الإثنين: 2006.08.28

سردار عبدالله

المفارقة صفة ملازمة للسياسة، والغريب انها تفرز امورا ومواقف تدعو في اغلب الاحيان الى الضحك، وفي بعضها الى الاندهاش من قدرة السياسيين، على الانقلاب على مواقفهم ورؤاهم السياسية عندما تتطلب المصلحة السياسية ذلك، وقد يتفهم المرء هذه الجزئية في كثير من الاحيان، لكن المسألة غير قابلة للتعميم بالمرة. بعض الاحيان تبرز بين الخصوم مايشبه عملية تبادل ادوار واضحة فترى كلا منهم اخذ يلعب الدور الذي نادى به الآخر، وهنا تبرز مشكلة اخرى، وهي ان هذه العملية، سوف تكبل على الاكثر الجانب المعارض، خصوصا في الدول والمجتمعات المتقدمة.
ماجعلني انبش في هذا الموضوع، هو حصول مفارقة عجيبة في السياسة الخارجية الامريكية، وفي مسألة التدخل في العالم تحديدا، وكما سوف نرى ان الحزب الديمقراطي يعاني عجزا كبيرا في استغلال المعارضة الموجودة داخل امريكا في احراج ادارة الرئيس بوش، بسبب الحجم الكبير والغير مسبوق لتدخلات امريكا. صحيح ان التدخل لتحرير الكويت 1991، جاء في عهد بوش الاول وهو جمهوري، لكن يجب ان لاننسى بأن المسألة جاءت نتيجة ازمة شديدة الخطورة، كان من المستحيل على امريكا وحلفائها اتخاذ موقف المتفرج، والدليل على ذلك، هو اكتفاء القوات الحليفة بتحرير اراضي الكويت، وعدم اكمال المهمة باتجاه بغداد. الغريب ان بوش المنتصر في الحرب قد سقط في الانتخابات وجاء الديمقراطي بل كلنتون، وهنا حدثت تدخلات خارجية هائلة، اخذت طابع التدخل لاسباب انسانية، وفتح الباب واسعا امام نقاشات سياسية وقانونية على مستوى العالم. وللامانة يجب ان نسجل بأن اكثر المرات التي تدخلت فيها امريكا بدأ هذا التدخل قابلا للتفهم، لابل ومطلوبا ايضا، ويمكن استثناء الحالة الصومالية التي لم يستطع الانسحاب الامريكي السريع منها، من الحيلولة دون وقوعها في وحل الكارثة التي دفع ضريبتها الثقيلة الشعب الصومالي المغلوب على امره، ويواجه العالم اليوم مشكلة دفع (المستحقات الضريبية) التي تهرب من دفعها آنذاك.
الغريب ان المرشح الديمقراطي quot;ال غورquot;، دعا في حملته الانتخابية سنة 2000، بكل صراحة ووضوح الى زيادة حجم التدخل الامريكي في مختلف ارجاء العالم لاسباب انسانية، في المقابل ظل بوش الجمهوري مصرا على ان الانكفاء على الداخل، والتدخل في الحالات الضرورية التي يتعرض فيها الامن القومي الامريكي لأخطار خارجية. الآن وبعد هذه السنوات نجد ان اكبر تدخل حصل في عهدي بوش، بينما نجد الديمقراطيين يعملون على الكسب، بالمزايدة على خطأ هذه السياسة... فيالغرابتها، من ذا الذي قال السياسة بحر عميق؟


[email protected]