عبد الرحمن الراشد
لو كان لأحد الحق ان يحمل حقائبه في العراق وينفصل لكان الأكراد أولى من غيرهم بذلك. فهم ليسوا عربا، ولم يكونوا عراقيين إلا في الزمن الحديث، وفيه لوحقوا وخنقوا بالغازات السامة، أيضا جربوا الانفصال الاداري بنجاح 12 عاما بعد حرب تحرير الكويت. مع هذا لا اتصور ان خيار الانفصال أمر وارد في عقل السياسيين العراقيين الاكراد خاصة انهم من شارك في صناعة العراق الجديد ويشاركون في حكمه من بغداد.
وقبل الدخول في جدل إنزال علم عراقي ورفع كردي، والخلاف الذي دب بين الاكراد وبقية العراقيين، ينبغي ان ننظر أولا الى الممارسات الكردية في الشمال العراقي قبل الحكم على ما يقال. فقد اصبح الشمال العراقي، اي اقليم كردستان، ملجأ للكثير من نخبة العراقيين الهاربين من جهنّم الوضع في بغداد، وبقية المدن العراقية، التي تعاني من التفجيرات والاغتيالات والخوف اضافة الى الاقتصاد المحطم. فقد استقبل الاكراد اكثر من ثلاثين الف عربي عراقي خلال الفترة القصيرة الماضية، واصبحت أربيل والسليمانية مناطق الحركة العراقية الفعلية لا بغداد التي عطلها الارهاب والتناحر الطائفي والمتاريس الأمنية الاميركية.
نعم اقليم كردستان، كما قال حاكمه مسعود برزاني، عمليا أكثر عراقية من الرمادي السنية العربية والبصرة الشيعية العربية بحكم كونه الملجأ الآمن للعراقيين من كل الفئات، والأكثر نشاطا في الشأن العراقي، والنموذج العراقي الوحيد الناجح.
ويذكرني النزاع العراقي حول العَلم بالجدل الذي يثيره العَلم الكونفدرالي في اميركا كونه يرمز الى انفصال الجنوب، ولا يزال يرفع حتى اليوم رغم عدم شرعيته. الجدل حوله مستمر الى اليوم منذ مائتين وخمسين عاما لكن المهم هو العلم المعتمد والماثل للعيان، اي علم الولايات المتحدة. مر اكثر من قرنين ولم يحل دون ظهور خمسمائة جماعة اميركية تحتفي بعلم الانفصال وكل ما كان يرمز اليه.
على العراقيين ان يدركوا ان الانفصال سهلٌ لكن الثمن باهظ جدا حيث سيجعل من كل اقليم دويلة صغيرة، في عالم يفاخر بالاندماجات والتوسع والنفوذ. فالذي أخمد فتنة الانفصال الباسكية في اسبانيا وكذلك اطفأ حركة الجيش الجمهوري الآيرلندي الانفصالية عن بريطانيا ليس القوة المركزية العسكرية بل هو تحولات العولمة فكراً وعملاً. اصبح الانتماء الى اوروبا عبر بريطانيا أهم للآيرلنديين من الانكفاء والعيش في زاوية آيرلندية مستقلة. والحال مشابهة للأكراد، والعرب شيعةً وسنّة، فمن صالحهم المحافظة على بلد كبير يتمتع بمزايا لا يمكن ان يحصل عليها اي اقليم مهما كبر. نعم العراق اليوم في حال جريحة، وهي مرحلة سيتجاوزها العراقيون، وسيعود بلدهم كبيرا وغنيا ومزدهرا بدولة ونظام مركزي مؤثر. لقد صبر الاكراد على ظلم أنظمة بغداد الجائرة أكثر من عقدين من الزمن، فلِمَ لا يصبرون على ما تبقى حتى تنجلي الغمة ويكون فيها القرار أكثر حكمة، بالبقاء أو الطلاق؟
التعليقات