، وبالتالي أصبح الموظف يأتي لعمله دون أخذ قسط كاف من النوم، وإنما أيضا جعله يعاني من خمول حاد لأنه يبدأ عمله اليومي بعد مرور ما يزيد على ست ساعات على أقل تقدير من تناوله لأي طعام أو شراب، ما يجعله يعاني من إحساس متنام بالجوع والعطش والإجهاد يحد من قدرته على العطاء.
ووفقا للتقويم الدراسي المعتمد حاليا, فإن العام الدراسي سيبدأ العام المقبل في السادس والعشرين من شعبان أي قبل بدء شهر رمضان بخمسة أيام فقط، وفي العام الذي يليه في الخامس من رمضان. ولا يخفى على أحد أن المؤسسات التعليمية على اختلاف مستوياتها في ظل هذا الوضع لن تتمكن من بدء أعمالها بأي مستوى مقبول، وأن بدء الدراسة الفعلي سيكون بعد عيد الفطر المبارك. وشهر رمضان في غضون سنوات قليلة سيصبح حلوله في فصل الصيف، ما يجعل بدء الدوام الرسمي للمؤسسات الحكومية في حال استمراره على موعده الحالي يأتي مع اشتداد حرارة الشمس ولهيبها، وستطول الفترة بين صلاة الفجر وبدء الدوم بشكل متزايد كل عام ما يزيد من معاناة العاملين ويظهر تأثير الإحساس بالعطش والجوع على أدائهم.
وغني عن القول أن من يكلف صائما للقيام بعمل فإن عليه مراعاة أن قمة إنتاجية هذا الموظف تكون في الفترة التالية لإمساكه مباشرة لا عندما يمضي جزء كبير من النهار وبدء أعراض تأثير الصوم عليه. لذا فأي تقييم لتجربة تأخير الدوام ونجاحها في تقليل مشقة الصائمين ورفع إنتاجيتهم سيظهر بشكل قاطع فشل هذه التجربة في تحقيق أي من ذلك، وأن ما تحقق العكس، حيث زادت معاناة العاملين وتدنى أداء جميع وحدات النشاط الاقتصادي بما في ذلك وحدات القطاع الخاص التي اضطرت إلى تغيير موعد دوامها بما يتماشى مع دوام القطاع الحكومي، وحلول شهر رمضان صيفا بعد سنوات قليلة سيفاقم من كل ذلك.
ما يجعل الحل الوحيد المناسب هو تقديم موعد العمل في رمضان لا تأخيره، وربط بدء الدوم بوقت أذان الفجر، كأن يحدد بدء دوام المدارس بعد ساعة ونصف من أذان الفجر في مدينة الرياض فيما يبدأ العمل في الدوائر الحكومية بعد ساعتين منه. وتحديد بدء الدوم بموعد أذان الفجر يحد من تأثير تراجع موعد الأذان خلال السنوات المقبلة، ما يضمن عدم اتساع الوقت بين صلاة الفجر وبدء العمل الرسمي، بحيث أن الطالب والموظف ينهي عمله في رمضان في الوقت الذي قد لا يكون حتى حان موعد ذهابه للعمل وفق برنامج الدوام الحالي. ما يحد من الكثير من المشكلات التي ارتبطت بالعمل في شهر رمضان، كتردي أداء العاملين ومحدودية إنتاجيتهم ووضعهم النفسي والانفعالي غير المناسب. فبالتحاق الموظف بعمله بعد صلاة الفجر مباشرة, لن يكون لديه إحساس بالجوع والعطش، وسيغادر إلى عمله في جو بارد، وفي الوقت الذي يشتد فيه حر النهار يكون عمله قد قارب على الانتهاء، وأمامه وقت أكثر من كاف لنيل قسط وافر من النوم، ويصبح نومه ليلا بمثابة القيلولة التي كان يأخذها نهاراً قبل رمضان لتزوده بالنشاط بقية يومه، ما يجعله أكثر نشاطا وحيوية في فترة الدوام. وسيكون لذلك انعكاسات إيجابية على الضغط النفسي الذي يلاحظ حاليا على الصائمين بعد انتصاف النهار، والذي يتجلى في التوترات المرورية والعنف وردات الفعل المبالغ فيها أحيانا، فساعات الصوم الأخيرة ستكون فترة نوم لا فترة انتظار تستهلك الصائم وتزيد من توتره وانفعاله.


أكاديمي وكاتب اقتصادي