الخميس: 2006.05.25


مـرسي عطـا الله


أغلب الظن أن إسرائيل قد حزمت أمرها واستقر قرارها منذ سنوات ـ وتحديدا منذ مجيء شارون الي الحكم عامrlm;2001rlm; ـ علي إغلاق ملف عملية السلام الي الأبد ونسف أية إمكانية لإحياء منهج التفاوض والسعي ـ بخبث ودهاء ـ لاستدراج المنطقة بأسرها نحو ارتداد مخيف لسنوات الحرب والصراع والكراهية تحت وهم الاعتقاد بأن أوضاع القوة التي تميل بشدة ـ الآن ـ ناحية إسرائيل والتي تتعزز بوجود إدارة أمريكية يمينية محافظة تمسك في يدها بمفاتيح السياسة الدولية تمثل فرصة العمر للدولة العبرية لتحقيق المشروع الصهيوني بإقامة إسرائيل الكبري فوق معظم التراب الفلسطينيrlm;,rlm; فضلا عما يمكن استلابه نهائيا من الأراضي العربية المحتلة مثل الجولان في سوريا ومزارع شبعا اللبنانيةrlm;.rlm;

والأمر المؤكد أن هذه النزعة الفجة نحو التصلب والتعنت لن تقتصر علي التشكيك في قدرة الرئيس الفلسطيني محمود عباس أبومازن علي ضبط الأمور وقيادة عملية تفاوضية في ظل وجود حكومة ترأسها حركة حماسrlm;,rlm; وانما هي مجرد حلقة في سلسلة متصلة من التصعيد السياسي والاعلامي والعسكري تحت وطأة سوق المزايدات السياسية والحزبية والدينيةrlm;,rlm; الذي يحكم ايقاعها خليط من التيارات المتشددة المعادية للسلام في إسرائيل هذه الأيامrlm;!rlm;

لقد عادت الي السطح مرة أخري أحاديث الحلول أحادية الجانب وأوهام القدرة علي فرض الأمر الواقع وترسيم الحدود التي تلائم إسرائيل لتسيطر ـ مجددا ـ علي لغة الخطاب العام في الدولة العبريةrlm;,rlm; وذلك بالقطع أمر يصعب تجاهله أو الاكتفاء بمجرد إلقائه في سلة المهملات وانما هو مؤشر خطير يبعث علي القلق ويجدد الشكوك في حقيقة النيات والمقاصد الإسرائيليةrlm;,rlm; ليس تجاه الفلسطينيين وحدهم وانما تجاه مستقبل المنطقة كلهاrlm;...rlm; كما أنه يجدد الشكوك حول جدوي الجهود المخلصة التي تقوم بها مصر لإعادة الحياة لعملية السلام مرة أخري والتي ظهرت أولي بشائرها في منتدي شرم الشيخ قبل أيامrlm;!rlm;

ولا شك أن القلق العربي والفلسطيني مما يظهر علي السطح من إشارات مقلقة حول النيات الإسرائيليةrlm;,rlm; لابد أن يفرض سؤالا حول سر الصمت الأمريكي الذي يصل الي حد الرضا عما تفعله إسرائيلrlm;!rlm;

لقد كان مطلوبا من العرب أن يقدموا أدلة كافية علي حسن النيات والمقاصدrlm;..rlm; وقد فعلوا ذلك وبأكثر مما كان مطلوباrlm;,rlm; الي حد أن بعض الدول العربية أرادت ـ وبحسن نية ـ أن تثبت مصداقية القبول العربي بالسلام مع إسرائيل فسارعت قبل سنوات ـ دون أن تكون عليها أي استحقاقات ـ بتطبيع العلاقات وإبرام الاتفاقيات وتبادل الزياراتrlm;.rlm;

فهل يمكن ـ في ضوء كل ما حدث ـ أن يحق لأحد في أمريكا أن يطلب من العرب مزيدا من أدلة حسن النيات أو إضافة إشارات جديدة الي حبال الصبر الممدودة بأغصان الزيتون منذ سنواتrlm;..rlm; من نوع ما عاد يتردد من إشارات وتلميحات علي ألسنة بعض المسئولين الأمريكيين الحاليين والسابقين بهدف تبرئة إسرائيل من مسئولية تجميد عملية السلامrlm;,rlm; وتوجيه الاتهام لحركة حماس التي لا يزيد عمرها علي بضعة أشهر فقط ؟rlm;.rlm;

إن الجواب بالطبعrlm;:rlm; لا

rlm;***rlm;

