السبت: 2006.10.14

سياسة التجاذب خلقت محوراً فرنسياً أمريكياً مقابل المحور الإيراني

محمد مصطفي علوش


أثناء الحرب الإسرائيلية علي لبنان قام وزير الخارجية السورية برحلة إلي قطر كونها العضو العربي في مجلس الأمن محذرا من استقدام قوات دولية إلي لبنان وأنه في حال انتشار قوات دولية علي الحدود السورية اللبنانية فإن سوريا ستعمد إلي إغلاق الحدود بين البلدين وقال quot;قوة احتلالquot; تفتح الباب أمام تسلل عناصر من القاعدة إلي لبنانquot;، متسائلا: quot;هل نريد أن نجعل من لبنان عراقاً آخر .
لقد نجحت سوريا باللعب بورقة القاعدة جيدا في وجه كل خصومها بعد نجاح مخابراتها في اختراق الحركات الجهادية في لبنان وسوريا ، من خلال رصدها من جانب وغض الطرف من جانب آخر عن عمليات تهريب المجاهدين الي العراق من البوابة السورية.ولسوريا أجندة خاصة في ذلك فهي تعلم جيدا أن القاعدة في تزايد وأن حرب العراق قد قوّت من التنظيم الجهادي بشكل عام وأن سوريا ولبنان والأردن ساحة مهمة للقاعدة لذلك لجأت الي إختراق القاعدة عبر محورين:
المحور الأول : الملفات الإستخباراتية السابقة لها في لبنان علما أن القاصي والداني يعلم كيف أن السوريين خلال وجودهم في لبنان كانوا يفرضون علي المشايخ السنة السلوك السياسي المطلوب.بل إن الآلية التي كان النظام السوري يدير فيها لبنان من خلال تشكيل لوبي سوري داخل جهاز المخابرات اللبنانية أو ما يعرف بفرع المعلومات والاستقصاء ساعد علي نمو وتغلغل الفكر الجهادي في كل من طرابلس والبقاع وعكار علما أن السياسة السورية الخفية كانت قائمة علي التحريض والتحريض المضاد بين الفئات والطوائف اللبنانية ثم تعمد إلي توفير الحماية لكل المتخاصمين حماية لهم من بعضهم بعضاً ودون علم لأحد منهم في ذلك حتي يحسب كل الفرقاء من جميع الطوائف والأطياف أن الوجود السوري في لبنان هو لخدمته وخدمة أجندته السياسية ولا أدل علي هذا الكلام من فتنة أحداث الضنية فالشباب الذين كانوا يخيمون في جبال المكمل في الضنية كانوا يقدمون تقارير أولا بأول عن كل تحركاتهم ولكن السياسة السورية في لبنان كانت تهيئهم ككبش محرقة لكسب المسيحيين الذين بدأت تزداد معارضتهم للوجود السوري في لبنان بسبب ان في طرابلس والضنية جماعات أصولية تريد أن تنقض علي المسيحيين في لبنان وان هذه الجماعات ترغب في تأسيس دولة إسلامية علي الأراضي اللبنانية. ولا أضمن للمسيحيين من الوجود السوري لتوفير الحماية لهم.
المحور الثاني : من خلال تجنيد مهربين تابعين لجهاز المخابرات السورية يقومون بتسهيل الطرق للمجاهدين من البلدان العربية الي العراق عبر سوريا لكسب ثقة المجاهدين والحصول منهم علي معلومات
حول الخريطة الجهادية في العراق بعد نجاح المقاومة العراقية في تجميد المشروع الأمريكي في المنطقة والذي كان من فصوله تغيير النظام السوري ظلت سوريا تحاول مسايرة الولايات المتحدة من جانب وتهديدها من جانب وبطريقة غبر مباشرة من خلال اللعب بورقة quot;القاعدةquot; حيث أن وزير الإتصالات السورية عمرو سالم قال قبل حرب تموز علي لبنان كما نقلت عنه شبكة سكاي نيوز البريطانية إن بلاده مستعدة لمساعدة الولايات المتحدة في تحديد مواقع تنظيم القاعدة في لبنان ، وذلك بهدف أن تكون وسيطا مع إيران و تؤدي دورا مهما في العراق وأضاف : نعلم أين هي raquo;مواقع القاعدةlaquo; ونستطيع إبلاغكم بذلك.
