الإثنين: 2006.10.16


فنجان قهوة
أبو خلدون


لا نعرف الكاتب التركي أورفان باموق، فهو لم يشارك في برنامج ldquo;من سيربح المليونrdquo;، ولم يستعن بصديق، ولم تصطده الكاميرا الخفية في موقف حرج، ولم يسند إليه أي دور في المسلسلات الرمضانية، ورغم أن الفضائيات العربية لم تترك أحدا إلا واستضافته في برامجها الحوارية أو اتصلت به على الأقل لاستمزاجه الرأي حول أحداث الساعة، فإنها لم تتصل بباموق ولم تسأله عن رأيه في الشرق الأوسط الجديد ولا عن سياسة الإبادة الجماعية التي تمارسها ldquo;إسرائيلrdquo; في الضفة وغزة. والقارىء الغربي لا يعرف باموق أيضا، رغم أنه فاز بجائزة الكتاب في معرض فرانكفورت للكتاب في الشهر الماضي، فباموق لا يزال في مقتبل العمر يشق طريقه الأدبية، ودور النشر الغربية لم تترجم له إلا قصتين هما ldquo;القلعة البيضاءrdquo; وrdquo;الثلجrdquo;، والقصتان لم تحققا انتشارا، ولو ذكرت اسم هذا الرجل أمام أي قارىء أو مثقف غربي لظن أنك تتحدث عن نوع من العطور.

وحتى في تركيا ينظر المثقفون إلى هذا الكاتب باعتباره، كما ذكرت صحيفة حرّيات ldquo;متوسط الموهبةrdquo;، ويذكرون أن الضجة التي أثيرت حول اسمه في فترة من الفترات أسبابها سياسية لا أدبية، فقد وقف إلى جانب سلمان رشدي يدافع عن آرائه الشيطانية، وبين الحين والآخر يتحدث عن المذابح التي نظمها الأتراك ضد الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى وكأنه لا يزال يعيش في بداية القرن العشرين، أما على الصعيد الأدبي فإنه لم يثر أية ردود فعل، وعندما سألت إحدى الصحف عينة عشوائية من الأتراك عنه، قال الجميع انهم سمعوا اسمه بمناسبة الحديث عن مذابح الأرمن، لا لأنهم قرأوا إحدى قصصه أو رواياته.

وعندما يقارن الأتراك بينه وبين عزيز نيسين تبدو المقارنة ظالمة بالفعل، وها هو الشاعر التركي أوزديمير إينش يقول معلقاً على منحه الجائزة: ldquo;الأدب التركي لم يحظ على التكريم هذا اليومrdquo; ويقول آخر إن اسمه كان في أسفل قائمة المرشحين للجائزة، ولكنه قفز إلى أعلاها بقدرة قادر.

وقضية مذابح الأرمن أثناء الحرب العالمية الأولى أصبحت مفتوحة للنقاش بعد أحداث سبتمبر، من باب فتح رشاشات تشويه السمعة على الدول الإسلامية (ومنها تركيا) لوصمها بالإرهاب، وتزامن حصول باموق على الجائزة مع حصول قرار على موافقة أعضاء الجمعية العمومية الفرنسية بتجريم كل من ينكر مذابح الأرمن، كما هو الحال بالنسبة للهولوكوست، وقد أحيل القرار إلى الرئيس الفرنسي جاك شيراك لتوقيعه، لكي ينتقل إلى حيز التطبيق، ولذلك فإن العنوان الرئيسي في صحيفة حريات حول فوز باموق بالجائزة كان ldquo;مذابح الأرمن تلقي بظلالها على نوبلrdquo;، ومما لا شك فيه إن فوز باموق سيعطي دفعا للحملة الأرمنية.

والحرج الذي وقع فيه الصحافيون في العالم وهم يحاولون الحصول على أية معلومات عن باموق لا بد أن لجنة جائزة نوبل شعرت بمثله عندما قررت تخطي جون أبدايك ومنح الجائزة لباموق، كما حدث عندما حصل الهنجاري ايمري كيرتيش على الجائزة قبل عامين لمجرد انه كتب عن الهولوكوست، ولذلك فإنها لم تجد ما تبرر به قرارها باستثناء الإشارة إلى مواقف باموق السياسية من مذابح الأرمن.

وكنا نؤمن ان جائزة نوبل تأمركت منذ رفضها سارتر، وتأسرلت منذ حصل مناحيم بيغن عليها، وتقزمت وتتفهت عندما منحت لإيمري، وها هي تتأرمن بعد حصول باموق عليها.

ويا أدونيس، شيء عظيم جدا ألا تحصل على هذه الجائزة.