لم يعد من أثر لـlaquo;التشادورraquo; وlaquo;المانتوraquo; صار زياً laquo;كاشفاًraquo; في عهد الرئيس المحافظ
طهران : حسن فحص - الحياة
قد تبدو التغييرات التي يشهدها المجتمع الإيراني في هذه المرحلة مستهجنة، في ظل الطابع الإسلامي للحكم والنظام في هذا البلد، خصوصاً في ما يتعلق بالمظاهر الإسلامية في المجتمع والتي تشكل جزءاً من الدستور الذي لا يمكن تجاوزه إلا باستفتاء شعبي عام. وهو أمر مستبعد في هذه المرحلة، خصوصاً ان القوى السياسية في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي طالبت باللجوء الى الاستفتاء على نصاب سياسي، الا أن القوى المحافظة وقفت في وجهها كي لا تخسر ما في يدها من مواقع قرار.
عند انتخاب خاتمي الى رئاسة الجمهورية، شكلت الشريحة الشبابية في المجتمع الإيراني الرافعة الأساس له الى السلطة، بعدما انجذبت الى شعاراته المتعلقة بالديموقراطية والحريات الشخصية وحرية الرأي والتعبير وبناء مجتمع مدني متطور.
وطوال ثماني سنوات هي عمر ولايتيه الرئاسيتين، تعرض خاتمي، وهو ابن المؤسسة الدينية والثورة، لحملات قاسية من التيار الديني المحافظ والمتشدد حملته مسؤولية ما آلت اليه الأوضاع الاجتماعية من ترد وتراجع للمبادئ والمظاهر الإسلامية التي ترسخت في المجتمع وطبعته بطابعها، على رغم ان المؤسسات المكلفة مكافحة مظاهر الفساد والابتعاد عن الآداب والمظاهر الإسلامية لم تكن تقع في مجال صلاحياته.
ومع اقتراب نهاية عهد خاتمي، بدأت المخاوف من مرحلة جديدة من التشدد قد تفقد الأوساط الاجتماعية، خصوصاً الشبابية والنسائية، ما حققته من انجازات مستفيدة من المساحة التي أتاحها الصراع السياسي بين الإصلاحيين والمحافظين.
ومع وصول الرئيس الإيراني محمود احمدي نجاد الى السلطة وما يمثله من توجهات سياسية محافظة متشددة، دخلت القوى الاجتماعية والسياسية في سباق لتحسين المواقع.
فالقوى الشعبية التي ساهمت في إيصال احمدي نجاد الى السلطة رأت أنها قد تستطيع فرض توجهاتها الاجتماعية وان تحد من اتساع ظاهرة التخفف من المظاهر الإسلامية في الشوارع والأماكن العامة، في حين زادت الشرائح الاجتماعية المستفيدة من حال ارتخاء تعاليم الثورة من هجومها ورفعت وتيرة التحدي بأن عمدت الى ممارسة مزيد من عدم الالتزام بالمظاهر الإسلامية.
ولجأت السلطة السياسية التي كانت مشغولة في ترتيب البيت الداخلي بعد الجدل السياسي الذي رافق الانتخابات النيابية والرئاسية التي أقصت التوجهات الإصلاحية والليبرالية عن مواقع القرار، الى المناورة فتركت المجتمع يجترح أساليب التحدي المتوافقة مع توجهاتها او المختلفة معها.
الوسط المديني الإيراني الذي ابتعد بعد التجربة الخاتمية عن الاهتمام بالأحداث السياسية، استغل بذكاء هذه الحاجة لدى التيار المحافظ، والتقط الإشارات التي صدرت عن الرئيس احمدي نجاد حين خاطب هذه الشريحة واعداً بمزيد من الحرية والانفتاح، فمارس حريته الاجتماعية بعيداً ndash; في الحفلات واللقاءات الخاصة - أو أمام عيون الرقيب في الشوارع والأماكن العامة على نحو يوحي بوجود تواطؤ غير معلن بين هذه الطبقة الاجتماعية وبين الرقيب نفسه الذي لعب على مناطق الفراغ القانوني التي تسمح له بغض النظر عما كان بالأمس ممنوعاً بقوة هذا القانون.