لقد أرادت سوريا إقناع الإتحاد الأوروبي والعالم أجمع أن ما يجري في لبنان هو جزء من التوتر والعنف في المنطقة بسبب توقف العملية السلمية وأنه ينبغي أن تعالج المسألة من جذورها بالعودة إلي البحث عن تسوية شاملة وعادلة علي أساس القرارين 242 و338 ومبدأ الأرض في مقابل السلام .في حين أن أوساط في لبنان تتهم سوريا بقلب مقولة ريمون اده الذي كان يردد أن quot;سوريا تنازلت عن الجولان في مقابل وضع يدها علي لبنانquot;. ولعلها الآن تطلب من الدول الكبري استعادة الجولان حتي تكف شرها عن لبنان وأن الحديث والتلويح عن تسلل عناصر من القاعدة إلي لبنان والمنطقة هو تهويل سوري لستر لعبتها علي الأراضي اللبنانية في حين أن وكالات الأنباء أثناء الحرب اللبنانية الأخيرة قد نقلت عن مسؤول ألماني أن نجل بن لادن المحتجز في إيران قد تم نقله إلي الحدود اللبنانية السورية لتطبيق أجندة سورية إيرانية عبر صفقة تمت بين القاعدة وإيران بعد أن استقبلت الاستخبارات الإيرانية قادة القاعدة، خاصة من العرب الهاربين من أفغانستان سواء بترتيب مسبق أم لجوءاً مضطراً، أسكنتهم مع عائلاتهم في مناطق شمالي طهران وتحديداً في منتجع جمران حيث احد أحصن المقرات للمرشد الأعلي السيد علي خامنئي، وأتاحت لبعضهم التواصل مع قادة آخرين منهم ما زالوا في أفغانستان، ولا تمر أمورهم دائماً بحسن التعامل مع الاستخبارات الإيرانية، حيث يتم التعامل معهم وفقاً لروزنامة إيرانية محددة مقياسها الرسائل التي توجهها طهران لواشنطن بين الحين والآخر، فإن أرادت إيران توجيه رسائل ايجابية لأميركا كشفت عن اعتقال بعض من قادة القاعدة أو مطاردتهم أو طردهم وان أرادت توجيه رسائل سلبية لها، أطلقت العنان للقاعدة وسربت عن تسلمها أسلحة بواسطة الحرس الثوري الإيراني
ويتهم المعارضون سوريا أنها تقوم باحتضان الجماعات الإسلامية المسلحة علي أراضيها وأن الآلاف من قوات الحرس الثوري الإيراني يقومون علي تدريب هذه الجماعات داخل سوريا للقيام بعمليات نوعية داخل لبنان وعلي حدود فلسطين بالإضافة إلي ذلك تقوم بتدريب عناصر إرهابية في سوريا وإرسالها إلي الخليج للضغط علي الحكومات الخليجية وذلك تحت عنوان التكامل والتنسيق الأمني بين إيران وسوريا التي عبّرت عنه زيارات الرئيس أحمدي نجاد خريج معسكرات الحرس الثوري إلي دمشق ولقاءاته مع رئيس النظام في سوريا بشار الأسد ، وسوريا ليست ببعيدة عن لعب دور الضحية والسجان سيما أن وجودها في لبنان منذ العام 1974 كان ضمن الصفقة الشهيرة التي عقدها الرئيس الراحل حافظ الأسد مع الوزير الأميركي - الصهيوني هنري كيسنجر علي قاعدة الاعتراف الأميركي بدور النظام السوري الإقليمي في لبنان وفلسطين مقابل الخدمات التي يؤديها لأميركا..
ويذهب آخرون أن سوريا استعادت قوات إسلامية من العراق نفسه وهيأتها للانتقال إلي لبنان وفلسطين، تحت عناوين مختلفة سواء باسم القاعدة أو جند الشام أو نصرة بلاد الشام أو غيرها من المسميات وأول قواعد هذه القوات هي علي الحدود المشتركة للبنان مع سوريا في البقاع والشمال، خاصة من أبناء هذه المناطق في قري البقاع الغربي وعكار حيث العصبية السنية متصاعدة لظروف مختلفة تمتد من العراق إلي لبنان وفلسطين وسوريا نفسها. وأن ما حصل من الهجوم علي السفارة الأمريكية في دمشق أمس علي أيدي متشددين فهؤلاء المتشددون المفترضون إما أنهم ساروا في مناخ الخطاب السياسي السوري، وإما أنهم رُتّبو بطريقة مخابراتية أو بأخري.. أو أنهم نتاج لعب النظام بالنار . وهذا التحليل يتبناه معظم تيار 14 آذار لا سيما وليد جنبلاط الزعيم الدرزي المعروف بل إن وزير الداخلية بالوكالة أحمد فتفت في مقابلة له مع جريدة النهار اللبنانية كان قد نوه أن يكون ما حدث في دمشق عبارة عن تمثيلية مصطنعة للنظام السوري في سبيل الضغط علي الولايات المتحدة الأمريكية ويري غيره من نفس التيار أن التهويل من أمر القاعدة في لبنان وسوريا ليس إلا ورقة سورية لمنع الولايات المتحدة من تغيير النظام ولو سلميا في سوريا حيث أن النظام السوري لديه تجربة عريقة في قمع الحركات الإسلامية لا سيما الإخوان المسلمين في حماة وغيرها.
