الجمعة: 2006.03.017
في ذكرى الشهيد القائد
فؤاد شبقلو
أيها الحبيب:
ثلث قرن مضى وأنت حاضر بيننا وذكراك حية فينا، وأقوالك نجوم هادية مضيئة في سمائنا وكتبك يتداولها النشء الجديد للتعرف إليك إنسانا ومناضلا وقائد حركة تحرر وفيلسوفا ورئيس حزب تقدمي اشتراكي.
لم يستطع لبنان بغيابك ان يستعيد تركيبته، حاولوا جاهدين بالعنف تارة وبالسياسة تارة أخرى، وما زال على شفير الهاوية يتأرجح على مختلف الصعد الاجتماعية والطائفية والمذهبية والسياسية.
هذا اللبنان الصغير الكبير عينوا عليه في الماضي قيّماً يتولى رعايته، وكانت الوصاية قاسية وكشفت عوراتها وعيوبها، فمن وصل منهم كان معيباً، ومن لم يرضوا عنه كرموه بإبعاده عن مواقع السلطة وصنع القرار.
هم هم أبطال حرب وأبطال سلام. هم هم علمانيون وقت الحاجة وطائفيون مذهبيون عندما تدق الطبول وتستنفر الغرائز، هم لكل المناسبات.
طبقة سياسية معظمها رث، فاسد، قصير النظر، ومتعيّش على حساب الأجاويد، ومع ذلك فالاستقطاب محير، والحشرجة باتت تنبئ عن قيامة من نوع جديد، ربما نتفاءل بالخير، بالأمل وهو رصيد الضعفاء، نعم.
في 14 فبراير/شباط 2005 حصل ما لم يكن بالحسبان، اغتيل من جاء الى لبنان عبر دمشق وكان موضع ترحيب من قبلهم، إذ ساندهم وشيد لهم قصوراً وبيوتاً وشق طرقاً وأسهم بمشاريعهم وأكرمهم كرماً جلب الحسد له ولعائلته. غير أن شكهم فيه كان قاتلاً. اغتيل الحريري فأكرم الله وفادته في رحاب العليين ومضى بتجربته التي كان فيها من حسن النيات أكثر مما فيها من التخطيط والبرمجة رغم المظهر المتألق، مما جعل الحسابات خاطئة في نتائجها وهكذا فقدنا المعيل والصديق والمرجع.
فقدنا أيضا عزيز قوم لم يُذلّ في حياته، قائدا وطنيا كنت تشده اليك وتقربه منك وتلمس به ريادة متميزة: عنيت به الشهيد جورج حاوي الذي استشهد في وقت كنا بحاجة اليه نظرا لدقة تحليله وصوابية منطقه وقدرته على التعبير الهادئ والمقنع. وكان فتى الشاشة الأغر فخسرته النخبة والجمهور في آن معاً، وكان غيابه مؤثرا وشيّع في بيروت التي عاش فيها ودافع عنها وأحبها كالزعماء التاريخيين. وفت العاصمة بنذرها وكان الحدث جللاً فمشت الجماهير بكبرياء في جنازته من كل الطوائف والمذاهب والمناطق والفئات ومن كل النخب، وكان الحشد المشيع لائقا بالجثمان.
أيها الكبير في غيابك:
لقد أقاموا طاولة مستديرة تجمع الأقطاب، متفقاً عليها لحسن ولادة التسوية، والوليد الذي سافر الى امريكا لاستكشاف الموقف ومعه حمادة أما الباقون فهم الأقطاب فقد حضروا ليكرروا ldquo;المسرحيةrdquo; طائف لبناني يكرر ذاته، وهم أنفسهم يجترون المواقف والمواعظ والترهات، ويستعينون ب ldquo;الكتبةrdquo; لصوغ الأدبيات المناسبة وبرنامج الإصلاح السياسي والاقتصادي والتربوي وكيفية الترخيص لمزيد من الجامعات الأهلية للإكثار من ldquo;الأميةrdquo; على مستوى الجامعيين، فنصبح بمستوى كافة النخب العربية بعد ان وحدنا كعرب النظام السياسي فبات واحدا يشبه بعضه البعض، سواء كان جمهوريا أو ملكيا او سلطويا أو فرديا او جماعيا فالمبررات واحدة، والقرار واحد والتوازن قائم وكلهم في الجاهلية عرب، وليدك يكثير من الكلام.. حماه الله ووقاه شر الأذية.
