الثلاثاء12 ديسمبر2006

كوفي عنان - واشنطن بوست

لقد مضى ما يقارب الخمسين عاماً على وصولي هنا إلى ولاية منيسوتا، بصفتي طالباً إفريقياً جديداً وقتئذ. وكان عليّ تعلم الكثير من الأشياء، بدءا من عدم استغراب ارتدائي لأغطية الأذن، عندما تنخفض درجات الحرارة إلى ما دون الخمس عشرة درجة شتاءً. ومن حينها تحولت حياتي كلها إلى تجربة تعليمية. واليوم أود أن ألخص أهم دروس خمسة تعلمتها خلال العشر سنوات الماضية من توليت منصب الأمين العام للأمم المتحدة، والتي أعتقد أن المجتمع الدولي بحاجة ماسة لتعلمها، وهو يعد العدة لمواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين.
أول هذه الدروس أننا جميعاً نتحمل مسؤولية أمن كل واحدة من الدول حولنا. فأمام مخاطر الانتشار النووي، والتغير المناخي وانتشار الأوبئة العالمية، أو العمليات الإرهابية التي تشن من معاقل الإرهابيين الآمنة في الدول الفاشلة، فإنه ليس من سبيل لأي من الدول أن تزعم لنفسها الأمان، بواسطة هيمنتها على بقية الدول الأخرى. ذلك أن تعاون الدول مع بعضها البعض في الحفاظ على أمنها، هو السبيل الوحيد لتحقيق الأمن الجماعي الدولي. وتشمل هذه المسؤولية، ما يقع علينا من مسؤولية مشتركة، إزاء حماية الشعوب من جرائم الإبادة الجماعية، وجرائم الحروب والتطهير العرقي، وكافة الجرائم المرتكبة بحق الإنسانية. وكانت الأمم قد أقرت هذا في قمتها المنعقدة في العام الماضي. لكن وعندما ننظر إلى جرائم القتل والاغتصاب والمجاعة، التي لا يزال يعانيها أهل إقليم دارفور، فإننا ندرك أن تلك المبادئ لا تزال تراوح خطابيتها لا أكثر، ما لم تتحرك الدول التي بيدها القدرة على التدخل الفاعل، مستخدمة في ذلك عضلاتها السياسية والاقتصادية، ثم العسكريةndash; إذا ما اقتضت الضرورة في نهاية المطاف- وتأخذ بزمام القيادة والمبادرة. كما تشمل كذلك مسؤوليتنا إزاء تأمين حياة أجيال المستقبل، بالحفاظ على الموارد الطبيعية التي تعود لنا ولهم على حد سواء. وما أن يمر يوم واحد دون أن نفعل فيه شيئاً أو لا نفعل سوى النزر اليسير لتجنب كارثة التغير المناخي، حتى يدفع أطفالنا ثمناً باهظاً لهذا التقاعس والتقصير.
ثانياً فإن علينا مسؤولية أيضاً إزاء رفاهنا العام. ومن دون توفر قدر من التضامن فيما بيننا، فإنه ليس لأي مجتمع من مجتمعاتنا أن يحقق استقراره التام منفرداً. وعليه فإنه ليس من الواقعية في شيء، الاعتقاد بتمتع البعض وجنيهم للنصيب الأكبر من العولمة الاقتصادية، بينما يقبع مليارات البشر في أسر فقرهم المدقع وحياتهم البائسة. وهذا ما يدعونا إلى إتاحة الفرصة لكافة إخوتنا البشر، من أجل الحصول على نصيبهم من هذا الرفاه والازدهار.
ثالثاً، لا تقوم قائمة للأمن ولا الازدهار، إلا على احترام حقوق الإنسان وسيادة القانون. فعلى امتداد التاريخ كله، أثرت التعددية حياة البشر، وتعلمت المجتمعات من بعضها البعض. لكن ولكي تعيش هذه المجتمعات في أمن وسلام، فإن علينا التأكيد على ما يوحد بيننا: أي إنسانيتنا المشتركة، وحاجة كرامتنا وحقوقنا الإنسانية لأن تحمى بواسطة القانون. فما من أمة أو دولة من الدول، عانت يوماً من الإفراط في سيادة القانون. بل الصحيح أنه لطالما عانت الأمم والدول من النقص في سيادة القانون. وفي ذلك لا يستثنى المجتمع الدولي.
رابعاً: وعليه فإنه يتعين على الدول أن تكون مساءلة عن أفعالها، سواء على المستوى الداخلي أم الدولي. فكل دولة تدين للدول الأخرى بما تتخذه من قرارات وأفعال، بسبب ما تتركه تلك الأفعال والقرارات من تأثيرات جد بالغة على بقية الدول. وفيما نرى في عالم اليوم، فإنه ما أسهل مساءلة الدول الفقيرة والمستضعفة، بسبب حاجتها للمساعدات الأجنبية. أما الدول الكبرى والقوية ndash;وهي التي تؤثر قراراتها وأفعالها أيما تأثير على الآخرين- فهي لا سبيل للسيطرة عليها، إلا من قبل شعوبها وحدها. وهذا ما يعطي شعوب ومؤسسات الدول القوية هذه، مسؤولية خاصة إزاء الأخذ بالآراء والمصالح الدولية. واليوم فقد أصبح على هذه الشعوب والمؤسسات، الأخذ بآراء ما يسمى باللاعبين غير الحكوميين أيضاً، إن كان لها أن تتصدى للتحديات العالمية بمفردها.
ولكن كيف للدول أن تحاسب بعضها البعض؟ لا سبيل لذلك سوى المؤسسات الدولية المتعددة. وإلى هنا أكون قد وصلت إلى درسي الخامس والأخير. فلا بد لهذه المؤسسات من أن تنظم على نحو ديمقراطي وعادل، بحيث يعطى الفقراء والمستضعفون بعض الكلمة والنفوذ على أفعال وممارسات الدول الغنية والقوية. ولا بد من أن يكون للدول النامية صوت أقوى داخل المؤسسات المالية العالمية، طالما أن القرارات التي تصدرها هذه المؤسسات، ربما تكون مسألة موت أو حياة للدول النامية. وبالقدر ذاته لا بد من إضافة أعضاء جدد، سواء بمنحهم العضوية الدائمة في مجلس الأمن ، أو على أساس العضوية الطويلة الأمد، في مجلس الأمن الدولي، الذي لا يزال يعكس الواقع الدولي كما كان عليه في عام 1945، وليس عالم اليوم بأية حال من الأحوال.
وعلى قدر الأهمية ذاتها، فإن على كافة الدول الأعضاء في المجلس، قبول المسؤوليات الدولية المترتبة عن الامتياز الممنوح لها. ذلك أن المجلس ليس حلبة لإدارة المصالح القومية، بقدر ما هو اللجنة الإدارية لنظام أمننا الدولي المتعاظم. واليوم فإن حاجة الأميركيين مثل غيرهم من بقية الأمم، لنظام دولي فاعل، لهي أكبر وأمس من أي وقت مضى. وقد أثبتت التجربة مراراً وتكراراً، أن أداء أميركا لا يضعف إلا عند جنوحها للأحادية، وأنه يكون أفضل ما يكون على عكس ذلك، عندما تتولى دفة سفينتها قيادة حكيمة بعيدة النظر. وهذا ما يلقي بعبء مسؤولية جسيمة على القادة الأميركيين اليوم وغداً. وعلى الشعب الأميركي أن يتأكد أن قيادته، أهل لهذه المسؤولية.