الخميس07 ديسمبر2006

شيء ما
د. حسن مدن


وصف الرئيس جورج بوش التقرير الذي قدمته لجنة دراسة الوضع في العراق، التي صارت تعرف باسم لجنة بيكر- هاميلتون، نسبة إلى أبرز وجهين فيها بأنه ldquo;تقييم قاسrdquo;، ووعد بدراسته بجدية. وقال بوش إن التقرير يشكل فرصة لإيجاد أرضية مشتركة بين البيت الأبيض الجمهوري والكونجرس الديمقراطي.

وينتظر أن تقدم لجنتان أخريان، إحداهما من البيت الأبيض والثانية من وزارة الدفاع، تقريرين آخرين عن الوضع في العراق لإعطاء الرئيس مجالاً أكبر من الخيارات، لكن وسط تزايد الدعوات إلى اعتماد دبلوماسية أمريكية جديدة لإحلال الاستقرار في العراق، مع تنامي الشعور بحدة المأزق الأمريكي هناك.

وتتضمن الاستراتيجية الجديدة التي يقترح التقرير اعتمادها في العراق دعوة واضحة لأن تدخل واشنطن في حوار مع سوريا وإيران، وهو الأمر الذي كان بوش وكبار رجال إدارته يصرون على رفضه. ويوصي تقرير اللجنة بوجوب تغيير مهمة القوات الأمريكية في العراق من دور قتالي إلى دور داعم ومساند للقوات العراقية. ويعني ذلك خفض القوات الأمريكية البالغ عددها حاليا 140 ألف جندي في العراق بنسبة النصف. كما ينبه التقرير إلى أنه يجب على الولايات المتحدة الأمريكية ألا تقدم التزاماً مفتوحاً، ويوصي بسحب الوحدات القتالية الأمريكية من العراق تدريجيا بحلول عام 2008. ورغم أن الرئيس بوش أعلن مراراً رفضه تحديد موعد للانسحاب من العراق، إلا أنه لم يعد بوسعه تجاهل الأفكار الرئيسية الواردة في تقرير هذه اللجنة، التي كانت قد التقت نحو 170 شخصية بدءاً من بوش نفسه ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير، مرورا بعدد من القادة العراقيين وعدد من السفراء ومسؤولين بارزين آخرين من الدول المجاورة للعراق ومن داخل الولايات المتحدة.

ولا يمكن عدم التوقف أمام حقيقة أن تقديم التقرير يترافق مع تثبيت وزير جديد للدفاع خلفاً لدونالد رامسفيلد الذي يحمل مسؤولية الإخفاقات الكبيرة لإدارة بوش في العراق. ويلفت النظر تصريح الوزير الجديد روبرت جيتس الذي قال فيه إن الولايات المتحدة لا تحقق أي انتصار في العراق، وإنه ldquo;منفتحrdquo; على كل الخيارات بما فيها احتمال إنهاء الحرب، لأن الأوضاع في العراق قد تقرر مصير الشرق الأوسط برمته خلال السنوات المقبلة، كما أن الفشل في تحقيق الاستقرار في هذا البلد خلال العام أو العامين المقبلين قد يؤدي إلى اندلاع ldquo;حريق إقليمي شاملrdquo; في منطقة الشرق الأوسط. ويترافق ذلك مع حديث متواتر عن رغبة الجيش الأمريكي في نقل جميع فيالق الجيش العراقي من القيادة الأمريكية إلى العراقية في وقت لن يتجاوز نهاية الربيع أو بداية الصيف المقبل.

كل تلك إشارات على أن الاستراتيجية التي تبناها المحافظون الجدد في إدارة الوضع العراق قد بلغت نهايتها، ولم يعد هناك مجال كبير للمناورة أو المناورة، خاصة بعد الهزيمة المدوية للجمهوريين في الانتخابات التشريعية الأخيرة، والتي كانت نتائجها استفتاء واضحاً ضد هذه الاستراتيجية. وما تقرير اللجنة التي ترأسها بيكر إلا تعبير مكثف عن المأزق الذي وصلت إليه الولايات المتحدة بعد نحو أربع سنوات من احتلالها للعراق، وهو احتلال دفع الوضع في المنطقة برمتها إلى المزيد من التعقيد، وابعد أية إمكانية جدية لتسوية عادلة للصراع العربي - الصهيوني، وفاقم من عوامل التوتر والاحتقان في أكثر من بلد من بلدان المنطقة، بل انه قضى عمليا حتى على إرهاصات التحولات السياسية باتجاه الدمقرطة في بلدان المنطقة، لأن النموذج العراقي قدم أسوأ مثل يمكن أن يحتذى في هذا السياق.