إن العرب والفلسطينيين ـ تحديدا ـ هم الذين بحاجة الي من يقدم إليهم دليلا علي حسن النيات والمقاصدrlm;,rlm; ولمن يسارع بخطوات السلام لتعويض الزمن المفقودrlm;..rlm; وليس من يغلق الأبواب والمنافذ ويدفع بالأمور الي صدام مدمر بدعوي أن الحكومة الفلسطينية الحالية تديرها حركة حماس المصنفة كحركة ارهابية ودون اعتبار الي أن هذه الحكومة جاءت من خلال انتخابات حرةrlm;!rlm;

ثم إن العرب والفلسطينيين ـ تحديدا ـ يريدون أن يسمعوا بوضوح أن عملية السلام لا يمكن أن تقوم لها قائمة في غيبة من التزام صريح بمقررات الشرعية الدولية واحترام التفاهمات التي تم التوصل إليها والاتفاقيات التي سبق التوقيع عليهاrlm;!rlm;

لقد آن الأوان لمصارحة شاملة بدلا من استمرار اللف والدوران تحت عناوين غامضة ومطاطة تارة باسم عملية السلام وأخري باسم حق الوجود الآمن والدائم لإسرائيلrlm;..rlm; وأخيرا ببالون الدعوة لاقامة دولة فلسطينية ولكن دون تحديد لأسس وركائز هذه الدولة ومدي مطابقتها لمقررات الشرعية الدوليةrlm;,rlm; وانما علي أساس ما يفيض من حاجة إسرائيل بعد أن ترسم الحدود التي تلبي مطامعهاrlm;!rlm;

لقد آن الأوان بالفعل لكي تقول أمريكا كلمتها بشأن نقاط أساسية ينبغي ألا تكون محل خلاف من أحدrlm;,rlm; اذا كان يراد للشرق الأوسط أن يخرج من مأزقه وأهم هذه النقاط ما يليrlm;:rlm;

إن السلام هو المدخل الوحيد لتحقيق الأمن الذي يتشدقون به في إسرائيلrlm;..rlm; وان السلام هو الذي يجلب الأمن وبالتالي ينبغي أن يسبقه بكل ترتيباته واستحقاقاتهrlm;.rlm;

إن شروط السلام ليست شروطا مسبقة وانما هي شروط مبدئية تستند الي مرجعيات تم القبول بها والالتزام بالتفاوض تحت ظلالهاrlm;,rlm; وهي في مجملها العام مستمدة من حقائق تاريخية وثوابت جغرافية وقرارات أصدرتها الشرعية الدوليةrlm;.rlm;

إن محاولة أي طرف للتنصل من الالتزامات التي تم إبرامها أو التفاهمات التي سبق التوصل إليها يعني حق الأطراف الأخري في التنصل تلقائيا من التزاماتهاrlm;.rlm;

rlm;***rlm;

وإذن ماذا؟
إن علي الجميع وفي مقدمتهم أمريكا وإسرائيل أن يدركوا أن السلام لن يتحقق بالغرور والتهديد الأجوف بالقدرة علي معاقبة الآخرينrlm;,rlm; أو بالتصوير الخاطيء بإمكانية تحويل الأمر الواقع الي مشروعية مقبولة باستمرار مصادرة الأراضي وزرع المستوطناتrlm;,rlm; وانما السلام يتحقق وتكون إسرائيل أول من يجني ثماره عندما تختفي هذه اللهجة العدوانية المليئة بالاستفزاز والتحدي والاستعلاءrlm;!rlm;

واذا كانت أوضاع وموازين القوي الإقليمية والدولية بعد انفراد الولايات المتحدة انفرادا كاملا بدفة السياسة الدوليةrlm;,rlm; قد هيأت لإسرائيل أن هذه فرصتها لكي تعربد وتنفلت دون أن تجد من يكبح جماحهاrlm;,rlm; فإن مرحلة السيولة الراهنة ـ عربيا ودوليا ـ لن تدوم الي الأبدrlm;,rlm; كما أن قدرة العرب علي مواصلة ضبط النفس لها أيضا مداها المحدودrlm;!rlm;

لابد أن يكون واضحا أن تطلع العرب لإنجاز مصالحة تاريخية مع إسرائيلrlm;,rlm; لا ينطلق من واقع الضعفrlm;,rlm; كما يتهيأ لبعض حكام تل أبيبrlm;,rlm; وانما هو تطلع مشروع من أرضية الحساب الدقيق بأنه اذا كان العرب قد عجزوا عن إلحاق الهزيمة الساحقة بالدولة اليهوديةrlm;,rlm; فإن هذه الدولة المدعومة بإمكانات أقوي قوة عظمي في عالمنا المعاصرrlm;,rlm; لن تستطيع أن تكسر الارادة العربية ولن تنجح في فرض الاستسلام علي أي طرف عربي برغم ما حققته من انتصارات تكتيكية في معارك متلاحقةrlm;!rlm;

