جميل الذيابي

أهي مشكلة كبيرة لو أجل إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين أسبوعاً أو أسبوعين حتى يعود الحجاج إلى بلدانهم وتنقضي الأشهر الحرم؟

كأن نحر صدام في يوم النحر الأكبر ضرورة من ضرورات الأجندة الأميركية - العراقية. إنها الاستهانة بقدسية الزمان والمكان، والرغبة الحقيقية في تأجيج مشاعر العرب والمسلمين واستثارتها. بل إن هذا القرار كان محل استهجان الجاهل قبل العاقل في كل الأوطان.

هل قرر من خطط ووَقَّت لتنفيذ الإعدام بحق صدام ورفاقه اغتيال فرحة بلاد الرافدين، بنحر صدام مع ضحايا عيد الأضحى في يوم النحر الأكبر؟

إن إعدام صدام في هذا التوقيت بالذات بمثابة نحر للقلوب والعواطف العربية واستهانة كبرى بالمشاعر الإنسانية ومحاولة لاغتيال قدسية أحد الأشهر الحرم (ذي الحجة).

أجزم ان من اتخذ قرار إعدام صدام في هذا الوقت بالذات قد امتلأ قلبه بالحقد، وتمكنت laquo;الكراهية البغيضةraquo; منه، وذهبت من دمه وروحه المبادئ الإنسانية الحقة، ويعيش بلا وازع أو ضمير إنساني حق.

اعتبر كثيرون في مشارق الأرض ومغاربها، أن إعدام صدام في هذا اليوم، مهزلة من مهازل التاريخ الإنساني، وفتح ثغرة من ثغرات الدماء والاختلاف في العراق. وهو كذلك، شاء من شاء وأبى من أبى!

أين هي قيمة الإنسان واحترام عقل وعواطف العرب والمسلمين؟ ألم تكن ذرة من التقدير والاحترام لهذا الشهر العظيم الذي ترقبه أعين أكثر من بليون مسلم في أرجاء المعمورة؟!

هل نعتبر ذلك محاولة للفت الأنظار عن فريضة الحج وأداء الحجاج لنسكهم، بتنفيذ حكم الإعدام في صدام؟

ألم يتذكر من قرر وقت تنفيذ الإعدام، ان صدام كان يحضر إلى المحكمة laquo;زولاًraquo; أي بجسده لا بعقله، فهو أشبه بـ laquo;الميتraquo;، بعد ان سقط نظامه ومرغت بكبريائه الأرض، وقُتل ابناه سوياً (عدي وقصي)، وشردت أسرته وعائلته، وسُجِن رفقاء دربه ووزراؤه؟

ألم يتذكر متخذو القرار أن إعدامه لحظة وصول الحجاج إلى مشعر منى ووقت احتفالهم باليوم الأول للعيد الأكبر laquo;غلطة تاريخيةraquo; واستثارة للمشاعر العربية المحبطة؟

لا نختلف ولا تساورنا الشكوك في أن صدام مجرم وديكتاتور وطاغوت من طواغيت الزمان، إلا ان ذلك لا يعني تنفيذ حكم الإعدام فيه أول أيام عيد المسلمين الأكبر، في وقت يقف المسلمون زرافات ووحداناً في منظر مهيب في المشاعر المقدسة، بزي أبيض كحمامات السلام، يبتهلون إلى الله - عز وجل - بالدعاء والخشوع والخضوع، طلباً للرحمة ومغفرة الذنوب.

لن ننافح ولن ندافع عن صفات وسمات وأعمال وأفعال صدام السيئة التي يستحق عليها حكم الإعدام، إلا ان المصيبة ان ينحر أول أيام عيد المسلمين في laquo;يوم النحر الأكبرraquo;!

مهما فعل صدام من اغتيالات وقتل للأبرياء وإراقة للدماء، إلا ان يوم العيد الأول ليس الوقت المناسب لمشاهدة رئيس دولة عربية لثلاثة عقود ينحر في وقت نحر laquo;الأضحياتraquo;، مهما كانت نوعية أعماله وأفعاله.

لستُ صدامياً أو بعثياً أو من مؤيدي صولات وجولات صدام في عز انتصاراته وحروبه، عندما كان حاكماً ورئيساً لدولة عربية، لكن إعدام صدام في يوم العيد الأكبر للمسلمين بمثابة تشريح الجسم العربي والإسلامي وتحنيطه، وتعريض هيبته للذل والمهانة، وامتهان حقيقي للكرامة الإنسانية جمعاء، بل ان من اتخذ القرار في هذا الوقت بالذات laquo;مغمومraquo; على قلبه، مصاب بحقد أعمى جعل على عينيه غشاوة.

واعتقد ان العراق في خطر إن كانت القرارات المستقبلية ستكون هكذا لا تراعي المشاعر الإنسانية والتواقيت المناسبة التي تحتاج إلى الحكمة والحنكة.

لا أعترض على ما قاله رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، على اعتبار ان تنفيذ حكم الإعدام بحق صدام حسين ليس نابعاً من دوافع سياسية أو عقائدية، لأن الأدلة ثابتة بحق ديكتاتور ارتكب إبان حكمه البائد أبشع المجازر بحق شعبه وشعوب أمته، لكن المحاكمة لم تخل من التسييس، وهذا لا يهمني بقدر ما يهمني إعدام صدام في أول أيام عيد الأضحى المبارك، في وقت كان ينظر العالم أجمع إلى شهر ذي الحجة نظرة احترام وقدسية لمناسبة إسلامية عظيمة.

ليس من المعقول ان من اتخذ قرار الإعدام سواء من العراقيين أو الأميركيين لا يعرف مدى قدسية الزمان والمكان للعرب والمسلمين! إلا إذا كان يراد من ورائه الاستهانة بمشاعر الإنسان العربي والمسلم. فإذا كان الإعدام عملاً مكروهاً وقبيحاً فإن إعدام صدام أثناء مشاهدة وترقب أكثر من بليون مسلم لمناسك الحج في الأشهر الحرم، وتنفيذه مع وصول أكثر من ثلاثة ملايين حاج إلى مشعر منى لذبح الأضاحي ورمي الجمرات والاحتفال بعيد الأضحى عمل أقبح.

من واقع قراءة سياسية بسيطة، فإن كان الإجراء يراد به التهويش والتخويف لقوى المقاومة العراقية وتحجيم عدد العمليات التفجيرية، فلن يحدث ذلك، وسيعود العراق بنيران حطبها أكثر اشتعالاً ولهيبه أقوى ناراً، والدماء ستفوح بها مياه دجلة والفرات.