عبد الرحمن الراشد


انظروا حولكم الى الفوضى التي تغمر العالم أصبح صاخبا بسجالات ومعارك دينية. البابا يستشهد بكلام فارسي منذ خمسمائة عام ضد الاسلام، والشيخ يوسف القرضاوي يعتبر الشيعة خطرا، والسيد حسن نصر الله يعلن ان نصره إلهي في حربه على العدو، والعراق يؤذن فيه الى الصلاة كل يوم وتسفك فيه الدماء بجوار المساجد وأسواق الخضرة والمدارس، والقاعدة منذ سنوات وهي تتلو بيانات معاركها ودعواتها للاسلام.

لم تتغير المنطقة كثيرا وإن تغيرت الاسماء والصور والشعارات. لقد رحل أتباع ماركس ولينين وصمت أحفاد آدم سميث. غاب عبد الناصر وقحطان الشعبي ووديع حداد وجورج حبش، خالط بعدها دخان البخور بالبارود، وتواجهت العظات الدينية بالدينية، مسيحية باسلامية، وسنية بشيعية، وسلفية بجهادية.

الشيخ يوسف القرضاوي يحذر من تغلغل الشيعة، وبابا الفاتيكان الجديد لا يرى في الاسلام الا السيف، وسادة الشيعة يردون على القرضاوي، والقرضاوي يدعو لمظاهرات حاشدة يوم الجمعة ضد الحبر الاعظم رافضا اعتذاره، فيتحداه سيد حزب الله معلنا عن مظاهرة النصر الالهي في نفس الجمعة ضد الأكثرية وحكومة السنيورة. لم يستجب لدعوة القرضاوي إلا بضعة افراد فقط في العاصمة الاردنية عقب صلاة الجمعة بينما بقيت الاكثرية تتفرج على مظاهرة لبنان. في وقت استمرت فيه السجالات المحلية هناك بين المطارنة والسادة.

كيف تنتقل الحالة من مكان الى آخر؟

تنتقل بالمعاشرة، هذا ما حدث للاميركيين في افغانستان الذين امضوا سنوات في رفقة لما سيعرف لاحقا باسم القاعدة، الابن العاق. اصابت سهامهم نيويورك. ولحقت بالروس ثانية في اواسط آسيا والجمهوريات السوفياتية المنهارة. وعادت الى الشرق الاوسط، الى نفس الاضرحة والبيوت الدينية التي ربتها معتقدة انها سلاحها الوفي. دارت الدوائر نفسها في السودان التي لعب فيها الشيخ حسن الترابي دور المأذون مع العسكر ليوصلهم للحكم ليطبقوا ضده فيما بعد قانون بيت الطاعة حيث لا يزال.

والحال تتكرر في بغداد. المعارك تدور بين الصدريين والسنة المتطرفين الذين كانوا حلفاء قبل اشهر ضد الحكومة والاميركيين، وصارت المساجد والحسينيات مصائد القتل على الهوية.

بعد هذا كله الى اين نحن متجهون؟ هناك طاقة كبيرة مخزونة من الخلاف المتراكم والقليل من القادة العقلاء اهل البصيرة، ولا احد يعرف كم استنفد وكم بقي، لكن يبدو اننا امام طريق طويلة. هذه حروب جنرالاتها شيوخ وعسكرها من الصغار. ومن المفارقة اليوم ان العقل لا علاقة له بالسن. فقد قرأت مقالة لإحدى كاتبات laquo;النهارraquo; تروي كيف ان الشباب في لبنان صار حديثهم الاول الهجرة، وانها الحل. بإحساس الطيور البرية ينشدون الهروب وترك البلد لمجانينها.

الخلاصة ازمتنا سببها المتطرفون، والحل أيضا يكمن في يد رجال الدين. وما لم يتقدم وعاظ السلم الصفوف منبهين من الفتوق الطائفية فانهم امام حروب تكفيرية متعددة ومتفرعة بين المسيحية والاسلام، والشيعة والسنة، والسلفية والصوفية، والى ما لا نهاية.