الثلاثاء: 2006.06.20

تقرير: الأسلحة الخفيفة المنتشرة تكفي لقتل كل سكان المعمورة مرتين

لندن : ربعي المدهون - الشرق الأوسط

مساء 20 أغسطس (آب) 1999، كان توني مارتن، 54 سنة، الذي يعيش وحيدا في مزرعته الكبيرة في اينميث هانغيت بمقاطعة نورفولك البريطانية، في بيته عندما اقتحمه اللصان فريد باراس، 16 سنة، وبريندون فيرون، 33 سنة. أطلق توني النار باتجاههما، فأصيب بريندون بجروح وهرب، وأصيب باراس من الخلف وقتل. حوكم مارتن بتهمة ارتكاب جريمة قتل شخص وجرح آخر. وفي دفاعه عن نفسه، كرر مارتن عبارات من نمط: laquo;أنا لا أوافق أبدا على إطلاق النار. لم يكن ما حدث هينا بالنسبة لي. كنت وحدي في البيت، وكنت مرعوبا جداraquo;. كان مارتن، في الواقع، ضحية دفاع laquo;إيجابي أحمقraquo;، لم ينقذه منه قوله انه laquo;ليس رجل سلاح ولا يستمتع أبدا باستخدامهraquo;، ولا أي من مبرراته وأقواله الأخرى، فانتهى في السجن يقضي مدة محكوميته، بينما كانت الدولة البريطانية والمجتمع يغرقان في جدل لم ينته فصولا. قال البعض: laquo;ان اللصوص المجرمين يجدون بابا مشرعا على جنة غير المسلحين من البشرraquo;. وقال آخرون: laquo;انه حين تخرج الأسلحة الفردية على القانون، يصبح اللاقانون مسلحاraquo;، وعندها يختار العقلاء عدم تكرار laquo;حماقةraquo; توني مارتن او تقليدها. والبعض كان صريحا وواضحا في التعبير عن هذا الموقف الذي يرقى الى مستوى شعبي ورسمي في بريطانيا مثلا، إذ يقول: laquo;لا اقلق أبدا من إقدام لص على سرقة سيارتي ـ على افتراض أنني لست بداخلها ـ او حتى يقتحم بيتي بينما اكون خارجه. فهذه جرائم بسيطة. إنني اقلق فقط لجرائم العنف حين يرفع مجرم ما سكينا أمام وجهي، او يصوب مسدسا او بندقية نحويraquo;. وفي الآونة الأخيرة، كانت احدى قنوات التلفزيون البريطانية، تبث خبر مقتل الصبي، لاعب كرة القدم، الموهوب، كيان برنس، 15 سنة، طعنا بسكين، في وجود عدد من المدرسين، أمام باب مدرسته، في ضاحية laquo;ادجوارraquo; شمال لندن. حدث هذا بعد شهور من إطلاق النار على ضابطتين في الشرطة وزميلهما. وكان ثلاثتهم في مهمة تلبية لنداء استغاثة شخصي من مواطن تعرض لاعتداء. فقتلت شارون بيشيفينسكي، 38 سنة، وزميلتها تيريسا ميلبورن، 37 سنة، خلال عملية تبادل للنار مع مسلحين. وفي 26 ابريل (نيسان) الماضي، مرت الذكرى السادسة لمقتل مقدمة برنامج laquo;كرايم ووتشraquo; (الذي يهتم بملاحقة الجريمة، والتعرف على مرتكبيها. ويتم بالتعاون مع الشرطة والجمهور، وقد تمكن من كشف العديد منها). اطلقت النار على جيل في الحادية عشرة والنصف صباح ذلك اليوم أمام باب منزلها في ضاحية فولهام غرب لندن. وتخلل تلك المسافة الزمنية عشرات حوادث القتل. وبقي السؤال الأهم معلقا: من سلح توني مارتن؟ ومن سلح الآخرين؟ بل كيف ولماذا ارتفع عدد الأسلحة الفردية laquo;غير الشرعيةraquo;، في بريطانيا، الى مليون قطعة حسب احصاءات رسمية؟
من هنا تطرح التساؤلات عن سبب تصاعد انتشار الأسلحة غير المشروعة خصوصا في الغرب، الذي تعتبر الأسلحة الفردية في بعض دوله، مثل الولايات المتحدة بالدرجة الأولى، من المقتنيات الأساسية، بينما تنتشر نوادي التدريب على الأسلحة النارية على نطاق واسع، وتتمتع بشرعية كاملة. وينطبق الأمر، بدرجات متفاوتة، على كل من كندا، واستراليا، وجنوب أفريقا والعديد من البلدان الصناعية بالذات. والمحصلة ـ التي لا يمكن اعتبارها نهائية، على اية حال، بسبب الارتفاع المتواصل في معدلات الجريمة ـ تقول إن أكثر من 200 ألف شخص يقتلون سنويا في مناطق مختلفة من العالم، في عمليات إطلاق نار بين مدنيين لا دخل للحروب فيها. يكفي ان نعلم ان ثمانين اميركيا يموتون يوميا في أحداث عنف مسلح، حتى ندرك حجم الكارثة. ونستشعرها اكثر، حين نعلم ان طفلا اميركيا يقتل كل ثلاث ساعات، ثمانية أطفال في اليوم، وأكثر من خمسين اسبوعيا.

