نظام نفطي جديد يبدأ من اليابان ...


سليم نصار

تنتهي غداً الأحد جولة آسيوية قام بها ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز، اشتملت على ثلاث زيارات رسمية لليابان وسنغافورة وباكستان.

واعتبرت هذه الجولة التي استمرت عشرة أيام، بمثابة استكمال لبرنامج التواصل الذي دشنه العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبدالعزيز في زيارته الأخيرة للهند والصين، حيث اتفق مع قادة أكبر دولتين في العالم من حيث عدد السكان، على وضع معايير التعاون والمشاركة، أي المعايير التي تنظم علاقات الدول المنتجة للنفط والغاز بالدول المستهلكة.

وسبقت هذه الجولات زيارة قام بها لموسكو الملك عبدالله سنة 2003 بهدف بناء شراكة اقتصادية قوية بين روسيا من جهة ودول laquo;أوبكraquo; من جهة اخرى. ولتأكيد دعمه لتنشيط هذه الشراكة وتطويرها، أوفد الرئيس فلاديمير بوتين الى الرياض مطلع الشهر الماضي مستشاره الخاص أصلان بيك اصلاخنوف، حيث مثله في الدورة الخامسة لمجلس الأعمال العربي - الروسي. وخلال الاجتماعات التي استمرت ثلاثة أيام، حرص أصلان بيك على تقديم اقتراحات تتعلق بتوسيع مجالات الاستثمار وتحسين الظروف الاقتصادية الملائمة لتبادل المنافع. وتعهد للمندوبين بأن يتحول laquo;بيت العربraquo; في موسكو الى سفارة تتمثل فيها - اقتصادياً وتجارياً - كل دول الجامعة العربية. وكان الرئيس بوتين قد أهدى مجلس الأعمال الروسي - العربي قطعة أرض من أجل بناء مجمع يضم مكاتب هذه المجموعة.

وبسبب الأهمية الاستثنائية التي توليها بكين لتعزيز أواصر التعاون مع الرياض، لبى الرئيس الصيني laquo;هو جيناتوraquo; دعوة الملك عبدالله بن عبدالعزيز على أن يبدأ زيارة رسمية للسعودية يوم السبت المقبل تستغرق ثلاثة أيام. ومن المؤكد ان موضوع توسيع أفق العلاقات الثنائية في ميدان الطاقة سيكون أبرز مواضيع البحث خلال هذه الزيارة. والمعروف أن الصين تعتبر ثاني أكبر دولة مستهلكة للطاقة بعد الولايات المتحدة، إذ أنها استوردت السنة الماضية 130 مليون طن من النفط الخام بينها أكثر من 20 مليون طن من السعودية.

حرص ولي العهد السعودي الأمير سلطان بن عبدالعزيز خلال زياراته للدول الثلاث، على تقديم نهج بلاده في اطار الكلمة التي ألقاها من فوق منبر الأمم المتحدة السنة الماضية، أي الكلمة التي اختصر فيها توجهات المملكة على مختلف الصعد السياسية والاقتصادية والأمنية. وأعلن في حينه عن حجم الاسهامات المادية التي قدمتها السعودية بحيث استفادت منها 83 دولة نامية. وفي الميدان السياسي شدد على أهمية تحقيق السلام العادل والشامل في الشرق الأوسط عبر الالتزام بتنفيذ مبادرة الملك عبدالله التي أعلن عن تفاصيلها في قمة بيروت. كذلك طالب في كل المحادثات بالعمل على ممارسة سياسة حكيمة في العراق صوناً لوحدته وحفاظاً على عروبته. أما في المجال الأمني فقد ذكّر بضرورة تعزيز التعاون الدولي بهدف مكافحة الارهاب والتطرف باعتبارهما يمثلان التهديد المتواصل ضد سلامة المواطنين واستقرار الأوطان.

