أبعاد‮

سعيد الحمد

في‮ ‬فضاء الحديث العالمي‮ ‬عن الديمقراطية والحرية والتعددية خطف العرب شعار الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬وراحوا‮ ‬يديرونه في‮ ‬خطاباتهم ويكررونه كا لم تفعل‮ ‬غيرهم من الامم والشعوب الاخرى صاحبة هذا الشعار‮.‬ وبنظرة وتقييم موضوعي‮ ‬دون انحيازات عاطفية وحماسية،‮ ‬نجد أننا أقل الشعوب وأقل الامم احتراماً‮ ‬وقبولاً‮ ‬للرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬برغم اننا اكثر الشعوب استهلاكاً‮ ‬للشعار‮.‬
ولربما‮ ‬يعود تفسيرنا للظاهرة في‮ ‬احد اسبابه الى طبيعتنا الاستهلاكية الفجة‮.. ‬فكما لا نأكل مما نزرع وكما لانلبس مما نصنع‮.. ‬كذلك نحن نفكر بما لم نبدع ولم ننتج وبالتالي‮ ‬لم نفهم‮.‬
فأكثرنا وأعلانا صوتاً‮ ‬في‮ ‬الصراخ والزعيق عن احترام التعددية،‮ ‬واحترام الحرية اكثرنا قمعاً‮ ‬في‮ ‬محيط اسرته ومحيط اولاده،‮ ‬ناهيك طبعاً‮ ‬عن انه لم‮ ‬يفهم من التعددية سوى تعدد الزوجات شريطة ألاّ‮ ‬يخرجن عن طاعته‮.‬
وللطاعة في‮ ‬قاموس حياتنا ومفهومنا معنى واحد فقط لا‮ ‬غير‮.. ‬هو الاستسلام دون مناقشة،‮ ‬ودون سؤال لاوامر الزوج او الاب او المدرس او المدير او الزعيم او القائد او الولي‮ ‬الفقيه او الشيخ الواعظ‮.‬
وبعد ذلك نرفع شعار الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر‮.. ‬وياويل الواحد اذا تجرأ وطرح رأياً‮ ‬آخر‮.. ‬ستنهال عليه حجارة التأثيم والتخوين والتكفير والتسقيط من دهاقنة وحراس الاصوليات العربية المحنطة‮ ‬يسارية كانت أم قومجية‮.. ‬دينيةً‮ ‬أم اسلاموية‮...!!‬
ثنائية‮ raquo;‬الصوت والصدى‮laquo; ‬ثنائية‮ ‬غير عادلة ككل الثنائيات العربية المزيفة‮.. ‬فنحن نريد صوتاً‮ ‬لفردٍ‮ ‬واحد،‮ ‬فيما تتحول المجاميع الى مجرد‮ raquo;‬صدى‮laquo; ‬لهذا الصوت‮.. ‬ولذلك اذا خرج‮ raquo;‬صوت آخر‮laquo; ‬فهو موعود بالالغاء والاقصاء‮.‬
فكيف لنا ان نتحدث عن الرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬ونحن نتخذ منه كل هذا الموقف العدائي‮ ‬المتوحش‮.. ‬ليست الاشكالية ازدواجية فقط‮.. ‬ولكنها ثقافة وبنية وذهنية لا تقبل النقد‮.. ‬ولا تقبل التغيير،‮ ‬ولا تقبل التطوير،‮ ‬فتدافع عن جمودها بلعن الرأي‮ ‬الآخر،‮ ‬وبتخوينه وتكفيره‮.. ‬وبقتله اذا لزم الامر‮...!!‬
واذا كانت كل الاصوليات المتكلسة التي‮ ‬صدّعت رؤوسنا بشعار‮ raquo;‬الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر‮laquo; ‬متورطة في‮ ‬الالغاء والمصادرة وقمع الرأي‮ ‬الآخر‮.. ‬فينبغي‮ ‬الاشارة للتوضيح فقط‮.. ‬إن هذه الاصوليات قد تختلف في‮ ‬درجة،‮ ‬وفي‮ ‬نوع الاقصاء والالغاء من حيث شراسته وعدوانيته ما بين الهجوم باللسان،‮ ‬وما بين الهجوم باليد‮.. ‬علماً‮ ‬بان كلا الهجومين هو إقصاء وإلغاء‮ ‬يختلف كماً‮ ‬لاكيفاً‮...!!‬
ولعلنا نتذكر وإن كنا لم نتعلم للاسف ان بدايات الاقصاء تقود دائماً‮ ‬الى نهايات دموية وعدوانية مفجعة‮.. ‬بدءاً‮ ‬من إقصاء الحلاج ونهايته مصلوباً،‮ ‬مروراً‮ ‬باقصاء تروتسكي‮ ‬ونهايته مفلوق الرأس بفأس‮ ‬غادر،‮ ‬وصولاً‮ ‬الى اقصاء سمير قصير وجورج حاوي‮ ‬وجبران تويني‮ ‬ونهايتهم جميعاً‮ ‬بتفجيرات سيارات مفخخة‮...!!‬
ولسنا بحاجة لتقديم قائمة بنهايات الاقصاء‮.. ‬لكننا بحاجة لان نفهم ان الرأي‮ ‬والرأي‮ ‬الآخر ليس شعاراً‮ ‬نرفعه في‮ ‬ليل الندوات وننكره عند صياح الديك ثلاثاً‮...!!‬