وطبقا لإحصائية نشرت قبل سنوات قليلة، سقط نتيجة أعمال عنف مسلح في الولايات المتحدة خلال عام واحد 5258 طفلا. بينما لم يسقط طفل واحد ضحية العنف في اليابان، في حين قتل 19 في بريطانيا، أما في المانيا فقتل 57 طفلا، وفي فرنسا 109 أطفال و153 في كندا.

وبدأ وباء انتشار الأسلحة خلال السنوات الاخيرة، مع تزايد نشاط مصانع الأسلحة والرصاص، الذي انتج منه كميات تكفي لقتل كل شخص على وجه الأرض مرتين. هذا ما قالته وثيقة صدرت اخيرا، عن مجموعة laquo;الشبكة الدولية للأسلحة الخفيفةraquo;.

وطبقا للوثيقة، أنتج العالم من الأسلحة الفردية، ما يكفي لتسليح عشر سكانه. ويذهب اكثر من نصف تلك الأسلحة الى افراد، ولا يدخل في هذا الإطار ما هو متوفر لدى الجيوش. ولأسباب عديدة، يموت يوميا ألف شخص بتلك الأسلحة، بينما يتم، حاليا، انتاج ما يتراوح بين 10 و14 مليار طلقة سنويا، حسبما جاء في الوثيقة عينها.

ويأتي نشر هذه الأرقام قبيل عقد الأمم المتحدة مؤتمرا من 26 يونيو (حزيران) الحالي الى 7 يوليو (تموز) المقبل بهدف التوصل الى اتفاقية دولية حول الأسلحة الفردية على نطاق العالم. وتجدر الإشارة هنا، الى ان 1.8 مليون شخص قتلوا منذ عقدت الامم المتحدة مؤتمرا للبحث في هذا الموضوع قبل خمس سنوات. وتسعى الأمم المتحدة الى ايجاد مستويات وآليات دولية لتنظيم نقل الأسلحة laquo;اذا رغبنا في الحد من هذا الوباءraquo;. وتريد مجموعة laquo;الشبكة الدولية للأسلحة الخفيفةraquo; من الأمم المتحدة فرض شروط على الدول التي تتلقي مساعدات، وتجبرها على اتخاذ خطوات لمنع العنف المسلح، لا سيما اذا كانت الأسلحة المستوردة تستخدم في اثارة النزاعات الداخلية. وتأمل المجموعة في ان تؤدي الوثيقة الى الضغط على حكومات العالم، لإعادة النظر في الأسلحة الخفيفة. وتشير المجموعة الى وجود 640 مليون قطعة سلاح في العالم. وتصنع 8 ملايين قطعة جديدة سنويا. ومعظم تلك الكمية، أي ما يقرب من 59 في المائة، موجود لدى مدنيين، وهو ما يزيد على كميات الأسلحة التي تحتفظ بها الجيوش النظامية والتي تصل الي 38 في المائة.

