الإثنين: 2006.07.03

عائشة المري

ترددت أصداء الانتخابات التشريعية الكويتية الحادية عشرة منذ حظيت الكويت بأول مجلس تشريعي منتخب عام 1963 في شتى دول الخليج. وأضفت مشاركة المرأة بالانتخاب والترشح لأول مرة في عمر التجربة الديمقراطية الكويتية نكهة خاصة، فكانت انتخابات مختلفة رغم أن النتائج أظهرت عدم حصول أي من المرشحات الثماني والعشرين اللواتي تقدمن لخوض الانتخابات على مقعد من مقاعد مجلس الأمة الخمسين، إلا أنها ليست بالخسارة بالنسبة لأول انتخابات تخوضها المرأة. وحقيقة لقد أظهرت التغطيات الإعلامية للانتخابات الكويتية أن إقبال النساء على التصويت فاق في بعض اللجان الانتخابية إقبال الرجال. وقد كان للحضور الكمي للمرأة في هذه الانتخابات انعكاساته الواضحة على البرامج الانتخابية للمرشحين فمن بين قرابة 340 ألف ناخب ممن يحق لهم التصويت توجد حوالى 185 ألف امرأة أي ما يعادل 57% من مجموع الناخبين، مع ملاحظة استبعاد العسكريين أو رجال الشرطة في عمليات الترشيح أو الانتخاب. في دولة الإمارات العربية المتحدة تعنينا قراءة الانتخابات الكويتية في سياقها المجتمعي وفي سياقها التاريخي كتجربة ديمقراطية تستحق الإشادة، تجربة حملت صورة لمشهد سياسي جديد آخذ بالتشكل في الحياة السياسية الخليجية.
لقد أثبتت المرأة الكويتية تواجدها كمواطنة ولعبت دوراً مؤثراً في نتائج انتخابات الخميس الماضي، فالوعي السياسي المتراكم من طول مطالبة المرأة الكويتية بحقها في quot;الانتخابquot; وquot;الترشحquot; والحوارات التي تراكمت لسنوات حول حقوق المرأة السياسية وذلك من ناحيتين، فقد ساهم في نجاح المرشحات في إدارة حملاتهن الانتخابية رغم أن عنصر المفاجأة في حل مجلس الأمة على خلفية مواجهة بين المجلس والحكومة حول مشروع قانون لتقليص عدد الدوائر الانتخابية الـ25 إلى 5 أو إلى دائرة انتخابية واحدة، فلم تكن المفاجأه في صالح المرشحات لضيق الوقت المتاح لهن لخوض تجربتهن الأولى. فالنساء الكويتيات مارسن حقاً حرمن منه طيلة عمر التجربة الديمقراطية في الكويت، هذا من ناحية الحق في الترشح. ومن ناحية الحق في الانتخاب فقد انعكست هذه الحقيقة على البرامج الانتخابية وظهرت الميكيافيلية السياسية في التسابق على أصوات الناخبات، واللافت أن الأصوات الإسلامية والقبلية التي عارضت وبشدة دخول المرأة الحياة السياسية وحصولها على حقوقها السياسية ترشيحاً وانتخاباً أصبحت الأولى في السعي لكسب الأصوات النسائية، رغم أن المرأة كما يحلو للبعض القول قد منحت صوتها للرجل لا للمرأة، فهذا يعكس أموراً عدة برزت في نتائج الانتخابات يمكن الإشارة إلى أبرزها وهما قوة تنظيم التيارات الإسلامية، وحقيقة أن الروابط القبلية لازالت تحاصر التجربة الديمقراطية الكويتية، فالصوت النسائي صب في اتجاه التيارات الإسلامية والقبلية.
