أوليفييه روي
يمكن القول إن العالم أكثر أمنا ولكن ليس بسبب الحرب ضد الارهاب. الحرب العالمية على الارهاب استندت الى تقييم خاطئ يقول اننا نجد جذور الارهاب في الشرق الوسط، وان العراق هو البلد الأكثر اثارة للقلق والمشاكل، وبالتالي فانه لا بد ان تكون هناك laquo;اعادة صياغةraquo; للشرق الأوسط، بمعنى استبدال الأنظمة القائمة بأنظمة ديمقراطية. وكان لهذه الأولوية ان تطيح بصدام حسين، من أجل اقامة نظام ديمقراطي مستقر مؤيد للغرب في العراق، يمكن ان يؤدي وجوده الى احداث موجة من عمليات الدمقرطة التي يمكن ان تغير او تزعزع الأنظمة الاستبدادية، بدون الحاجة الى جلب مزيد من القوات الأميركية الى المنطقة. ولكن هذه الخطة لم تفعل فعلها وكانت لها نتائج جانبية سلبية. والنتيجة الأولى انه تم تحويل القوات والأموال من أفغانستان التي كانت (وربما ما تزال) القضية الفعلية.
الخطأ الثاني كان، ببساطة، استخدام الحرب ليس كمجاز وإنما كاستراتيجية واقعية: ارسال القوات لاحتلال البلدان، وقد فشل ذلك. فأسامة بن لادن ما يزال بخير وحيا في باكستان. ولم يعتقل كبار قادة الارهاب او يقتلوا في عمليات عسكرية، (كلهم اعتقلوا اما عبر العمل الاستخباراتي او عمل الشرطة الكلاسيكي). والسبب بسيط: القاعدة ليست منظمة ليست محددة بأرض أو بلد ولا تعتمد على دعم دولة.
وقد ادت الحرب على الارهاب بمعظم الجيوش الغربية الى الانشغال في نزاعات محلية، حيث القضايا المحلية أكثر اهمية من الارهاب العالمي (الحروب الأهلية والنزاعات القومية وعلى الأراضي ...الخ). وقد اتسعت الجيوش الغربية وهي عاجزة بدون أوامر عن معالجة التهديدات والتحديات الجديدة البعيدة المدى.
وعلى النقيض من ذلك زادت الحرب على الارهاب من التوترات في الشرق الأوسط، وعززت مواقع التطرف الديني والنزعة القومية العربية، وحفزت على أن تكون ايران البلد الرئيسي في المنطقة، عبر سحق اعدائها (صدام حسين وطالبان)، وجلب حلفائها الشيعة الى الحكم في العراق.
وفشلت عملية الدمقرطة فشلا ذريعا لسبب بسيط واحد، فقد تجاهلت حقيقة انها ليست عملية مجردة تبنى اعتمادا على نظام سياسي laquo;جيفرسونيraquo;، وانما يجب ان تكون متجذرة في العنصرين اللذين يمكن ان يمنحا الشرعية السياسية للعملية كلها: القومية والإسلام. وليس مما يثير الدهشة أن عملية الدمقرطة وضعت الأحزاب الاسلامية في موقع اقرب الى السلطة، بدون ان تعزز وضع القوى العلمانية التي تبدو، على اية حال، اكثر قومية في نهاية المطاف، بدل ان تكون ذات تفكير ديمقراطي.
وعواقب مثل هذه الأخطاء هو الخطاب المتناقض لإدارة بوش. فهي لم تساوم قيد أنملة بشأن الحرب على الارهاب، ومن هنا ترفض اشراك القوى السياسية الاقليمية التي توصف بانها laquo;ارهابيةraquo; (حماس وحزب الله بل وحتى النظام الايراني)، بينما هي مع ذلك، غير مستعدة للتفكير بأية زيادة حقيقية في الضغط العسكري عليهم. ووقف الجيش الاسرائيلي عاجزا عن نزع سلاح حزب الله، وستكون قوات الأمم المتحدة عاجزة وغير مستعدة للقيام بذلك، بينما تزايدت الحرب الأهلية في العراق، في وقت تبقى يد ايران طليقة في المنطقة. وليست هناك محاولة حقيقية من جانب واشنطن لاستخلاص استنتاجات سياسية، وإشراك قوى محلية ذات اجندة سياسية واضحة. ان مزيج الغطرسة والعجز يؤدي الى تنبؤ ضيق النظرة: النزاعات ذات الجذور المحددة (فلسطين، لبنان، العراق) التي يمكن ويجب التعامل معها بصورة مستقلة ، توضع الان سوية في خانة laquo;الجهاد العالميraquo;. وهذا يقدم خدمة مباشرة للزعماء الايرانيين ولأسامة بن لان الذين يريدون، على وجه التحديد، ربط كل النزاعات القائمة سوية، من اجل تعبئة الأمة العالمية في قضية عالمية.
ولكن العالم أكثر امنا على الرغم من الحرب على الارهاب. الحرب الفعلية على الارهاب تفعل فعلها: الحرب التي لا يمارسها الجيش، ولا الطائرات المقاتلة، ولا الخطابات الرنانة، وانما التعبئة المستمرة لخبراء الشرطة والوكالات الاستخباراتية والجهات القضائية في البحث عن الشبكات والخلايا الحقيقية، التي يوجد معظمها في الغرب، والتي تحاول ان تروج نموذج القاعدة. وقد تم إحباط الكثير من الخطط في الغرب عبر عمل الشرطة والتعاون الدولي.
والمسألة الأخيرة هي كيفية منع الشباب المسلمين الغاضبين من الوصول الى أقرانهم الآخرين في الدين؟ يكمن الجواب، على وجه التحديد، بمعالجة مستقلة للقضايا المختلفة: النزاع الاسرائيلي الفلسطيني، ودمقرطة الشرق الأوسط ومعالجة قضية الإسلام في الغرب.
*أحد أكبر خبراء الغرب في التطرف الإسلامي، خدمة laquo;غلوبال فيو بوينتraquo;
التعليقات