صحوة قديمة بدأت laquo;الصحوة الدوليةraquo;، منذ نهايات القرن الماضي، وأطلقت شرارتها مجموعة من الوقائع التراجيدية التي خلفت مذابح فظيعة. ففي كندا قتلت 14 شابة في مدرسة البوليتيكنيك، في 6 ديسمبر (كانون الأول) 1989. وفي بريطانيا قتل في حادثة واحدة 16 طفلا ومدرسة في قاعة نومهم في دنبلين باسكوتلندا قبل عدة سنوات. وفي استراليا، اعتبر مقتل 35 شخصا في ميناء آرثر في تسمانيا في مايو (ايار) 1996، نقطة تحول في معدلات الجريمة في البلاد، وربما على مستوى عالمي، بلغ حدا مخيفا ايضا، حين اقدم طالب الماني مطرود من مدرسته، في مدينة ايرفورت، بتاريخ 25 ابريل (نيسان) 2002، على فتح النار على زملائه فقتل 14 مدرسا وطالبتين وشرطية، كانت أول من وصل الى مسرح الجريمة، وانتحر، لتبلغ الحصيلة 18 مواطن.

وعلى الرغم من أن أحداثا مأساوية كهذه، كان من الممكن ان تشد انتباه الرأي العام والأطر السياسية، فان هذا لم يحدث laquo;من دون تعزيز فعلي للحركات الاجتماعية المناهضة للتلسح الفردي، في اتجاه مواجهة الموقف، في غياب أساس منطقي وأناس قادرين على اتخاذ مواقف جريئةraquo;.

وتضيف ويندي كوكيار، في مقال لها في (جورنال اوف ببليك هيلث بوليسي)، والتي تعتقد ان تقدما ما حصل في مواجهة الجريمة المسلحة، قائلة: laquo;لقد بدأنا نرى أدلة حقيقية، في كل من جنوب أفريقيا والبرازيل وبريطانيا واستراليا، على قيام تحالف طارئ لمجموعات عمل محلية. وقد ضم التحالف في كندا مثلا، 350 مجموعة، ضمت شخصيات مهمة: رئيس شرطة، محافظ، المجلس الكنسي للعدالة والتصويب، والمؤتمر اليهودي ومنظمات الضحايا.

لقد تحول الموضوع برمته الى جدل عام انتشر في كل مكان. لكن البداية جاءت من نقاط مختلفة: فقد سنت معظم الدول الصناعية قوانين تطالب محلات بيع الأسلحة النارية بالحصول على تصريح وتسجيل ما لديهم من بنادق. والبعض اخذ يمنع، أو يراقب بدقة الأسلحة الفردية. بعض البلدان تسمح للمدنيين فيها باقتناء أسلحة عسكرية. وبالرغم من الاختلافات، فقد تحقق توازن ما بين نجاح التحركات لتعزيز القانون ضد التسلح الفردي في كندا وبريطانيا واستراليا والبرازيل وجنوب أفريقيا، وبين ما أوردته التقارير حول معدلات الجريمة.

اليوم، يفتح ملف مقتل الصبي كيان برنس طعنا بسكين، ملف انتشار هذا النوع من الأسلحة بأيدي طلاب المدارس في بريطانيا. وتشن السلطات، حاليا، حملة واسعة لجمع السكاكين القاتلة، حيث تقول مصادر الشرطة إن مواطنا يقتل كل أسبوع طعنا بسكين. وقد أعطت الشرطة مهلة خمسة أسابيع لتسليم هذه الأدوات القاتلة، التي عثر منها على 1600 قطعة في مدرسة واحدة فقط، عرضت على شاشات التلفزيون ووسائل الإعلام البريطانية. وتقول المعلومات إن 29 في المائة من تلاميذ المدارس، ما بين 15 و16 سنة، يحملون سكاكين قاتلة في حقائبهم، وإن 28 في المائة من الجرائم التي تقع في بريطانيا، تستخدم فيها سكاكين.