في دولة الإمارات العربية المتحدة تعنينا التجربة الكويتية والتجارب الخليجية الأخرى، فنحن على أبواب تجربة سياسية جديدة ستشهدها دولة الإمارات كان قد أعلن عنها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، في خطابه بمناسبة العيد الوطني الرابع والثلاثين لدولة الإمارات بتبني الدولة لأسلوب جديد يمزج الانتخاب بالتعيين في اختيار أعضاء المجلس الوطني، وذلك بانتخابات لنصف أعضاء المجلس الوطني، ستشهد معها الإمارات انطلاق تجربة جديدة كلياً على المجتمع ستؤسس لمراحل سياسية قادمة في التجربة الإماراتية. ما يعنينا في التجربة الكويتية في هذا المقام هو قراءتنا لنتائج الانتخابات الكويتية، حضور المرأة الناخبة والمرشحة، فمع الإقرار بإثراء التجربة الكويتية إلا أن نتائج الانتخابات لا تعكس خصوصية الكويت، ولكنها سيناريو متوقع في دول الخليج الأخرى حال تكرار التجربة الكويتية ومن قبلها التجربة البحرينية.
المجالس التشريعية الخليجية لن تخرج من جلباب الرجل لتدخل في عباءة المرأة فالاحتكار الذكوري لمفردات السياسة في الكويت على سبيل المثال أقصى المرأة في أولى تجاربها، وإحداث نقلة نوعية في المجتمعات الخليجية يتطلب دفعة حكومية لرسم الأدوار السياسية. إن ما ندعمه في مقامنا هذا إعادة التأكيد على quot;الكوتةquot; النسائية بتخصيص الحكومة لمقاعد نسائية في المجالس التشريعية تتنافس عليها النساء أو أن تتم تسمية وجوه نسائية في حال مزج الانتخاب بالتعيين. التحيز الإيجابي للمرأة مطلوب في المجتمعات الخليجية وممارسة العمل السياسي تتطلب التواجد في المعترك السياسي. ووجود الوجوه النسائية في المجلس التشريعي سيعزز من دور المرأة في الحياة التشريعية وسيتخطى سنوات من التغييب والغياب عن سن القوانين وممارسة العمل السياسي.
إن السمات الخاصة للتجربة الإماراتية تتطلب معالجة مختلفة لموضوع إشراك المرأة في الحياة السياسية، فلم تكن المرأة في الإمارات يوماً تهمة تلصق في وجه الدولة، ولم يشهد مجتمع الإمارات حالات استقطاب شديدة بين فئات المجتمع كان موضوعها quot;حجابquot; المرأة أو quot;تحررهاquot; أو غيرها من لافتات رفعت هنا وهناك، فحقيقة لم تواجه المرأة في الإمارات صعوبات في دخولها الحياة العامة ولم تكن يوماً موضوعاً للمزايدة الإعلامية فكانت التغييرات في مجتمع الإمارات عبر سنوات التجربة الاتحادية قد انعكست إيجابياً على تمكين المرأة وصاحبت تبوؤ المرأة لمراكز قيادية سلاسة فريدة. هذه الخصوصية هي ما يجعلنا نؤكد على نظام تخصيص المقاعد النسائية في المجالس التشريعية ومن quot;كوتةquot; صغيرة ستنطلق المرأة إلى أن تصل إلى تمثيل سياسي يتكافأ مع حقيقة حجمها ودورها وإمكاناتها، فليس كافياً إعطاء المرأة فرصة الترشح فالمعوقات أكبر من أن تتخطاها المرأة، ونظام تخصيص المقاعد وسيلة لتحقيق تكافؤ النتائج لا تكافؤ الفرص فقط بين الرجل والمرأة، والتجارب الخليجية أثبتت أن النتائج تصب في النهاية لمصلحة الرجل.
الاستفادة من التجارب الانتخابية الخليجية ضرورة ونحن نتلمس خطواتنا الأولى والمجتمعات الخليجية لا تستطيع أن تحل إشكاليات المرأة وتلغي التمييز ضدها فإسقاط الحواجز القانونية لا يكفي في ظل معوقات مجتمعية واقعية مرئية وغير مرئية، معوقات مركبة وذات أبعاد اجتماعية واقتصادية وثقافية، والقفز على هذه الحقائق يتطلب قراراً سياسياً نرجوه من قيادتنا الحكيمة في دولة الإمارات. فدعم المشاركة السياسية للمرأة الإماراتية سيؤسس لمرحلة سياسية جديدة تتسم بنقلة نوعية إيجابية.