جيم هوغلاند - واشنطن بوست

وأخيرا استمع الرئيس بوش الى بعض الأفكار الواقعية، بل الوحشية في قسوتها، والتي يجب ان يأخذها بجدية، حول البحث عن مخرج من العراق. بعد ذلك يمكنه الانتقال الى مرحلة فك الرموز والتكيف مع المقترحات الاقل افادة التي وردت في التقرير المثير سياسيا، والحامل للعيوب استراتيجيا، والذي قدمه الفريق المكلف دراسة الوضع في العراق. مستقبل العراق دق على باب البيت الأبيض ثلاث مرات خلال 72 ساعة فوق العادة من الاسبوع الماضي. حينها لم يجازف التاريخ (او لعله جوش بولتن رئيس اركان البيت الابيض، ومنسق الزيارات هو الذي رفض المجازفة)، فأعلن بوضوح لبوش ان هناك فرصة اخيرة لانقاذ ما يمكن انقاذه، وخروج الإدارة الامريكية بشرف وامتياز من الورطة واسعة الثقوب والاخطاء، وهي احتلال العراق. وكما يحدث كثيرا حين تتنافس اللحظات التي تحرف مسار التاريخ، كان أهم حدث هو الاقل ظهورا. فقد لف الظل بسرعة زيارة عبد العزيز الحكيم الزعيم السياسي الشيعي الاوحد في العراق يوم الاثنين الماضي، حين خرج الى النور تقرير المجموعة التي ترأسها جيمس بيكر ولي هاملتون يوم الاربعاء.

تبين ان التوصيات الـ79 التي تضمنها التقرير هي خليط من النوايا الحسنة (وتلك هي قوة هاملتون) وسخرية عميقة مؤثرة (موهبة بيكر)، فيما لا يمكن ان يعتبرها بوش ملائمة لطبيعته واحتياجه. فقد لفظ التقرير رأي بوش الذي ناضل من اجله كثيرا بأن العراق هي الجبهة المركزية للحرب علي الارهاب، وذلك بإطفاء وهج تلك الفكرة بصمت مدمر.

ان قيمة تقرير بيكر هاملتون ليست فيما يقوله عن العراق. وهي بالتأكيد ليست في الخطة التي تفتقر الى الاخلاص التي افرزها الفريق، بدون استشارة إسرائيل، بأن تعيد اسرائيل مرتفعات الجولان الى سورية كجزء من تحرك دبلوماسي جديد بقيادة امريكا. بدلا من ذلك تتمثل اهمية التقرير فيما يقوله عن أمريكا ولها. فهو يقدم توصيات معقولة عن ضرورة إعادة تنظيم النشاطات الاساسية والعلاقات بين البنتاغون ووزارة الخارجية والكونغرس. ولكن فيما يتعلق بالعراق يكرر التقرير الخطأ الاساسي، الذي ارتكبته هذه الادارة منذ اسقاط صدام حسين. هذا الخطأ هو رفض التنبؤ وتقبل النتائج المنطقية، بل والحتمية للأفعال الامريكية.

في المقابل، فقد اكتشف بوش مرارا، بدعم الأغلبية الشيعية التي كانت مضطهدة في العراق فيما مضي، وذلك بتغيير النظام وعقد الانتخابات الديمقراطية، أن استخدام هذه الفئة للسلطة اما مريب او غير مقبول في الأساس، بسبب ارتباط الشيعة بايران.

وكلا الطرفين، بوش واللجنة، يجفل من الاعتراف المباشر بأن الصراع في العراق هو الآن اساسي في حرب اهلية اشمل، حرب اهلية اسلامية تضع الشيعة في مواجهة مع السنة، والمعتدلين في مواجهة مع المتطرفين في الجانبين الشيعي والسني، فيما لم يبن التحرك الامريكي على اساس منح مجموعة دينية الغلبة علي مجموعة أخرى، ولكنه بالضرورة يؤدي الى ذلك، كما يقيمه العراقيون وجيرانهم من هذا المنطلق. ومرة اخرى تبدو الولايات المتحدة غافلة عن تأثير اختياراتها على الآخرين. هذا السياق العريض، جعل الكلمات الرقيقة التي قالها الحكيم لبوش عن حقائق قاسية هي الأهم في كل ما استمع اليه الرئيس الاسبوع الماضي. وكما عبر عنها العراقي ذو العمامة السوداء في واشنطن على الملأ: يمكن ان يقال ان رأيه هو التالي:

القوات الأمريكية والحكومة المركزية الضعيفة، لا تفعل الا اقل القليل لحماية الشيعة. يمكننا ان نقوم بالمهمة بأنفسنا لو وضعتم قواتكم جانبا وأفسحتم لنا المجال. وسيمهد ذلك الطريق للانسحاب الامريكي ولتقسيم العراق تقسيما غير رسمي الى ثلاثة اقاليم مستقلة ذاتيا. وهذا هو البديل الوحيد المقبول لحكومة مركزية يهيمن عليها الشيعة، ولكنه بديل قد لا يعود مطروحا. استبعد تقرير بيكر هاملتون تقسيم العراق بأي شكل من الاشكال. ولكن التقرير يتتبع الاحداث على الارض كما يفترض ان يكون بوش قد ألم بها خلال اللقاء رفيع المستوى حول العراق، حين استضاف رئيس الوزراء البريطاني توني بلير يوم الخميس.

فقد ارسلت القيادات العسكرية البريطانية تقارير الى لندن مفادها أن الحزب السياسي الشيعي، أو باسم آخر، المجلس الاعلي للثورة الاسلامية في العراق، قد استكمل الاستيلاء التدريجي على جنوب العراق. وهذا يترك القوات البريطانية شبه عاجزة عن التأثير في مسار الاحداث، وتضيف القيادات بحدة ان هذه التطورات لا تترك سببا لبقاء القوات في العراق لفترات اطول وبأعداد كبيرة. على الصعيد الوطني، راقب حكيم منافسيه من الشيعة في حزب الدعوة الذي يقوده رئيس الوزراء نوري المالكي، فيما تتفتت منظمة مقتدي الصدر بأسنان ماكينة الصراع الطائفي الوحشي في بغداد، والفساد المتفشي والتذبذب الأمريكي. ترك الحكيم انطباعا في واشنطن أنه رجل يركب الامواج التي تحمله بلا شك، الى المكان الذي يريد ان يصل اليه، مع أن تلك حالة لا يمكن ان يوصف بها بوش خلال اسبوع الاختيارات الصعبة، الذي عاشه حقيقة بالبيت الأبيض.