عيون واذان
جهاد الخازن

كنتُ أفكّر كيف نتعامل مع اسرائيل من دون حرب عندما قرأت السؤال: ماذا كان سيتغيّر في العالم لو ان اسرائيل لم تقم سنة 1948؟

السؤال ليس مني بل طرحه وليام هيوز في مقال لاسع جمع فيه 25 نقطة ربطها بقيام اسرائيل التي قال انها تحوّلت الى آلة احتلال عنصرية تقتل الفلسطينيين. وفي حين ان المقال يستحق الترجمة كاملاً، فإن المجال هنا يضيق، وأختار من أفكار الكاتب ان العالم من دون اسرائيل كان يعني: عدم وجود عدو واحد للولايات المتحدة في العالم الإسلامي، عدم قيام القاعدة وعدم وقوع ارهاب 11/9/2001، غياب لوبي اسرائيل المسيطر على السياسة الخارجية الأميركية منذ أربعة عقود، انتفاء الحاجة الى محافظين جدد متطرفين أمثال بول وولفوفيتز ووليام كريستول وريتشارد بيرل، الجاسوس الصهيوني جوناثان بولارد كان سيبقى طليقاً، ألوف الأميركيين الذين قتلوا في العراق (وعشرات ألوف العراقيين) كانوا سيبقون أحياء، أيضاً كان بقي حيّاً 34 أميركياً على السفينة ليبرتي التي قصفها الاسرائيليون في 8/6/1967، ألوف اليهود الذين قُتلوا وهم ينشئون بلداً في أراضي شعب آخر، قتل وتشريد وترويع المدنيين وتدمير محطات الكهرباء والجسور، ما يثبت استطلاعاً للرأي العام الأوروبي في 4/4/2003 قال ان اسرائيل أكبر خطر على السلام العالمي.

أقول ان نكبة 1948 لم تكن آخر المطاف، فإسرائيل لا تزال تنكبنا كل يوم، والجرائم الأخيرة في قطاع غزة ولبنان قد تتكرّر غداً، فالحكومة الاسرائيلية التي تتصرّف بطريقة نازية خالصة، تنكر ارتكاب أي جريمة، ما يعني ان ترتكب جرائم أخرى في المستقبل طالما ان عندها حماية أميركية كاملة، والى درجة ان تعارض ادارة بوش وقف إطلاق النار فيما لبنان يدمّر والنساء والأطفال فيه يُقتلون بسلاح أميركي ترك الاسرائيليون وراءهم منه مليون قنبلة صغيرة. هل كانوا يحاولون قتل مليون لبناني؟ أزعم ان المجرمين في الحكومة الاسرائيلية سيعودون الى ارتكاب الجرائم طالما ان القاضي الأميركي لا يعاقبهم، فالمجرم عادة لا يتوب وإنما يخاف القانون والعودة الى السجن، وهذا غير وارد عند حكومة ايهود أولمرت.

لعلّ أوضح مثال عندي على تفكير هذه الحكومة هو موقف وزيرة الخارجية الاسرائيلية تزيبي ليفني التي جلستُ في مقاعد الوفد اللبناني وراءها في الجمعية العامة للأمم المتحدة وتابعتُ نشاطها السياسي في نيويورك وواشنطن.

ليفني ليست أسوأ أعضاء الحكومة الاسرائيلية، ومع ذلك فقد قالت في جلسة صحافية في واشنطن، وعشاء في نيويورك، انها وأعضاء الحكومة الاسرائيلية laquo;ذُهلواraquo; كيف انقلب الرأي العام العالمي بسرعة ضد اسرائيل بعد ان غزت لبنان، ففي البداية تفهّم العالم ان اسرائيل انتهكت وقتل ثلاثة جنود وخطف اثنان، وأن الرد مبرّر. ولكن ما ان بدأت اسرائيل غاراتها حتى ثار الرأي العالمي عليها.

هل يعقل ان امرأة متعلمة، ولا أقول مثقفة، لا تعرف الفارق بين ردّ عسكري على الذين خطفوا الجنديين، وبين قتل مئات النساء والأطفال اللبنانيين وتدمير البنية التحتية للبلد من دون ان تتهم اسرائيل نفسها الحكومة اللبنانية بالتواطؤ، أو بمعرفة مسبقة بخطط laquo;حزب اللهraquo;.