الإمام غير المعصوم السيد حسن نصرالله يتواضع، ويتنازل لكي ينجح الحوار، ويدوّر الزوايا ويشجع الآخرين على التعاضد والتعاون. نشعر انه مهموم بثقل المهمة وضرورة تحفيز الوعي، وعي خطورة ما يجري حول وحدة المسلمين، وحول وحدة اللبنانيين وحول درء الأخطار عن لبنان وفلسطين والعرب أجمعين. انه رجل دولة وقائد حركة وخطيب جماهيري ومحلل سياسي يثير إعجاب النخبة حتى في مساندته لنظام الجوار العربي، ويرى في ذلك رداً لمواقف دعم وقناعة تكونت لديه كون ldquo;الدعسة الناقصةrdquo; التي حصلت او ldquo;غلطة الشاطرrdquo; التي ارتكبت ما كانت يجب أن تمر من دون عقاب، وان الخطأ المرتكب كبير وفظيع ويجب فرض القصاص عليه، ولعله في اعتماد الحكمة والمرونة ما يجعل الموقف يتضح وينضج.
البلد لم يعد باستطاعة سياسييه أن يعيدوا تركيبه من الحجارة القديمة المهترئة البالية نفسها. لا بد من جديد وجديدنا يجب ألا يكون من فصيلة ldquo;المرتزقةrdquo; أو الأزلام او عديمي الرؤية، وهم كثر ويتكاثرون يوما بعد يوم.
أيها الرئيس:
برنامج الإصلاح السياسي ما زال يتعثر والأسس التي طرحتها في برنامج الحركة الوطنية مازالت المشروع المتقدم حتى الآن عن سواه من المشاريع، حتى ان معظم الإصلاحيين ينهلون من اقتراحاتك التي قدمتها قبيل الحرب لمنع الفتنة: التمثيل النسبي، إصلاح الدوائر الانتخابية وإعادة تنظيمها واللامركزية الإدارية، خفض سن الاقتراع لإشراك الشبيبة الى سن ،18 مكافحة الرشوة والمال الانتخابي، وضع وسائل الإعلام بخدمة المرشحين بشكل مساو، مكافحة الفساد وفصل النيابة عن الوزارة، وإلغاء الأساس الطائفي للنظام السياسي والاهتمام بالتعليم الرسمي والاقتصاد الزراعي وتنمية الريف.
أيها الغائب:
ldquo;السجن الكبيرrdquo; ما زال هو هو لا تغيير جوهريا فيه حتى الآن، التيار الإسلامي يتقدم في مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان والخليج والمشرق والتيار القومي والوطني، ينحصر في أضيق زواياه.
خمسون عاما من النضال تآكلت على شهوة الانتهازيين واللصوص والعملاء والمزيفين وقطاع الطرق وعملاء الأجهزة وما أكثرهم، تزداد أعدادهم.
لسنا نادمين على ما فات ldquo;سعادة النائبrdquo;، ldquo;معالي الوزيرrdquo;، ldquo;صاحب الفخامةrdquo;، ldquo;سيدي العميدrdquo;، وألقاب مملكة في غير موضعها، بتنا حيارى لهذا النوع من الشخصيات وفي المقلب الآخر هل اجتمعت بالروائي العربي عبدالرحمن منيف صاحب خماسية ldquo;مدن الملحrdquo;، أخبرنا انه ذاهب للقياك. الشهداء بالعشرات بل المئات والآلاف الذين قدموا أرواحهم من أجل الوطن والقضية، الذين قدموا أغلى ما لديهم في سبيل لبنان العربي الديمقراطي السيد المستقل.
أيها الرفيق، يا كمال جنبلاط نجدد الحب
والعهد والقسم بأن نبقى معاً موحّدين. عشتم وعاش لبنان.
التعليقات