الجمعة 22 ديسمبر2006


أنتوني كوردسمان


لا أحد يستطيع الرجوع من زيارة الجبهة في أفغانستان دون أن يستشعر خطراً حقيقياً باحتمال خسارة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي للحرب ضد تنظيم quot;القاعدةquot; وحركة quot;طالبانquot;، فضلاً عن باقي التنظيمات المتطرفة الأخرى التي تحارب الحكومة الأفغانية. وخلال الزيارة الأخيرة التي قمت بها إلى أفغانستان اطلعت على معلومات استخباراتية تم الإفراج عنها تشير إلى أن شبكات قوية تابعة لـquot;القاعدةquot; وquot;طالبانquot; وquot;حقانيquot; وquot;الحزب الإسلاميquot; تتخذ من المناطق الباكستانية المجاورة لأفغانستان ملاذاً آمناً لها، وبأن الأماكن التي ينشطون فيها داخل أفغانستان تضاعفت أربع مرات خلال السنة الأخيرة. والواقع أن هناك العديد من المؤشرات الأخرى التي ارتفعت مؤخراً مثل الزيادة في عدد الهجمات الانتحارية من 18 عملية خلال الشهور الإحدى عشر من 2005 إلى 116 عملية انتحارية خلال الإحدى عشر شهراً الأولى من عام 2006. يضاف إلى ذلك أن الهجمات المباشرة التي ينفذها المقاتلون المناوئون ارتفعت من 1347 إلى 3824 خلال الفترة نفسها، فضلاً عن الزيادة الملحوظة في التفجيرات الناجمة عن quot;المواد المرتجلةquot; التي ارتفعت من 530 انفجاراً إلى 1297. أما الهجمات التي يشنها المقاتلون على القوات الأفغانية فقد شهدت بدورها ارتفاعاً خطيراً، حيث قفزت من 713 إلى 2896 هجوماً.
ولم يكن في وسع القوات الأميركية تحقيق الانتصار في المناطق الشرقية ضد المقاتلين المناوئين خلال المعارك الضارية التي شهدتها السنة الجارية لولا اعتمادها على دقة سلاح الجو بالدرجة الأولى، ثم المعلومات الاستخباراتية التي ساعدت على تحديد مواقع العدو. لكن الصعوبات تبرز أكثر في المناطق الجنوبية، حيث عجزت القوات البريطانية عن الحد من الانتشار المتنامي لعناصر quot;طالبانquot; الواضح في المنطقة. ومع ذلك تختلف التحديات الناشئة في أفغانستان عن تلك الموجودة في العراق، حيث ما زال ممكناً التعويل في أفغانستان على الدعم الشعبي للقوات الأميركية وحلف شمال الأطلسي، ومازال ممكناً البناء عليه لسحب البساط من تحت أقدام الجماعات المتمردة. فقد عكف التواجد الأجنبي في أفغانستان على استحداث برنامج شامل يهدف إلى معالجة المشاكل الاقتصادية المستفحلة، فضلاً عن النهوض بقوات الأمن الأفغانية لتعزيز الأمن والاستقرار.
وخلافاً للصعوبات التي تواجهها جهود إعادة الإعمار في العراق بسبب تدهور الوضع الأمني وخروجه عن نطاق السيطرة، مازالت البرامج الإنمائية التي يسهر عليها حلف شمال الأطلسي تسير في الاتجاه الصحيح، رغم اقتصارها على مناطق بعينها. وإذا كان الخطر الإرهابي في أفغانستان، كما يتجلى من خلال الجماعات المتطرفة التي تحمل السلاح في وجه القوات الأفغانية، مازال محدوداً، إلا أن الجماعات المتمردة ما فتئت تكتسب قوة عسكرية وسياسية قد تعزز حضورها في المستقبل. وقد لا يساعد الوضع الحالي للحكومة الأفغانية بضعفها المستحكم على النهوض بالأعباء الأمنية والاقتصادية، لاسيما في ظل ما يشير إليه الخبراء من أنه قد تمر سنوات طويلة قبل أن تستطيع الحكومة الأفغانية الاضطلاع بالدور المنوط بها، والمتمثل أساساً في تقليص الفساد إلى مستويات مقبولة، وإيجاد بديل للاقتصاد المرتكز حالياً على مداخيل تجارة المخدرات.