وسواء كانت القاعدة تحتل هذا الحيز الخطير في المنطقة أو لا فإنه مما لا شك فيه أن القاعدة لا تثق بأي نظام عربي وليس من أبجديتها التعامل مع أي نظام عربي وخصوصا بعد ما حدث لها في السودان التي كانت تعتبرها دولة إسلامية بقيادة البشير وكان مما حدث للقاعدة هناك كما يقول حسن الترابي المنظر الأول للإسلام السياسي في السودان أن الحكومة السودانية كانت قد رحّلت أسامة بن لادن وسرقت ماله في إطار صفقة أمريكية سودانية كللت بعقد اتفاقية نيفاشا فيما يتعلق بجنوب السودان .
كما أن سوريا تعد لدي القاعدة من أكثر الدول العربية رصدا لتحركاته وتناقلاته من العالم العربي إلي العراق عبر حدودها البرية . وبالتالي ليس من مصلحتها التعامل مع النظام السوري التي تنظر إليه القاعدة علي أنه امتداد لقطبين بغيضين وفق أبجدياتها أولهما النظام الأمريكي والثاني النظام الإيراني .
وفي الوقت الذي يحذر فيه بعض المراقبين من أن الهجمات المسلحة من قبل الإسلاميين علي مراكز مهمة في سوريا في ظل ما تتمتع فيه سوريا من أمان داخلي قد يكون مؤشراً لهجات قربية لخلايا إسلامية مسلحة في لبنان حيث الفلتان الأمني والانقسام السياسي الحاد والمناخ الملائم للفكر الجهادي في شمال لبنان والبقاع المنطقتين الواقعتين علي الحدود من سوريا . حيث يقول جون نغروبونتي رئيس المخابرات الأميركية أن الولايات المتحدة تأخذ علي محمل الجد إمكانية توسيع القاعدة أنشطتها لتصل إلي لبنان مستغلة الصراع هناك.
مضيفا أن مثل هذه الخطوة والتي حث عليها علانية بالفعل زعماء القاعدة لا يمكن استبعادها علي الرغم من الهوة بين القاعدة التي يغلب عليها السنة وحزب الله اللبناني الشيعي الذي أنهي حربا استمرت 34 يوما مع إسرائيل الشهر الماضي.
وكان مما قاله نغروبونتي لرويترز ولصحيفة انترناشيونال هيرالد تريبيون في مقابلة في 22أيلول 2006م +لقد تحدث عن الأولوية التي يوليها للنجاح في العراق حتي يمكن استخدامه وقتئذ كمنبر لمد أنشطتهم إلي المشرق ويعني الأردن وسوريا ولبنان.
ولم يتضح بالنسبة لي ما إذا كانوا قد حصلوا أم لا علي أساس للقيام بنشاط ناجح في لبنان لان الطائفة الإسلامية الأقوي في لبنان الشيعة. ولكن لن استبعد ذلك. وتوجد بعض الأدلة علي نشاط القاعدة في لبنان.
وفي هذا الاتجاه كانت أجهزة المخابرات الألمانية قد سربت إلي صحيفة ألمانية أن إيران استقدمت نجل بن لادن إلي الحدود المتاخمة بين لبنان وسوريا وفق صفقة مشتركة بين القاعدة وإيران
يبدو من المشهد السياسي القائم وسياسة الجذب والدفع بين المحور السوري الإيراني من جانب والمحور الفرنسي الأمريكي من جانب آخر أن كلا المحورين يتهم الآخر بتسهيل عمل القاعدة في لبنان لتحقيق مكاسب سياسية تحت مظلة الحفاظ علي الأمن ومكافحة الإرهاب.

كاتب لبناني