المظلة الأميركية، السياسية والعسكرية والمالية، لن تستطيع ان تحمي اسرائيل الى الأبد من شمس الحقيقة، وفي حين ان اسرائيل لها أنصار يسيطرون على وسائل اعلام نافذة حول العالم، فإن هؤلاء لا يستطيعون ان يخدعوا كل العالم كل الوقت.

وكنا رأينا في السابق حملات لمقاطعة اسرائيل، مثل المقاطعة الأكاديمية التي أطلقها في بريطانيا البروفسور ستيفن روز وزوجته وهما يهوديان، ومثل دعوة كنائس مسيحية عدة في الولايات المتحدة أتباعها الى مقاطعة اسرائيل وعدم الاستثمار فيها، وكانت القيادة هنا من الكنيسة المشيخية، ونظّمت جامعات أميركية عدة مقاطعة لإسرائيل، بل ان نقابة المحامين أيدت المقاطعة.

هناك دائماً عنصر يهودي بارز في الحملات على تطرف أي حكومة اسرائيلية، وبعد البروفسور روز وزوجته قرأت عن البروفسورة راشيل غيورا، وهي من جامعة تل أبيب، وتؤيد المقاطعة الأكاديمية البريطانية لاسرائيل وتقول انها مبررة، وتضيف انها تؤيد laquo;كل نوع من النقد العلني للسياسات الحالية للحكومة الاسرائيليةraquo;.

وكانت جماعة بتسيلم الاسرائيلية المدافعة عن حقوق الانسان الفلسطيني أصدرت تقريراً في 34 صفحة بعنوان laquo;عمل انتقاميraquo; عن ضرب محطة الكهرباء الوحيدة في قطاع غزة، واعتبرته جريمة حرب. وبتسيلم تنشر احصاءات دورية عن القتل المتبادل، وآخر أرقام منها عندي تعود الى آخر الشهر الماضي وتظهر ان اسرائيل قتلت 3798 فلسطينياً، منهم 769 قاصراً، أي خمسة أضعاف عدد الاسرائيليين الذين قتلهم فلسطينيون في الفترة نفسها.

العالم كله أصبح يعرف حقيقة اسرائيل، وجريدة laquo;الديلي تلغرافraquo; اللندنية المؤيدة لاسرائيل نشرت في 27 تموز (يوليو) الماضي نتائج استطلاع للرأي العام البريطاني عنوانه يغني عن شرح هو laquo;هجوم اسرائيل الدموي وصفة لخسارة الأصدقاء واستعداء الناسraquo;.

بما انني لا أدعو الى تدمير اسرائيل، او الى أي laquo;قتل مستهدفraquo;، أو اغتيال على الطريقة الاسرائيلية يروح ضحيته عشرة أطفال مع المستهدف به، وبما ان اسرائيل موجودة، ونتائج هي نقاط وليام هيوز التي بدأت بها، فإنني أجد ان المقاطعة، على طريقة مقاطعة النظام العنصري في جنوب أفريقيا، وللأسباب نفسها، هي أفضل أسلوب لحملها على وقف ممارساتها المجرمة.

وليس هذا رأيي وحدي، فمع اليهود الانسانيين في كل بلد، هناك رأي البروفسورة فرجينيا تيلي، وهي أميركية تعلّم في جنوب أفريقيا ولها كتاب عن النزاع الفلسطيني - الاسرائيلي. وهي كتبت مقالاً بعنوان laquo;قاطعوا الآنraquo;، قالت فيه ان الوقت حان لمقاطعة اسرائيل، بهدف احتواء تصرفاتها، واقترحت تحديداً وقف الاستثمار في اسرائيل وفرض عقوبات عليها ومقاطعتها حتى تكف عن ارتكاب جرائم ضد الانسانية.

مقال البروفسورة تيلي يستحق الترجمة كاملاً كالمقال الذي بدأت به، والمقاطعة نجحت في جنوب أفريقيا، ولعلها تنجح من حيث أخفقت المواجهات المسلحة.