واذا كان نص المادة الدستورية يقول بأن الحجاب واجب، وان على جميع النساء مراعاته في الأماكن العامة، الا أن التفسير الاجتماعي سمح للنساء والفتيات اللعب على تحديداته التطبيقية.
فبعدما سادت المجتمع الإيراني موجة من اعتماد laquo;التشادورraquo; الأسود بين النساء والفتيات بعد انتصار الثورة في موازاة الالتزام بـlaquo;المانتوraquo; ذي اللون القاتم (الأسود والكحلي) في الإدارة الرسمية، تراجع laquo;التشادورraquo; مع مرور الزمن وتقدم عمر الثورة، ليسيطر المانتو الفضفاض كلباس عام للنساء الإيرانيات الملتزمات وغير الملتزمات دينياً، في ذروة سطوة السلطة والنظام ودوائر مكافحة المظاهر المخلة بالآداب العامة.
وفي محاولة للخروج من الزي الموحد الذي طغى على أزياء النساء، كانت الخطوة الأولى بان عمدت نساء طهران ومعهن مصانع الثياب الى اللعب على الألوان والخروج من اللون الواحد. لينتقلن بعدها الى إخراج المانتو من شكله الفضفاض الى مستوى اكثر ايحاء، فرحن يكثرن من الكشف والسفور تصاعدياً مع سنوات خاتمي في الرئاسة، في وقت كانت مؤسسات الرقابة تشن حملة إعلامية قاسية على الإصلاحيين وأفكارهم laquo;الانحرافيةraquo; من دون ان تحرك ساكناً في مواجهة تفشي هذه الظاهرة، الى ان تحول التشادور تعبيراً عن تقليد داخل العائلات المحافظة.
أما حجاب الرأس، وبعدما كان يحجب كامل الرأس والشعر، فبدأ يعتريه شيء من الخجل، وراح يتجمع على نفسه ويذوب أمام إغراء laquo;الغرةraquo; والجدائل، لكن هذا لا يعني طبعاً انه سمح للفتيات بالتفلت من عقاله.
مع وصول احمدي نجاد الى السلطة، بدأت مرحلة جديدة من لعبة التحدي هذه. وتجلى ذلك في عدد من التعابير الاجتماعية، في ظل انشغال السلطة الجديدة في ترسيخ مواقعها السياسية.
فلم يعد مستهجناً ان تسير في شوارع العاصمة طهران وترى بالقرب منك فتاة لم تترك من أساليب التبرج شيئاً الا ووجدت له مكاناً على تفاصيل وجهها. وزيادة في التحدي أطلقت فتيات طهران العنان أمام الجميع لحجاب ينزلق عن الرأس من دون إبداء أي اهتمام في إعادته الى مكانه أو الى وضعه السابق مستغرقة بالاستماع الى أغنية إيرانية ربما وفي كثير من الأحيان الى اغان أجنبية بما فيها الأغاني العربية لنجمات الموسم مثل هيفاء وهبي ونانسي عجرم ونوال الزغبي اللاتي بتن معروفات كثيراً في أوساط الفتيات الإيرانيات.
انحسر الحجاب عن رأس الشابات الإيرانيات في المعابر أو الأماكن العامة الى درجة لم يعد يستر ما كان يستره قبل شهور قليلة، الأمر الذي يدفع الى التساؤل أحياناً أثناء عبور شوارع طهران عن احتمال سماح الحكومة بنزع الحجاب، خصوصاً ان ما يشاهد في كثير من الأماكن وعلى الطرق لا يمكن ان يطلق عليه اسم حجاب.
التظاهرة اليتيمة التي قامت بها مجموعة من النساء الإيرانيات القليلات العدد أمام البرلمان الإيراني الذي يمثل التيار المحافظ في اواخر نيسان (أبريل) الماضي، كانت الصوت الوحيد والخفيض المعارض لمظاهر تخفف نساء طهران من الحجاب، وهي على كل حال لم تؤد الا الى تعهد مسؤول لجنة الثقافة البرلمانية عماد الدين افروغ بمناقشة الموضوع، لافتاً الى انه laquo;لا يوجد تعريف محدد للحجابraquo;، وان كان يضم صوته الى صوتهن laquo;في الاعتراض على تفشي هذه الظاهرة التي لا تمت الى طبيعة الثورة بصلةraquo;.
