5 يناير 2007

د. حسن مدن


لأمر ما لم أدرك كنهه، لم أجد الحافز القوي لقراءة كتاب ldquo;السجينةrdquo; لمليكة اوفقير ابنة الجنرال أوفقير عند صدوره منذ سنوات. كنت قد شاهدت منذ زمن طويل فيلماً أجنبياً يحكي جريمة اختطاف واغتيال القائد الوطني المغربي المهدي بن بركة من منفاه في أوروبا، وكان الجنرال محمد اوفقير حينها المخطط الرئيسي لتلك الجريمة. لعل هذا هو السبب، فقد تشكلت لدي انطباعات سلبية عن الرجل، وعلي أن أخمن أن ذلك انسحب على الموقف من كتاب ابنته مليكة التي روت تجربة عائلتها المريرة في السجن مدة عشرين عاما.

القراء، أو غالبيتهم، يعرفون الحكاية ولا شك، فالجنرال محمد أوفقير الذي ولد عام 1920 بدأ حياته جندياً في الجيش الفرنسي في المغرب. مع تدرجه السريع أصبح رئيس مرافقي الملك الأسبق محمد الخامس، وبعد وفاته وتولي ابنه الحسن الثاني العرش في مارس/ آذار 1961 حاز ثقة الملك الجديد. في عام 1965 حيث اختطف المهدي بن بركة كان وزيراً للداخلية. فرنسا التي أيقنت تورطه في العملية حكمت عليه غيابياً بالسجن المؤبد، لكن ذلك لم يغير شيئاً من مكانته لدى الملك، فقد تجمعت بين يديه سلطات كلية، وأصبح، من دون منازع، الرجل الثاني في النظام. لكن سرعان ما دب الخلاف بين الملك والجنرال الذي أصبح وزيراً للدفاع وقائداً لأركان القوات الجوية الملكية. وفي أغسطس / آب 1972 سيتورط الجنرال في محاولة انقلاب ضد ملكه. كتبت مليكة وهي تروي الحكاية: ldquo;كان أبي، الوفي بين الأوفياء، قد خانrdquo;، الرواية الرسمية قالت انه انتحر بعد فشل الانقلاب، لكنهم وجدوا في جسده خمس رصاصات. ينتحر المرء برصاصة واحدة، لا بخمس رصاصات.

حين طالعت كتاب مليكة أوفقير الثاني ldquo;الغريبةrdquo; لمت نفسي كثيراً لعدم حرصي على قراءة تجربتها في ldquo;السجينةrdquo;، فالمعاناة الإنسانية واحدة، يتساوى فيها الفقير ومن كان أبوه جنرالا. مليكة أوفقير في ldquo;الغريبةrdquo; تواصل قص بقية مأساتها ومأساة عائلتها: كيف يمكن لعائلة أن تدفع وزر فعل لا يد لها فيه؟ الجنرال الطموح أراد أن يستأثر بالسلطة، ولكن يقظة الملك كانت أعلى، وحين دفع الثمن الباهظ لطموحه، دفعت عائلته إلى المصير الصعب: البقاء في سجن صحراوي لعقدين من الزمن: ldquo;منذ متى وجريمة النسب موجودة؟ منذ متى على الأبناء أن يعاقبوا بدلاً ممن أنجبهم وجاء بهم إلى الدنيا؟rdquo; هكذا تتساءل الكاتبة.

استأثر كتاب ldquo;السجينةrdquo; بعد صدوره باهتمام الناشرين ووسائل الإعلام، وحتى السينما اهتمت بالحكاية، المذيعة ldquo;أوبراrdquo; صاحبة البرنامج الشهير، والذي يحمل اسمها ويستحوذ على اهتمام اثنين وعشرين مليون مشاهد في الولايات المتحدة، افتتنت بمليكة وكتابها وجعلت منه كتاب الشهر من خلال شرائها لسبعمائة ألف نسخة دفعة واحدة من الناشر الأمريكي.

مشكلة السجن الطويل، كما تدل تجربة كل الذين خبروه، أن معاناته لا تتوقف بانتهاء مدته. انه يلاحق ضحاياه في ما تبقى من حياتهم، حيث يتعين عليهم ترميم ذواتهم المنكسرة، وإعادة مد جسورهم التي تقطعت مع الحياة، ومن هنا عنوان كتاب مليكة الثاني: ldquo;الغريبةrdquo;، في تعبير عن تلك المشاعر المعذبة بالغربة تجاه حياة عزلت عنها عشرين عاما متواصلة، حين تعين عليها وقد تجاوزت الأربعين من عمرها أن تبدأ حياتها من جديد، ربما من نقطة الصفر، ولتجد في الحب ملاذا يعينها على مجابهة حياة غريبة عليها.