علي الشدي
يخطئ من يظن أن أهم التحديات أو الهموم التي تواجه دول مجلس التعاون الخليجي هي توحيد العملة المختلف على تسميتها حتى الآن والتي يدور الحديث حول تأجيل تطبيقها .. أو التنقل بين دول المجلس بالبطاقة الشخصية .. أو تسوية أمور الجمارك ونقل البضائع فهذه الأمور رغم أهميتها إلا أنها ليست التحديات الرئيسية التي من المؤمل أن يهتم بها قادة الخليج في اجتماعهم في شهر كانون الأول (ديسمبر) القادم.
ويأتي على رأس قائمة الأهمية ذلك التراجع الملحوظ في النمو السكاني بشكل بات يخشى معه على التركيبة السكانية في الخليج عامة وفي بعض الدول قليلة التعداد كثيرة الانفتاح بشكل خاص .. ومشكلة تراجع نمو عدد السكان لها أسباب قديمة بدأت حينما انفتح الإنسان الخليجي على الحضارة الغربية المنادية بتحديد عدد أفراد العائلة .. وأخذ يجبر زوجته على الأخذ بموانع الحمل المختلفة.
ولم تكن هناك جهة تتابع مثل هذه الأمور وتخطط للمستقبل بشكل صحيح .. ثم جاءت أزمة السكن والبطالة التي تؤخر حاليا سن الزواج لدى الشباب وهم النسبة العالية بين سكان الخليج، مما جعل نسبة المواليد تنخفض حسب إحصائيات مستشفيات معتبرة في المنطقة إلى أقل من 3 في المائة .. وهي لو أصبحت 2 في المائة لجاءت مساوية لنسبة الوفيات ومعنى ذلك توقف نمو السكان.
وتأتي خطورة تراجع النمو السكاني في منطقة الخليج من الزيادة الهائلة في سكان بعض الدول المجاورة، إضافة إلى تدفق مزيد من الثروات في تلك الدول الصغيرة مما يجعلها مهددة من جميع الجهات المجاورة والبعيدة. وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن الاعتماد على جهات أجنبية للحماية أمر فيه الكثير من المحاذير .. كما أن منح الجنسية لأعداد كبيرة من غير أبناء البلاد يجعل احتمال ولاء معظم هؤلاء لبلادهم الأصلية أكثر من البلاد التي منحتهم الجنسية أمرا واردا.
ولذا فإن دعم تشجيع زيادة النسل في جميع دول الخليج واجب وطني وحيوي .. ويتمثل هذا الدعم والتشجيع في أمور عديدة أهمها فتح مجالات جديدة للعمل عبر مشروعات عملاقة تستفيد من طفرة أسعار النفط التي قد لا تستمر طويلا .. كما أن توفير المساكن الميسرة أمر مهم .. فلقد خضعت دول الخليج عموما والسعودية على وجه الخصوص لفوضى في مجال العقار خلال السنوات الماضية تحت ذريعة سياسة الاقتصاد الحر التي يجب أن يكون لها حدود ولا سيما إذا مس ضررها المواطن البسيط، كما يحدث حاليا في أسواق الأسهم الخليجية .. ففي مجال مجال العقار ظهرت قبل عقدين أو ثلاثة المساهمات العقارية التي استدرجت البسطاء للمساهمة في أراض مشاعة على قمم الجبال أو في بطون الأودية ومنابت الشجر .. وضاعت آمالهم في انتظار طويل .. بعضهم منذ 30 عاما إلى الآن. وكان الأولى أن يقوم تجار العقار ببناء مساكن في أماكن قريبة ليجد الشباب فيها عونا لهم على امتلاك المسكن والزواج والاستقرار. أخيرا قام بعض تجار العقار ببناء مساكن، لكن بشكل مبالغ فيه وعرضوها على الشباب بما يزيد على المليون ريال .. فكيف يمكن للمتخرج في الجامعة أن يمتلك مسكنا مادام راتبه لا يتعدى خمسة آلاف ريال ولديه من الالتزامات الكثير.
ولهذا فإن دراسة توفير مساكن بتكاليف معقولة هي الحل الذي يجب أن يدعم من الحكومات وبشكل عاجل، ولقد نشر أحد المهندسين بحثا في هذه الجريدة مدعوما بالرسومات يؤكد أنه بالإمكان بناء مسكن معقول بما لا يتجاوز 250 ألف ريال فقط.
وأخيرا: نريد من قادة الخليج في اجتماعهم القادم التخطيط البعيد للمستقبل، خاصة في مجال تشجيع زيادة النسل وإيجاد صندوق للأجيال يخدم هذا الغرض إضافة إلى توفير الوظائف والمساكن للشباب، وكذلك تخصيص إعانة للمواليد. ولقد قال أحد الظرفاء ذات مرة (إن دول الخليج تمنح إعانة لمربي الماشية والدواجن .. ولكنها لا تمنح أي إعانة للمواليد).
هذه أمور مهمة وكبيرة وقد طرحتها أمام قادة الخليج الكرام لأني على يقين بأن همتهم عالية وعزمهم كبير .. وحرصهم على خدمة شعوبهم لا مجال للشك فيه. والملك عبد الله بن عبد العزيز خير مثال على ذلك.
التعليقات