علي سعد الموسى


في الافتتاح الرسمي لمؤتمر باريس لحوار الثقافات والشعوب ألقت السيدة سوزان مبارك كلمة الجانب العربي واستهلتها بالتأمين على ما قاله الرئيس جاك شيراك في الكلمة السابقة من أن أبناء الحضارات يجب أن يركزوا في الفترة الحالية على جوانب الاتفاق في القضايا الملحة فيما بينهم وأن يدعوا جوانب الاختلاف جانباً من أجل ردم الهوة العميقة بين شعوب حوض المتوسط.

حسناً، ما هي أبرز جوانب الاتفاق بين الطرفين؟ أبرز جوانب الاتفاق بينهما فيما أرى ليست بأكثر من سوء الفهم، كل منهما للآخر. يؤسفني أن ما سمعته في الحوارات الرسمية للمؤتمر يدل على عمق التنميط الذي يحمله كل طرف تجاه الطرف الآخر. في الندوة الخاصة بالأديان والقيم المشتركة استمعت إلى مداخلة أستاذة من جامعة السوربون تتحدث بغباء مفرط عن زيجات النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم وتتناول في المقابل نظرة خاطئة عن رؤية المسلمين للمسيح عليه السلام وكنت سأقبل بهذا التسطح الفكري لولا أنه من أستاذة أديان في جامعة عالمية مرموقة.

كنت أظن أن مثل هذه النخب تمتلك حتى الحد الأدنى من فهم القيم الأساسية لمعتقدات الشعوب، لولا أن المؤتمر نفسه قاطعته نشرة الأخبار التي تكلم فيها البابا مساء البارحة في جامعة ألمانية بأول لغة - بابوية - بالغة الغباء عن الإسلام وأدركت أن مهمتنا أعقد بكثير من حوار مع العوام بالقدر الذي يجب أن يتوجه لقيادات الرأي العام. في الندوة الخاصة بالإعلام، تحدث مراسل صحيفة إسرائيلية في باريس عن ديموقراطية الكيان الصهيوني في التعامل مع وسائل الإعلام العربية خلال تغطية الحرب السادسة الأخيرة.

خلال ندوة لم تتجاوز ساعتين أعطي هذا المراسل الفرصة للحديث سبع مرات وهنا قاطعت بشدة ودخلت في جدل عميق مع رئيس الندوة لأن الصوت العربي أعطي الفرصة مرة واحدة ليعرض وجهة نظر عشرين دولة ممثلة في هذا المؤتمر. حجم مداخلة العدو الإسرائيلي يمثل بالضبط حجم التأثير الصهيوني على الرأي العام في الغرب لأن صوتنا لا يصل حتى ربع مساحة الصوت المقابل. الحق أن أوروبا بقيادة فرنسا تشعر بأنها معنا تدخل أزمة فهم حقيقية، والحق أيضاً أن كلمة الرئيس الفرنسي كانت تمثل مستعرباً عقلانياً يريد أن يدخل مساحة الحوار ويود أن يقود مسيرة التفاهم ومن العقل، في المقابل، أن نمد أيدينا لهذا الصوت البديل في عصر سيطرة الصوت الأمريكي.