خلال زيارته لطوكيو أعاد الأمير سلطان في لقاءاته مع الامبراطور اكيهيتو وولي العهد نارو هيتو ورئيس الوزراء جونيشيرو كويزومي، بعض الذكريات التي انطبعت في ذهنه عن زيارته الأولى لليابان عندما كان وزيراً للمواصلات سنة 1960. يومها تمت الزيارة في أجواء مريحة بحيث أن الحكومة اليابانية أعربت عن امتنانها للفرصة التي أتاحتها لها السعودية للتنقيب عن النفط في منطقة الخفجي سنة 1958. وقيل في حينه ان الدولة المهزومة عسكرياً حققت اختراقاً صناعياً واقتصادياً من وراء تلك العملية بعد مرور فترة قصيرة حاولت خلالها التعالي على جراحات ما خلفته قنبلة هيروشيما واستسلام هيرو هيتو أمام الجنرال الأميركي دوغلاس ماك آرثر (30 آب/ اغسطس 1945). ومع اكتشاف النفط في الخفجي، طلب الأمير فيصل بن عبدالعزيز، وزير الخارجية آنذاك، من السفير أسعد الفقيه الانتقال من واشنطن الى طوكيو لافتتاح أول سفارة بعد الحرب العالمية الثانية. وكان ذلك يوم 28 كانون الثاني (يناير) 1958. والطريف أن أسعد الفقيه هو الذي أُنتدب لافتتاح أول سفارة سعودية في واشنطن، عقب مرافقته للأمير فيصل الى laquo;مؤتمر سان فرانسيسكوraquo; سنة 1945. ومع أنه احيل على التقاعد بعد ثلاث سنوات، إلا أنه كلف بمهمة افتتاح السفارة في طوكيو قبل مغادرته الخارجية نهائياً في 25 آذار (مارس) 1958. ولما وصل الأمير سلطان، وزير المواصلات الى اليابان سنة 1960، وجد في استقباله سكرتير السفارة محمد شرارة الذي عيّن بعد ذلك سفيراً في المكسيك. ولقد اقيمت له حفلات استقبال كبرى باعتباره يمثل أول دولة دشنت عمليات الانفتاح الديبلوماسي والاقتصادي من منطقة الخليج العربي. وكانت تلك الاستقبالات بمثابة اعتراف بالجميل، لأن شركة الزيوت العربية - اليابانية التي احتفظت بامتياز التنقيب في عرض البحر أمام المنطقة المحايدة السعودية - الكويتة تولت بعد ذلك عمليات حفر آبار أخرى في بلدان خليجية مختلفة.

هذا، ولقد أعلنت شركة laquo;أرامكوraquo; قبل سفر الأمير سلطان، انها وقعت مع شريكها الياباني laquo;سوميتومو كميكالraquo; عقوداً لتمويل مشروع laquo;بترو رابغraquo; البتروكيماوي، إضافة الى تدشين laquo;مشروع حرض - 3raquo;. وقد قدم ولي العهد السعودي هذه الخطوة الاقتصادية المشتركة كمثل على خطط تطوير مشاريع الطاقة وتوسيع مجالاتها بحيث تلبي احتياجات السوق. والمعروف ان وزارة البترول في السعودية تطمح الى زيادة انتاجها من النفط الى 12.5 مليون برميل في غضون سنتين. والسبب كما يراه المسؤولون في الرياض، ان طوكيو تعمل حالياً من أجل انشاء أكبر تجمع اقتصادي يضم 15 دولة آسيوية. وهذا التجمع يشكل أضخم كتلة بشرية في العالم (3 بلايين نسمة) اي ما يساوي نصف عدد سكان الارض. أما الدول المرشحة لدخول هذا التجمع فهي: اليابان والصين والهند وكوريا الجنوبية واندونيسيا والفيليبين ونيوزيلندا واستراليا وفيتنام وكمبوديا وسنغافورة ولاوس وتايلند. ويرى الخبراء ان مثل هذا التكتل لن يكتب له التفوق على الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي إلا إذا أمن صادرات النفط ومشتقاتها الاستهلاكية. وهذا ما يدفع الصين والهند واليابان الى التزاحم لعقد اتفاقات مع السعودية ودول laquo;أوبكraquo; عموماً، باعتبارهما يمثلان أكبر منتج للنفط والغاز في العالم.

