عبد الرحمن الراشد
قد يبدو غريبا ان الملكيات العربية أكثر وضوحا من النظم الجمهورية رغم ان الأولى توارثية وذات تقاليد قد لا تكون حديثة بمعناها النظامي الجديد. ميزة الملكية انك تعرف الى حد كبير مستقبل الحكم فيها أما في اكثر الجمهوريات فأنت لا تعرف ماذا سيحدث لو اختفى الرئيس الآن ولا كيف سيُحسم الحكم.
في نفس السياق والتصنيف، ظهر بشكل صريح ان السعودية تقدمت بخطوات مهمة في تحكيم مستقبلها وضمان استقرارها السياسي عندما اذاع قبل البارحة التلفزيون السعودي التنظيم الجديد للحكم الذي أقره الملك عبد الله بن عبد العزيز. وهنا عليكم ان تتذكروا انه لم يكن هناك سبب قاهر لاتخاذ القرار ولا أزمة في الحكم السعودي والبلاد تعيش بملك وولي عهد الى جانبه تمت مبايعتهما وفي وضع اقتصادي وسياسي وأمني وشعبي جيد. اصبح السعوديون يعرفون بالضبط من هو الملك القادم وكيف يُختار ولي العهد ومن يختاره وعلى أي أساس وعند الاختلاف إلى مَنْ يحتكم الجميع.
وعلينا ان نتذكر ان الحكم أهم شأن عام، وهو مسألة محل اهتمام دائم للكل لا من باب الفضول الشخصي او العبث السياسي بل في صلب حياة كل مواطن. لذا جاء اعلان رمضان مفاجأة سعيدة ان نرى دولة تخطط لنظامها. الاعلان يعني تأمين مستقبل المواطن، ومستقبل أولاده، ومستقبل بلده، وعلاقاته، ونظرته لنفسه، ونظرة العالم اليه. وجاء النظام بتحديد اختيار الخلافة في المملكة العربية السعودية ثوريا في معناه ومضمونه وشجاعته. شجاعة وحكمة حقيقيتان في اعلان نظام صريح في اختيار ولاية العهد، والاعتراف بحقائق الاختلاف بين الاخوة، ووضع آلية لحسم الخلاف إن وجد حول من يكون ولي العهد عند عدم قبول ترشيح الملك، ومن يكون الملك عند وجود فراغ لسبب خطير كعجز صحي او غيره، والابتعاد عن المجاملات باعتماد نظام الاقتراع السري، وغيرها من الطروحات الصعبة.
بشفافية حقيقية وإقدام، عود العاهل السعودي مواطني بلاده باتخاذ قرارات تعالج شؤون مستقبلهم. وهو هذه المرة خطا خطوة كبيرة في صياغة نظام للحكم لا يترك البلاد في مهب الظروف، وان يعرف الناس بشكل واضح كيف يتم اختيار ولي العهد الذي هو ملكهم المستقبلي، وماذا يعملون لو ان ملكهم الحالي لم يصبح قادرا، ومن الذي يقرر قدرته او عجزه وكم من الوقت يسمح للقرار الطبي بأن يحكم عليه.
النظام الجديد وسع دائرة الحركة السياسية داخل العائلة المالكة وأشرك الجميع فيها وصارت تقوم على قرار اغلبية في هيئة تمثل الاسرة ضمن حساب واضح لكل صوت.
لا اعتقد ان احدا من المهتمين بشأن الحكم غافل عن الاحتمالات المتعددة والمتغيرة التي يمكن أن تواجه الحكم. ولا احد غافل عن حقائق مرتبطة بالعمر والعجز وضرورة نقل الحكم وخلق آلية التحكيم بعد ان انجزت الدولة السعودية الثالثة مائة عام مزدهرة من بداية تأسيسها، تعاقب على حكمها ستة ملوك شكلوا منظومة حكم متسلسلة لم تترك فراغا في أي منها رغم ما مر به بعضها بتحديات سياسية ليست بالسهلة. لكنه لم يعد سهلا ترك النظام السياسي لدولة بحجم السعودية بدون الاستفادة من التجربة الماضية وتطويرها واستشراف المستقبل من اجل تجنب أي اضطراب داخل النظام او خارجه، ومعرفة المرجعية التي يحتكم اليها الجميع.
التعليقات