الجمعة: 2006.09.29

د. صالح لافي المعايطة

كان بناء القوات المسلحة وما زال وسيبقى المهمة الأساسية والهم الدائم لأي دولة على وجه البسيطة لأنه بمجرد ظهور الدولة تبرز الحاجة فورا لحمايتها وتأمين إستمرار بقائها وكما هو معروف فإن الحماية لا يمكن تأمينها بالشعارات أو بالإعلانات والتصريحات، وبناء القوات المسلحة (الجيش) ضرورة تمليها المعطيات كلها والظروف الموضوعية المحيطة بالبلد.

بعد احتلال الولايات المتحدة للعراق قامت بحل الجيش العراقي ووزارة الدفاع ووزارة الإعلام ولم تفكر بشيئ سوى تنفيذ إستراتيجية تعتقد أنها تضمن تفوقها وإنتصارها كما حصل معها بعد الحرب العالمية الثانية حيث عززت الولايات المتحدة قدراتها العسكرية وكان لديها القدرة الإقتصادية لدعم معظم دول العالم الثالث وإستخدام هذه المساعدات والأدوات للنفوذ والسيطرة على هذه الدول. ولكن هذه الصورة مختلفة تماما في العراق، حيث نجد أن الإدارة الأمريكية غير قادرة على مساعدة الشعب العراقي وهذا يجعلها تعيش حالة تراجع في العراق وفرار إلى الخلف وتلوح بالإنسحاب بعد تسليم الجيش العراقي مناطق المسؤولية.

السؤال الذي يطرح نفسه لماذا حلت الإدارة الأمريكية الجيش العراقي والآن تعيد تأهيله على أسس مختلفة وهل الجيش العراقي قادر على ضبط الأمن في العراق وحماية الحدود مع دول الجوار وخصوصا مع إيران، هل تستطيع الإدارة الأمريكية الإعتماد على الجيش العراقي لحماية الديمقراطية التي تدعي أمريكا أنها أقامتها في العراق وهل ديمقراطية أمريكا هي مجرد ستار للتدخل في الشؤون الداخلية للدولة، وهل إعلان الولايات المتحدة بأن الجيش العراقي قادر على حماية الأمن والنظام في العراق يشكل دبلوماسية إستباقية للولايات المتحدة بعد أن فشلت في الضربات الإستباقية العسكرية.

علينا أن نتوقف عند التصور الأمريكي للعراق الذي عبر عنه ريتشارد بيرل حينما قال: laquo;إن من يسيطر على العراق يسيطر على الهلال الخصيب والجزيرة العربيةraquo; فالعراق يشكل مركز ثقل إستراتيجي ومنطقة حاكمة لتطويق إيران وسوريا وهذا ما يحصل حاليا حيث إيران محاصرة من العراق ومن نظام قرضاي في أفغانستان، إذا أخذنا عدد القوات الأمريكية المتواجدة في العراق وأفغانستان والتي تقدر بحوالي (350)ألف جندي وسوريا محاصرة من العراق وإسرائيل وخصوصا بعد القبول بوجود قوات مراقبة دولية على الحدود السورية اللبنانية.

هذا يقودنا إلى شكل الجيش العراقي القادم هل هو شيعي بنسبة 70% أم خليط من الطوائف الشيعية والسنية والأقليات وجيش أخر مستقل من الأكراد في الشمال بعد رفض رفع العلم العراقي في إقليم كردستان وأين تقع المصالح الوطنية في أولويات هذا الجيش أم هذا الجيش سيكون هدفه هو حماية الطائفية والإقليمية، وهل الصراع في العراق هو صراع على تقاسم السيادة وليس على تقاسم السلطة، وهل الشيعة هم الذين قبلوا التدخل الأمريكي في العراق كضرورة مؤقتة من أجل تقوية مراكزهم ولتكون لهم القيادة السياسية للدولة والقيادة العسكرية للجيش بعد خروج الأمريكان، وهل نتوقع أن يقبل السنه الخروج من موقع الهيمنه للدولة العراقية وهل لديهم القدرة على مواجهة الشيعة والأكراد سياسيا وعسكريا، وكيف يكون وضعهم بعد طرح الفيدرالية من جديد فالشيعة يطالبون بفيدرالية المحافظات والأكراد يطالبون بفيدرالية القوميات وذلك لتقسيم العراق إلى قوميتين عربية وكردية، وهذا ما يقلق دول الجوار العراقي التي يتوزع عليها الأكراد laquo;تركيا، سوريا وإيرانraquo;وهذا هو التحدي القادم للجيش العراقي فهل يستطيع الجيش العراقي أن يبقي العراق متماسكا بين أطماع الغرب وأطماع دول الإقليم إضافة إلى المشكلة الأعقد والأصعب والتي تشكل العقدة في المنشار، ألا وهي قضية كركوك التي تدخل في حلبة الصراع (جدول الهويات) فالأكراد يعتبرونها الوطن والعاصمة) والعرب يعتبرونها مورد حياتهم والتركمان يعتبرنها تاريخهم.

في الختام أقول أن العراق مقبل على سيناريوهات معقدة وشائكة وهي إما التقسيم وإما التماسك وإما إعادة الصياغة الإقليمية في ظل طرح مشروع الشرق الأوسط الجديد وجميع هذه السيناريوهات تشكل ضغطا على الجيش ومسؤولياته وتوجهاته في ظل تعدد المذاهب والإيدولوجيات وتقاطع المصالح والأهداف.

باحث ومحلل استراتيجي