في طوكيو لاحظ الأمير سلطان ان الدولة اليابانية لا تحصر جهد تطوير العلاقات بموظفيها فقط، وانما تترك المجال لمختلف الفعاليات. وعندما استقبل اعضاء جمعية الصداقة اليابانية - السعودية، أخبره رئيسها تشي كوناغا ان الجمعية تضم نحواً من 54 شركة تعتبر رائدة في مجال التعاون والتنمية بحيث ان طاقاتها ازدادت خلال نصف قرن بفضل العلاقات المتميزة. أو كما لخصها وكيل الخارجية اليابانية، بفضل نشاط الديبلوماسيين والزيارات الرسمية التي يقوم بها المسؤولون من الجهتين. وبين الزيارات التي تتذكرها الجالية، كانت زيارة الملك فيصل سنة 1971، وزيارة الملك عبدالله بن عبدالعزيز سنة 1998 (أثناء ولاية العهد) وزيارة أمير الرياض الأمير سلمان بن عبدالعزيز سنة 1998 وزيارة ولي العهد الأمير سلطان بن عبدالعزيز 1960 و2006. ولقد تعاقب على تطوير علاقات البلدين وتمتين لحمتها كل من السفراء: اسعد الفقيه ومحمد شرارة واحمد عبدالجبار، ومحمد نوري ابراهيم وناصر المنقور وعوني الدجاني وفوزي شبكشي ومحمد بشير كردي والسفير الحالي فيصل طراد.

في سنغافورة ألقى الأمير سلطان محاضرة في معهد دراسات جنوب شرقي آسيا، تحدث فيها عن التجربة الرائدة التي حققتها هذه الدولة الصغيرة بامتياز. وقادته الدلائل المتوافرة في حقول التعليم والخدمات الفندقية والمصرفية، الى الاقتناع بأن العنصر البشري هو القيمة الأساسية التي صنعت معجزة سنغافورة وجعلت أموال الاحتياط في مصارفها تقفز الى أكثر من 130 بليون دولار. علماً بأن مساحتها لا تزيد على 692 كيلومتراً مربعاً. ومع هذا كله، فقد منحها الاستقرار السياسي الطويل الأمد فرصة لتعزيز نموها الاقتصادي والتجاري. كما شجعتها الدول العملاقة حولها على توظيف مواردها البشرية لتحقيق ايرادات يصعب جنيها من الموارد الطبيعية المفقودة. وركز الأمير سلطان في كلمته على برنامج تطوير الطاقة في بلاده، وعلى ضرورة اهتمام بلدان آسيا بهموم الشرق الأوسط لأن تداخل مصالح العالم، يجعل من المستحيل عزل قارة عن أخرى. وكرر في هذا السياق التذكير بأن مبادرة السلام التي طرحها الملك عبدالله بن عبدالعزيز في القمة العربية في بيروت، تبقى الحل الأوفر حظاً، شرط تضافر الجهود الدولية لتنفيذها.

ثم تحدث عن الارهاب كمصدر تهديد لكل المجتمعات المستقرة، ودعا الى محاربته بكل الوسائل المتاحة لأنه في نظره، يشكل التحدي الجديد لمختلف الأنظمة والشعوب. وكان من المنطقي أن يفهم الحضور معنى الأبعاد التي أشار اليها الأمير سلطان عندما بلغه نبأ الانفجار الذي حدث في باكستان وأدى الى مقتل أكثر من خمسين شخصاً كانوا يشاركون في احتفال ذكرى المولد النبوي الشريف في كراتشي. ولقد اضطره هذا الحادث المؤلم الى تأجيل موعد الزيارة لباكستان الى اليوم السبت.

اضافة الى هذه المسائل الحيوية، شدد الأمير سلطان على ضرورة الأخذ بمبدأ حوار الحضارات بدلاً من نظرية صدام الحضارات. وقال في طوكيو ان التنوع في التفكير والتنافس على امتلاك الأفضل، عنصران لا بد أن يؤدي تفاعلهما الى تعميق التفاهم بين الشعوب وتعزيز فرص التعاون المشترك.

في ضوء ما تقدم، تجد روسيا نفسها مضطرة لأن تفتح لنفسها مجال المنافسة عن طريق ايران والعراق، بهدف الوصول الى آسيا الوسطى والمحيط الهندي وافريقيا الشرقية. وهي ترى أن هذه المنافسة ستقودها الى التصادم مع حليفتيها السابقتين الصين والهند، خصوصاً أن الصين بدأت تهتم بإحياء طريق الحرير التقليدية التي كانت تصل الشرق الأوسط بآسيا عبر الخليج العربي. ويبدو ان التاريخ يعيد نفسه في هذه المنطقة، مع فارق أساسي هو أن الذي يخرج من باطن الأرض هو الذي يحرك الحضارة الصناعية فوق الأرض.


كاتب وصحافي لبناني.