السبت 16 ديسمبر2006

أندرو سي. ريفكين

تفيد تقارير معنية بالتغيير المناخي على سطح الأرض، وهي تقارير صدرت يوم الخميس الماضي عن مؤسسات أميركية ودولية مختلفة، أن ارتفاع حرارة الأرض المستمر منذ عقود، والذي يعزوه معظم خبراء المناخ إلى المستويات المرتفعة للأدخنة والغازات التي تخلفها المصانع ووسائل النقل، تواصلت بالوتيرة نفسها خلال العام الجاري.

الأرقام اختلفت قليلاً؛ حيث رأى خبراء المناخ البريطانيون وquot;منظمة أحوال الطقس العالميةquot;، التي تتخذ من مدينة جنيف السويسرية مقراً لها، أن 2006 تعد السنة السادسة الأكثر سخونة منذ بدء تسجيل درجات حرارة الجو في العالم، في حين يعتبرها علماء وكالة الفضاء الأميركية quot;ناساquot; السنة الخامسة. غير أن جميع التقارير تشير إلى أن درجات الحرارة، التي تجاوزت المعدلات العادية بكثير، همت أماكن متنوعة مثل أستراليا والجزر القطبية التابعة لمنطقة أسكندينافيا، محطمة بذلك مجموعة من الأرقام القياسية القديمة.

والواقع أن المناخ لطالما مر بفترات برودة وسخونة طبيعية عبر تاريخ كوكب الأرض، ومن ذلك مثلاً موجة الحرارة الطويلة نسبياً التي حدثت قبل نحو ألف عام، وquot;فترة جليديةquot; قصيرة من القرن الخامس عشر إلى القرن الثامن عشر. غير أن العديد من علماء المناخ يرون أن السنوات الخمسين الأخيرة منذ بدء ظاهرة ارتفاع حرارة الأرض تنحو نحو تجاوز الارتفاعات الطبيعية المسجلة خلال السنوات الإحدى عشرة ألفاً الأخيرة. كما يرون أن التغيرات لا يمكن شرحها من دون الأخذ في الاعتبار بالارتفاع الكبير والمتزايد لمليارات الأطنان من الانبعاثات السنوية لغاز ثاني أوكسيد الكربون وغيرها من الغازات المعروفة باحتجاز السخونة في الجو، والتي تؤدي إلى تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري.

وفي هذا الإطار، يقول quot;ديفيد باركرquot;، عالم المناخ بمكتب الأرصاد الجوية البريطاني، إن الأرقام المسجلة هذا العام تؤيد دراسات مختلفة سابقة quot;أظهرت وجود روابط بين السلوك البشري وارتفاع حرارة الأرضquot;.

وحسب المسؤولين البريطانيين، فقد سجلت إنجلترا أسخن متوسط درجة حرارة سنوي، وهو 51.5 درجة فهرنهايت (أي نحو 11 درجة سيلسيوس)، منذ أن تم الشروع في توثيق quot;درجات حرارة إنجلترا الوسطىquot; في 1659. كما تفيد الدراسات أن الولايات المتحدة عرفت ثالث أسخن سنة منذ بدء تسجيل درجات حرارة الجو في 1880. وقد ساهمت موجة الحر الصيفية العالية التي ضربت الولايات المتحدة في أسوأ موسم حرائق تعرفه البلاد في تاريخها الحديث، حيث أتت الحرائق على أكثر من 9.5 مليون فدان إلى غاية مطلع ديسمبر.

ويرى العلماء من quot;معهد غودارد لدراسات الفضاءquot; التابع لـquot;ناساquot; أن أسخن خمس سنوات عرفها كوكب الأرض منذ أواخر عقد الثمانينيات في القرن التاسع عشر كانت -حسب ترتيب تنازلي- سنوات 2005 و1998 و2002 و2003 وذلك ما لم تحدث تقلبات خلال بقية ديسمبر الجاري 2006. ومن جانبه، أفاد quot;جيمس إي. هانسنquot;، مدير مركز quot;غوداردquot;، أنه من المرجح أن يكون عام 2007 أسخن من العام الحالي على اعتبار أن إحدى موجات الحر في المنطقة الاستوائية من المحيط الهادي، والمعروفة باسم quot;النينيوquot;، بدأت ومن المرتقب أن تتواصل إلى الربيع المقبل.

إلى ذلك، من المنتظر أن تقدم quot;اللجنة الحكومية حول تغير المناخquot; في فبراير المقبل استنتاجاتها الرئيسية لدراستها الأولى منذ عام 2000 حول الأسباب المؤدية إلى ارتفاع حرارة كوكب الأرض. ومما يذكر في هذا السياق أن التقرير السابق خلص إلى أن معظم الارتفاع المسجل في الحرارة منذ 1950 من المرجح أن يكون سببه الأنشطة البشرية.

والواقع أن الأبحاث وعمليات المحاكاة الجديدة بواسطة الكمبيوتر التي تم القيام بها في ظل الدراسة الجديدة، أيدت بقوة هذه العلاقة، مع تقدير ارتفاع ممكن للحرارة بنحو 5 درجات فوق متوسط 1990 تقريباً، في حال تضاعف تركز ثاني أوكسيد الكربون متجاوزاً أعلى المعدلات المسجلة قبل المرحلة الصناعية.

على مدى 600000 سنة على الأقل قبل الثورة الصناعية، قلما تجاوزَ تركز ثاني أوكسيد الكربون 280 جزءاً من المليون. أما اليوم فيقدر التركز بـ382 جزءاً من المليون وما انفك يرتفع بشكل مطرد. وتأسيساً على ما سلف، فإنه يمكن القول إنه في غياب تحول عالمي إلى تكنولوجيات الطاقة غير الملوثة، لا مناص من حدوث تضاعف من هذا القبيل نظراً للنمو التي تعرفه هذه الانبعاثات في البلدان النامية والغنية على حد سواء، وخاصة الصين والهند.

كاتب أميركي متخصص في الشؤون العلمية