لذا فمهما بذل العالم الخارجي من جهود للنهوض بالوضع الأفغاني، وقطع الطريق على الجماعات المتمردة، فإن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي يُجمعان على أن التغيير يستدعي وقتاً مديداً. فالحكومة المركزية مازالت تلزمها سنتان أو ثلاث على الأقل حتى تتمكن من فرض وجودها، وتوفير الخدمات الضرورية التي يحتاجها الأفغان على نحو مستعجل. والواقع أن تركيز حلف شمال الأطلسي على مسألة الديمقراطية وتسريع العملية السياسية في كابول، بدل الاهتمام بجودة الخدمات وأسلوب الحكم ذاته، دفع العديد من المناطق الأفغانية إلى إبداء استيائها، بل وجعلها أكثر انفتاحاً على تأثير الجماعات المسلحة. ولعل ما تحتاجه أفغانستان اليوم باستعجال هو تكثيف المساعدات الخارجية، لاسيما في شقيها الاقتصادي والعسكري، وضمان وصولها إلى المناطق النائية. ويعني ذلك أنه على قوات حلف شمال الأطلسي المبادرة إلى الرفع من مساعداتها المالية والتسريع بإنجاز المشروعات الخدمية قبل حلول الخريف الذي يشهد زيادة في عدد الهجمات التي تشنها عناصر quot;طالبانquot;.
ومهما بدا أن تلك البرامج الاقتصادية باهظة التكلفة فإنها بالمقارنة مع مثيلاتها في العراق تظل منخفضة وغير ذات بال، حيث لا تتعدى تلك المشروعات تقريب المياه من القرى الأفغانية النائية وشق الطرق إليها، وبدرجة أقل بناء المدارس وتوفير الخدمات الصحية. وإذا كانت الحصيلة الحالية للجهود المبذولة في أفغانستان تشير إلى وجود تطور ملحوظ في تحسين الظروف المعيشية للشعب الأفغاني عموماً، فإن المشكلة الأساسية تبقى في انحصار تلك الجهود ضمن رقعة جغرافية محدودة، وعدم امتدادها لتشمل باقي المناطق. وربما يكون وعورة تضاريس البلاد، فضلاً عن هجمات المتمردين، ضمن العوامل الأساسية التي تحد من وصول المشروعات إلى المحافظات البعيدة. وتتضح المحدودية التي تتسم بها برامج إعادة الإعمار بجلاء من خلال زيارة قصيرة إلى المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد المتاخمة للحدود الباكستانية، حيث تظهر نقصاً مريعاً في المشاريع الإنمائية. ولأن ظروف المنطقة الجنوبية هي الأكثر فقراً وحاجة للمساعدات بسبب آفة الجفاف التي تضربها، وانهيار أنظمة ري الأراضي التقليدية، فإن أي عملية ترمي إلى كسب عقول الأفغان وقلوبهم لابد وأن تبدأ من الجنوب. وفي ظل عجز الحكومة الأفغانية عن القيام بمهامها في جميع أنحاء البلاد، يتعين على قوات حلف شمال الأطلسي تكثيف جهودها لجهة توفير الخدمات الأساسية لأهالي المنطقة.
ومع الأسف لم تقم الولايات المتحدة بما يلزم في هذا الإطار، إذ مازالت جهود إعادة الإعمار تعاني من نقص في التمويل. ورغم مطالبة وزارة الخارجية الأميركية في خططها بصرف 2.3 مليار دولار للدفع بالبرامج الإنمائية، إلا أنه ما لم يُضخ 1.1 مليار دولار على الفور، فإن المساعدات الضرورية لإنعاش المناطق البعيدة في أفغانستان ستتعرض لانتكاسة كبرى قد لا تتردد قوات quot;طالبانquot; في استغلالها.
وبالإضافة إلى الصعوبات المرتبطة بنقص التمويل تبرز أيضاً المشاكل المتصلة بالعدد القليل نسبياً للقوات الأميركية المنتشرة في أفغانستان. فرغم مطالبة الفرقة العسكرية الأميركية المرابطة في المنطقة الشرقية من البلاد بإمدادها بسرية إضافية من المشاة لتعزيز قدراتها القتالية، إلا أن الواقع الميداني يشير إلى أن الحاجة أكبر من ذاك، حتى في ظل وجود القوات البولندية في المنطقة الشرقية. وحسب الخبراء العسكريين تحتاج القوات الأميركية إلى كتيبتين إضافيتين على الأقل في المنطقة الشرقية لمواجهة عناصر quot;طالبانquot; بفعالية. وأخيراً يبدو أن الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي، كررا ذات الخطأ الذي ارتكِب في العراق، وذلك بدفعهما القوات الأفغانية غير المدربة على نحو جيد، إلى أتون العمليات القتالية دون التحقق من قدرتها على تحمل المهمات الصعبة والكثيرة الموكلة إليها.