عبد الرحمن الراشد
لم تنطفئ بعد شعلة الخلاف حول حرب الثلاثة والثلاثين يوما بين اسرائيل وحزب الله، وهي لن تهدأ لأنها تعكس الشجار القائم، وكل يستخدمها دليلا على سلامة موقفه. وهنا لا أرى أفضل من الاستعانة بأقوال زعيم حزب الله نفسه والاحتكام الى الوضع القائم، ففي النتيجة الماثلة أمامنا البيان الصريح.
نحن امام لبنان صار مثل البوسنة، مطاره تحت حكم قوات المانية تقوم بتفتيش الطائرات القادمة للتأكد من ان حزب الله لا يتلقى أي عون عسكري. وصار البحر تحت حراسة القوات الفرنسية التي تولت المهمة نفسها بتفتيش كل السفن والقوارب قبل ان ترسو في موانئ لبنان. وبقي طيران اسرائيل محلقا بصفة يومية منذ الحرب يراقب ما يجري على الأرض. اما الحدود التي كانت تحت سيطرة قوات حزب الله تماما قبل الحرب، فقد سلمت للقوات الدولية التي تضاعف عددها وعتادها. وكما قال السيد نفسه، لم تأت لحماية الاراضي اللبنانية التي احتلها الاسرائيليون بعد النصر حتى اليوم. أيضا سلمت المناطق الحدودية للجيش اللبناني الذي كان حزب الله يرفض ارساله، وخون رئيس الوزراء الراحل رفيق الحريري لأنه اقترح نشره على الحدود منعا لأي مبرر اسرائيلي للاعتداء على لبنان.
هذا هو النصر الإلهي، المطار، والميناء، والفضاء، والحدود كلها باتت تحت ادارة قوات اجنبية في بلد لم يرفع فيه كل الركام في ثلث البلاد المدمر.
ولم يكتف المفاخرون بتسمية الصمود بالنصر الالهي، بل أيضا شرعوا في إعادة كتابة تاريخ لم تمض عليه بضعة اسابيع. فقد فاجأنا السيد نصر الله في خطابه الشعبي عندما قال ان وقف اطلاق النار كان خدمة لإسرائيل، وهنا يعني إما اننا نعاني من الهلوسة، وإما أن ذاكرة زعيم المقاومة قصيرة جدا. ربما نسي انه منذ اليوم الثالث للعدوان الاسرائيلي والى اليوم الثالث والثلاثين، وهو يكرر طلبا واحدا؛ وقف اطلاق النار. وكان العدو ايهود اولمرت يماطل رافضا بصراحة وقف اطلاق النار. كما لم يصدر عن حليفي حزب الله؛ سورية وايران، أي عمل دفاعي سوى الإلحاح بالدعوة لوقف العدوان. ولا ننسى ان السيد هاجم بعض الحكام العرب، قائلا إن عليهم ان يكونوا رجالا ويستخدموا علاقتهم مع اميركا لإقناعها بوقف اطلاق النار. وجال رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في اوروبا ونيويورك، ومعه رسالة من حزب الله، اساسها مطلب وقف اطلاق النار. ثم طلب من وزراء الخارجية العرب ان يضغطوا على واشنطن ولندن من اجل وقف العدوان الاسرائيلي. فكيف نقول اليوم ان وقف اطلاق النار كان خدمة لإسرائيل؟
نعم اولمرت يدفع ثمن الحرب في اسرائيل لأنه ظنها نزهة سهلة، فمقاييس الهزيمة هناك هي مثل مقاييس النصر عندنا، أي الصمود. لكن اولمرت يُحاسب ويُساءل ويمكن أن يُقال من منصبه، وهذا هو الفارق الجوهري في كل تاريخ الصراع العربي ـ الاسرائيلي، الذي لم يحاسب عليه احد منذ سبعين عاما وحتى هذا اليوم، كلهم ابطال وكلهم منتصرون والاحتفالات مستمرة.
التعليقات