السبت: 2006.09.30

خيري منصور


نشرت ldquo;النيوزويكrdquo; في عددها الأخير وفي صفحتها الأخيرة حوار مع وليد جنبلاط، الآراء التي وردت فيه غير مفاجئة، فهي التي يرددها جنبلاط الابن في كل المناسبات، دمشق وطهران وحزب الله، ومثلث بارمودا المرعب الذي تمثله هذه الأطراف الثلاثة عندما يتحدث وليد جنبلاط عنها.

ما استوقفني في الحوار سؤال واحد، هو ما الذي يقرأه وليد جنبلاط الآن؟

الاجابة ليست كتاباً عن الحرب الأهلية في لبنان أو كتاباً لباتريك سيل عن دمشق أو مؤلفاً لألفرد هاليدي عن طهران.

يقرأ روايات منها ldquo;قلب الظلامrdquo; لكونراد وrdquo;ذئب البحرrdquo; لجاك لندن.. ويبدو أن هناك علاقة ما بين الروايتين وخريف لبنان المبكر.

ldquo;قلب الظلامrdquo;، الرواية الأثيرة لادوارد سعيد والعتبة إلى قلعة الاستشراق الكولونيالي، وجاك لندن واقعي جداً، لهذا يحبه جنبلاط الذي يعترف بالواقعية المفرطة حد التشاؤم.

ولو كان يقرأ مثلاً ldquo;العقب الحديديةrdquo; لجاك لندن لقلنا أن ldquo;البيكrdquo; لا يزال متأثراً بأصدقائه الماركسيين القدامى، لكنه اختار لكاتب واقعي رواية أقل واقعية، مثلما اختار لكونراد رواية تنتهي بتكرار كلمة الرعب ثلاث مرات.

وقد لا يكون المقام مناسباً لمناقشة آراء جنبلاط التي قالت ldquo;النيوزويكrdquo; انها قدمت مقتطفات منها، لكن المرور بهذا الحوار بلا تعليق سينطوي حتماً على تواطؤ، فنحن لا نقرأ لتزجية الوقت، خصوصاً إذا كان المقروء مطبوعاً أمريكياً يصدر بالعربية أيضا.

واستغرب كيف لم يشمل غضب وليد بيك ldquo;إسرائيلrdquo; أيضاً، وهو الذي أعلن عن ضيقه بدمشق وطهران وحزب الله الذي يود أن يكون دويلة داخل الدولة، وrdquo;اسرائيلrdquo; لم تكن ذات يوم بحاجة إلى مناسبة لاجتياح لبنان أو تدمير بنيته التحتية أو سرقة مائه وتجريف تربته، والعبث بأمنه من خلال شبكات الموساد.. واحدى تلك الشبكات تم الكشف عنها قبيل الحرب.

ان الاحتكام إلى المنطق وإلى العقل السياسي الذي لا يجد معادلاً روائياً هو الأساس في فترة حرجة كهذه، لأن الهدنة رغم ارتباطها بقوات دولية لا تقدم ضمانة للبنان. ف ldquo;اسرائيلrdquo; طالما اعتدت على الأمم المتحدة أخلاقياً وقانونياً وعضوياً بقتل بعض الأفراد العاملين فيها.

بل هي قتلت ذات يوم رمز هذه الهيئة الدولية، لهذا فنحن حين نحتكم إلى المنطق حتى لو كان سياسياً واجرائياً وبرغماتياً، فإن الغضب الذي يشعر به زعيم وطني يقف على أطلال بلاده يجب أن يشمل العدو الذي قصف بيروت والجبل والبقاع، وكانت بوصلته لا تستثني شمالاً أو وسطاً أو جنوباً.

إن بطل كونراد يردد كلمة الرعب ثلاث مرات، أما بطل ldquo;ذئب البحرrdquo; فهو الذي لم يبتعد كثيراً عن توأمه في رواية ldquo;العقب الحديديةrdquo;..

ويبدو ان لكل رواية عقب آخيل، كما ان لكل زعيم عقب آخيل أيضاً، فالكمال ليس من نصيب البشر لأنه من صفات الله وما نتمناه بصدق، هو أن يتقي اللبنانيون على اختلاف الطوائف والمواقف ربهم في هذا البلد الذي ما إن تلتئم جراحه حتى تتفتق من جديد، وما ينزفه ليس رماناً أو كرزاً أو توتاً أحمر.. انه دم رجال ونساء وأطفال.. ولن يكون نزيف الخاصرة اليمنى من فصيلة دم مغايرة لنزيف الخاصرة اليسرى أو الجنوبية.