الخميس: 2006.11.02

رند الرحيم

في حمى بحثهم عن إيجاد حل لمعضلة العنف في العراق، وبالتالي بلورة استراتيجية أميركية للخروج، ازداد عدد المشرِّعين من أعضاء الكونجرس، الذين مضوا في النظر في احتمال تقسيم العراق إلى مناطق كردية وسُنية وشيعية، تحت مظلة اتحاد فيدرالي هش. غير أن التقسيم ليس ممكناً من الناحية العملية، إلى جانب كونه ليس حلاً مرغوباً فيه. فهناك صعوبة عملية في رسم خطوط سميكة فاصلة، بسبب قلة المناطق العراقية التي يمكن أن توصف بالوحدة أو الانسجام سواء من الناحية العرقية أم الدينية. والشاهد أن محافظات ديالى والموصل وصلاح الدين والحلة وكركوك والبصرة، يسودها التمازج والاختلاط، وتوجد أقليات عرقية ودينية منتشرة في كل واحدة منها. بل وينطبق الواقع نفسه على العاصمة بغداد، التي يقطنها ربع الكثافة السكانية الإجمالية، حيث تتمازج العرقيات والطوائف الدينية، تمازجاً يصعب للنسيج الاجتماعي الفكاك منه. ولذلك فإن من شأن أي خطة ترمي إلى تقسيم العراق، الدفع به إلى قرار هوة سحيقة من الحرب الأهلية، ستكون أشد عنفاً ودموية مما يشهده حالياً من عنف طائفي تقوده الميليشيات. ولنذكر هنا أن التقسيم الذي حدث بين الهند وباكستان في عام 1947، قد أسفر عن مصرع مليوني مواطن، وتشريد 11 مليوناً آخرين من بيوتهم وديارهم. وفيما لو نهجنا النهج ذاته في العراق، فإن من المتوقع أن يصل معدل العنف والنزوح والتشريد، أرقاماً مشابهة لما جرى في الهند وباكستان، نتيجة لأعمال التطهير العرقي والثأر الطائفي العشائري بين العراقيين. وعندها فسوف تتواضع كثيراً أرقام القتل وأعمال العنف المرصودة الآن هناك.

كما لن تضع النزاعات أوزارها، ما أن يتم تطهير مختلف المناطق بكل هذه التكلفة الإنسانية الباهظة المروِّعة. وكما حدث في إقليم كشمير، فستستمر المناطق المقسمة على امتداد الشريط الحدودي الفاصل بينها، على نزاعها المستمر عبر العقود والسنوات، مما ينجم عنه تأجج نيران العنف والاحتراب بين الجانبين. وبالمثل فسوف يتحول الحزام المحيط ببغداد كلها، إلى منطقة حرب تصطرع فيها المطالب والمزاعم الحدودية. إلى ذلك ستلحق المناطق الحدودية في كل من كركوك والموصل وديالى بالمصير نفسه. وإذا ما استثنينا الحكومة الكردية الإقليمية، فإن كافة مؤسسات الحكم الإقليمي في المحافظات الأخرى، بما فيها مجالس المحافظات والجمعيات التشريعية المحلية، وقوات الشرطة وغيرها، تعاني من التمزق والوهن. ولذلك فهي أقل من أن تتمكن من الحفاظ على حكم القانون والنظام، وتوفير الخدمات اللازمة للمواطنين. وفي ظل أوضاع كهذه، فإن على الأرجح أن يؤدي التقسيم إلى انهيار تام في السلطة، بينما تزداد نيران العنف والاحتراب تأججاً واشتعالاً. وقد كان لنا مثال سيئ على اندلاع مثل هذه الحروب في المناطق الجنوبية التي وصفت فيما مضى بالاستقرار. فالمعلوم أن العنف قد اندلع في كل من محافظات البصرة والديوانية والعمارة وغيرها بين مختلف الطوائف الشيعية، وهي ذاتها المحافظات التي لم تتم السيطرة عليها واحتواؤها إلا مؤقتاً، وبالكثير جداً من العنت والمصاعب. وعلى إثر التقسيم، ونتيجة للسيطرة على الموارد وانفلات السلطة المطلقة، باعتبارها ثمناً طبيعياً للتقسيم، فإن من المتوقع أن يزداد أوار العنف والاحتراب بين شتى هذه الفصائل، سعياً منها وراء السيادة والسلطة.

لذا فإنه ليس متوقعاً من الدول المجاورة للعراق، أن تقف مكتوفة الأيدي إزاء هذه الاضطرابات والمساعي الجارية لتقسيمه. فما أشد القلاقل التي تنتظرها جميعاً، مع العلم أن لبعضها يداً سلفت وامتدت إلى ما يجري حالياً في العراق. وفيما لو حدث هذا التقسيم، فإن المؤكد أن تتدخل كل من سوريا والمملكة العربية السعودية، وإيران وتركيا، سواء كان ذلك التدخل عسكرياً أم غير مباشر، على نحو ما يمكن تصوره من تدخل تركي مباشر في كردستان وشمالي العراق، أو بتقديم وزيادة الدعم المباشر للفصائل العراقية المتحاربة، على غرار ما تفعل إيران. وفي الحالة الإيرانية خاصة، فإنه ليس مستبعداً بالنسبة لها خيار تكثيف وجودها غير العسكري، وزيادة دعمها للجماعات والفصائل العراقية الموالية لها. وبذلك يتحول العراق عملياً إلى ميدان معركة لحرب غير مُعلنة، بين قوى متصارعة على السلطة والنفوذ، لن يقتصر هدفها على بسط نفوذها على العراق وحده، وإنما على منطقة الشرق الأوسط بأسرها.

والنتيجة الأكثر ترجيحاً واحتمالاً لهذا العراك الدموي حول الأرض والموارد والسلطة، هو تنصيب حكومة سُنية متشدد ndash;على غرار حكومة quot;طالبانquot;- في وسط وغربي العراق، بحيث تكون هذه المنطقة، قلعة ومفرخة للإرهاب. أما في جنوب العراق، فإن الأرجح أن تنصب حكومة شيعية متشددة، موالية لإيران. وفي كلتا الحالتين، فستكون هذه الحكومات، أنظمة شمولية معادية بحكم طبيعتها وتكوينها للتعددية السياسية والديمقراطية الحقة. وليس ذلك فحسب، بل يتوقع لهذه الحكومات الإقليمية المنفلتة والخارجة عن رقابة وسلطة الحكومة المركزية الفاقدة للحيلة، أن تستخدم مواردها الإقليمية في التبشير بأجندتها وأيديولوجيتها الخاصة، وأن تسخر تلك الموارد لدعم الحركات والتيارات المتشددة الشبيهة بها في المنطقة، مما يمكنها من زعزعة استقرار وأمن المنطقة الشرق أوسطية برمتها. وبين هذه وتلك، تظل الحكومة المركزية في بغداد، حكومة مكسورة الجناح، تتمزقها أعمال العنف والاحتراب. والحال هكذا، فهي ستكون من الضعف بحيث تعجز عن الحفاظ على تماسكها هي، ناهيك عن قدرتها على بسط حكم القانون والنظام على امتداد العراق كله.


المديرة التنفيذية لـquot;المؤسسة العراقيةquot; وعملت ممثلة للحكومة العراقية المؤقتة في الولايات المتحدة، نوفمبر 2003- ديسمبر 2004