في هذا الوقت خرج الرئيس احمدي نجاد، في خطوة مفاجئة، لم يكن ليخطر على بال أحد ان تصدر عن رئيس محافظ، بقرار يطلب فيه درس إمكان حضور النساء في الملاعب الرياضية ما أثار ردود فعل مرحبة في الأوساط النسوية، ورافضة في الأوساط الدينية والمحافظة، ومستهجنة في الأوساط الإصلاحية، خصوصاً ان أياً من المسؤولين السابقين ومنهم خاتمي لم يتجرأ على تبني دعم الحركة النسائية والحقوق الفردية والاجتماعية للنساء.
الخطوة الرئاسية التي طالب بعدها المرشد الأعلى بإعادة النظر فيها، ما يعني مطالبة الرئيس في شكل غير مباشر بالتخلي عنها، أثارت جدلاً داخل التيار المحافظ، خصوصاً في الحوزة الدينية، ما سمح لبعضهم بالتشكيك في تمثيل نجاد لتوجهاتها، في وقت يقول بعض القريبين من الرئيس ان السبب الذي دفعه الى اتخاذ هذه الخطوة المعلومات التي وصلته عن إعداد محطات التلفزة الغربية تقارير كشفت عن الأساليب التي استخدمتها فتيات إيرانيات للحضور في الملاعب الرياضية ومشاهدة مباريات كرة القدم فيها والتي كانت تبث على الهواء بالتزامن مع كل مباراة شارك فيها المنتخب الإيراني في تصفيات كأس العالم.
وبصرف النظر عن الاسباب المعلنة وغير المعلنة التي رافقت صدور القرار، يبقى ان انتزاع هذا الاعتراف الرسمي بهذا الحق للنساء في عهد الرئيس المحافظ يعد انتصاراً كبيراًً للحركة النسائية الإيرانية، بعد محاولات عدة لكسر هذا الحاجز المنيع، منذ ان عمدت احدى الفتيات التي بقي اسمها مجهولاً، الى قص شعرها وارتداء ثياب الشبان ودخول ملعب آزادي في طهران ومشاهدة المباراة الرياضية الى جانب الشباب وبرفقة صديقها، وصولاً الى تظاهرة نظمتها فتيات إيرانيات في أواخر عهد خاتمي مطالبات بالدخول الى ملعب آزادي لحضور مباراة بين إيران وكوستاريكا، وبعد حملات من الضرب والشتم من قبل الشرطة، تمكّن من دخول الملعب وحضور المباراة في شوطها الثاني.
laquo;المانتوraquo; الذي احتل مكان laquo;التشادورraquo; طوال السنوات العشر الماضية، لم يعد يحمل من صفاته إلا اسمه، واذا كانت الفتيات قبل سنة فقط قد تركن للمقص حرية العمل طولاً وعرضاً في التقصير والتخفيف من حجمه، وجعلن له فتحات جانبية، وتخلين عن القماش القاتم واستبدلن به أقمشة متنوعة من الكتان الشفاف، فإنهن الآن اعملن المقص بالطول والعرض ايضاً لكن مع مزيد من الجرأة والجسارة في آن، فبات laquo;المانتوraquo; اقصر من laquo;الجاكيتraquo; لا بل ان أحد الشباب علق على ما يشاهده في الشوارع بالقول ان laquo;القميص الذي كنا نرتديه أوائل الثورة ونتركه طليقاً فوق السروال أطول من المانتو الذي ترتديه الفتيات في هذه الأيامraquo;.
ولم تقف مخيلة الفتيات فقط عند طول laquo;المانتوraquo;، بل نلن من اتساعه، ليصبح لصيقاً بالجسم، وترافق انحساره مع فتحات جانبية تعلو الى حدود الخصر.
وفي محاولة لمواكبة تطور الأزياء على الصعيد العالمي، وكذلك لجعل اللباس الخارجي يشي بما يخفي، لجأت الفتيات الإيرانيات الى تحسين المظهر الخارجي للمانتو، فأصبح على رغم قصره مقسماً الى قسمين عبر حزام في الوسط يعلو الخصر، في محاولة لتوزيع استقبال نظرات العابرين بين الجزء الأعلى والجزء الأسفل للجسد.
التعليقات