مرة أخري وإذن ماذا؟
إن الذي يزيد من خطورة تلك الأقوال والمخططات الإسرائيلية الأخيرةrlm;,rlm; انها تتواكب مع موقف آخر له دلالته الأكثر خطورةrlm;,rlm; والمتمثل في إصرار إسرائيل علي مواصلة بناء الجدار العنصري الفاصل وتطويق القدس بالكتل الاستيطانية وبما يؤكد أن لدي إسرائيل مخططها للاستغناء تماما عن المفاوضات والعمل علي فرض حقائق جديدة علي الأرض تتماشي مع استراتيجية الحلول المنفردة أحادية الجانبrlm;!rlm;

ثم إن السلام الذي تتوهمه إسرائيل ليس هو السلام الشامل والعادل الذي ارتضي العرب أن يخوضوا معركته بروح الرغبة الصادقة في بناء مستقبل أفضل يضمن الحقوق المشروعة لكل شعوب المنطقةrlm;,rlm; وليس بالتصريحات النارية أو الإجراءات العدوانية والتعسفية يمكن أن تحقق إسرائيل حلم الأمن والسلامrlm;.rlm;

إن السلام يمكن أن يتحقق فقط عندما تسلم إسرائيل بأن الحقوق العربية ليست قابلة للمساومةrlm;,rlm; وأن تركيبة الفكر الصهيوني القائم علي التوسع والاستيطان ومحاولة فرض الأمر الواقعrlm;,rlm; لن تتمكن من هزيمة الارادة الصلبة للمقاومة المشروعة ضد الاحتلالrlm;!rlm;

وأهم من ذلك كلهrlm;,rlm; أن تدرك إسرائيل جيدا أن شماعة الأمن قد باتت نكتة سخيفةrlm;,rlm; لأن أحدا ـ باستثناء من يصرون علي انحيازهم لإسرائيل ـ لا يمكن أن يقبل بتلك المقولة المضحكة بأن إسرائيل تعاني من أزمة أمن وانما الذين بحاجة الي الأمن هم جيران إسرائيل وفي مقدمتهم الشعب الفلسطينيrlm;.rlm;

rlm;***rlm;

ثم يبقي علي هامش هذا الحديث المليء بالشجون عدة أسئلة للراعي الأمريكيrlm;,rlm; الذي أصبح دوره في عملية السلام لغزا محيرا ومريباrlm;!rlm;

أين أمريكا وأين صوتها المرتفع باسم مكافحة الإرهاب من ذلك الذي تقوم به إسرائيل من عمليات اغتيال ضد الكوادر الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة برغم وجود اتفاق للتهدئة؟

أين وسائل الإعلام الأمريكية التي أدارت ـ علي مدي السنوات الأخيرة ـ آليات التحريض البشعة ضد العرب والمسلمين بدعوي أنهم صناع الإرهابrlm;,rlm; بينما يصيبهم الخرس ولا تصدر عنهم كلمة واحدة تدين ارهاب الدولة الذي تستبيح فيه إسرائيل لنفسها حق توجيه الاتهام لمن تشاء وحق انزال العقاب بمن تشاء دون تحقيق ودون محاكمةrlm;!rlm;

من هم الإرهابيون يا أهل واشنطن؟
هل مازلتم تصدقون ما تدسه إسرائيل لكم بأن منظمات المقاومة المشروعة ضد احتلالها الفج مثل حماس والجهاد وحزب الله هي منظمات إرهابيةrlm;,rlm; بينما لا تعتبرون إسرائيل دولة إرهابية مع انها تمارس الارهاب علانية وفي وضح النهار ودون خجل أو خوف؟rlm;!rlm;

من الذي شجع إسرائيل علي أن تصبح كيانا ارهابيا يمارس الترويع والتخويف والحصار والاغتيال ويجعل منها كيانا خارجا علي القانون الدولي ودولة ليست ملزمة بأن تحترم ارادة المجتمع الدولي أو مقررات الشرعية الدولية؟rlm;!rlm;

ثم بعد ذلك تتساءلون في أمريكا عن سر اتساع الكراهية لكم علي امتداد العالم بشكل عام وفي منطقة الشرق الأوسط بشكل خاصrlm;!rlm;

والي أن تتضح النتائج النهائية لزيارة رئيس وزراء إسرائيل إيهود أولمرت الحالية لواشنطنrlm;,rlm; فإن كل شواهد الموقف الراهن لا تبعث علي التفاؤل بشأن مستقبل عملية السلامrlm;!rlm;

وعلينا أن ننتظر معرفة مادار بين بوش وأولمرت في اجتماعهما المغلق وبعد ذلك نستطيع أن نحكمrlm;!rlm;

فالتجربة علمتنا أن مايقال أمام عدسات التليفزيون ليس هو كل الحقيقةrlm;!rlm;