الأربعاء: 2006.09.20
د. حسن مدن
في أوروبا، ولنقل في فرنسا أو ألمانيا مثلاً، وفي آسيا، ولنقل في اليابان والصين وحتى في الهند القريبة منا، وفي أمريكا الجنوبية، ولنقل في المكسيك مثلاً، وفي غيرها من أصقاع الأرض، كيف ينظر الناس إلينا، نحن شعوب الخليج والجزيرة العربية؟
لو أن مراسلا لمحطة تلفزة خليجية أو عربية أو أجنبية، نصب كاميرته في زاوية بأحد الشوارع في باريس أو برلين أو طوكيو أو حتى في نيودلهي القريبة، وتعمد اقتناص المارة من الجنسين ومن مختلف الأعمار بميكرفونه ليباغتهم بالتالي: قولوا في كلمة واحدة أو كلمتين ما الذي تعنيه منطقة الخليج بالنسبة لكم، أو في صياغة أخرى للسؤال: ما الذي يخطر في ذهنكم حين تسمعون أو تقرأون كلمة الخليج؟
أكاد أجزم أن أغلبية الاجابات ستكون كالتالي: النفط، الثراء الكبير. ويمكن للبعض أن يضيف، انسجاما مع خطاب الإعلام، كلمة الإرهاب. ومرد هذا الجزم هو معرفتنا بالصورة النمطية التي تكرست في أذهان الآخرين عنا، إلى الدرجة التي تجعل هؤلاء لا يرون فينا سوى هذه الأمور الثلاثة: النفط والمال الوفير وأخيرا الإرهاب.
أسباب هذه الصورة النمطية عنا عديدة ومتشابكة. لن ننفي، ولا يجوز أن ننفي، إن هناك من يتعمد تصدير وتكريس هذه الصورة في أذهان الرأي العام في العالم عنا، وهناك ماكينة إعلامية ودعائية نشطة تبرع في ذلك، ويتخطى نطاق تأثيرها التلفزيون والصحافة، ليخترق وسيلة تأثير جماهيرية كبرى مثل السينما.
ليس هذا ما نود أن نتوقف أمامه الآن، بل دورنا نحن في تكريس هذه الصورة البائسة عن أنفسنا لدى الآخرين، وبدرجة أساسية فإننا نود التساؤل عن حجم ونوع الجهد الذي نبذله في تبديد هذه الصورة.
كم تنفق الحكومات في بلداننا من جهود ومن أموال في سبيل تنظيم أسابيع ثقافية وسياحية عن دولنا في كبريات العواصم والمدن العالمية، تقدم الوجه الآخر لهذا الخليج، بموروثاته وفنونه الشعبية من إيقاعات ورقصات وموسيقا وأغان؟ وكم من الجهد والمال يبذل في سبيل تنظيم معارض فنون تشكيلية وتعبيرية تقدم فناني هذه المنطقة للعالم، للبرهنة على الشوط الكبير الذي قطعته حركتنا؟ وكم من الجهد والمال ينفق في ترجمة الأشعار والروايات العائدة لمبدعين من أبناء بنات المنطقة إلى اللغات الكبرى في العالم مثل الانجليزية والفرنسية والاسبانية والروسية والصينية وسواها، لنقول للعالم ان في هذه المنطقة تاريخاً وثقافة وإبداعاً، وان هذا الخليج ليس نفطا فقط، اذا ما استعرنا عنوان الكتاب المعروف للدكتور محمد الرميحي؟
ان هذا يطرح على بساط البحث العلاقة التي يجب أن تنشأ بين مؤسساتنا المعنية بالشأن الثقافي، رسمية كانت أو أهلية، مع نظيراتها من وزارات للثقافة أو مؤسسات التعاون الثقافي في البلدان الأجنبية.
وإشارتنا إلى الميدان الثقافي بالذات مقصودة، لأن الثقافة هي الأجدر في مجال مد جسور التفاهم والتعاون والحوار بين الشعوب. إنها تقدم الوجه الإنساني الأصيل لكل شعب وأمة، ومكوناته الروحية والحضارية.
ونحن بالذات أحوج ما نكون لإبراز هذا الوجه للعالم عنا، سعيا لتكريس النظرة النمطية السلبية عن هذه المنطقة، التي لا تبدو للرائي البعيد أكثر من صحراء قاحلة قاسية وبراميل النفط، ليس أكثر.
التعليقات