الأربعاء 10 يناير 2007
محمد خلفان الصوافي
من حسن حظ الدول العربية، كلها وبلا استثناء، أن quot;إيران الشيعيةquot; تواجدت في كل تفاصيل إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين، بدءاً من تغلغل نفوذها في العراق، مروراً بالمحاكمة وانتهاء بالإعدام، وأخيراً التأييد الرسمي للإعدام. هذا التواجد سمح بتراجع نظرة الإعجاب والتأييد في بعض الأوساط العربية تجاه quot;إيران الشيعيةquot;، والتي استغلت الفراغ الإقليمي وغياب الدور العربي في معالجة قضايا المنطقة! كان ذلك الإعجاب موضع ملاحظة وترقب؛ فبعضه كان من مثقفين وأكثره من الجمهور العربي والجماعات الإسلامية السنية؛ خاصة quot;الإخوان المسلمينquot; والجماعات الجهادية. فقد سوقت الجماعات الإسلامية السنية، ومعها بعض المفكرين الإسلاميين، لدى الرأي العام العربي، لإيران وللشيعة طوال السنوات الماضية، خاصة بعد الصمود الذي أبدته ميليشيا quot;حزب اللهquot; خلال الحرب الاسرائيلية ضد لبنان صيف العام الماضي. الأمر الذي شجع إيران، وبعض الشيعة، على تقديم أنفسهم كطرف يقف في مواجهة إسرائيل في المنطقة. وانتشرت مخاوف العرب الرسميين وبعض المثقفين من أن يثير ذلك الموقف مزيداً من الإعجاب بالنموذج الشيعي، ومن ثم تمدده في المنطقة.
ومعروف أن إيران تنفي دائماً أي تدخل لها في الشؤون الداخلية للدول العربية، بما فيها العراق، رغم أنها منغمسة هناك بوضوح تام؛ فلا يمكن لأحد أن ينكر وجود علاقة قوية جداً بين السلطة العراقية الحالية وإيران، بل لا يحتاج الأمر إلى جهد لكشف الأيدي الإيرانية العابثة بمصير العراق.
انقسم السنة العرب بعد الحرب الإسرائيلية الأخيرة على لبنان، حيال تعاملهم مع الشيعة وإيران الشيعية؛ فمجموعة كانت ترى أن مبدأ quot;التقيةquot; هو الأسلوب الذي تتعامل به إيران مع الجماهير العربية والجماعات السنية المتورطة في علاقات معها، وأن طهران تتحين الفرصة كي تظهر وجهها الحقيقي. وأكاد أجزم بأن هذا واضح الآن، من خلال تصريحات المسؤولين العراقيين ذوي الولاء لإيران، وإن أنكروا ذلك. فهذا هو نوري المالكي يهدد بإعادة النظر في علاقات العراق مع الدول التي انتقدت إعدام صدام حسين. وذلك هو موفق الربيعي يعلن أن الرقص على جثة أحد رموز السنة والتمثيل بها... عادة quot;عراقيةquot;!
أما المجموعة الثانية، فقد رأت في الجماعات الشيعية وإيران نموذجاً للتعامل مع إسرائيل والغرب، بعد أن خذلتهم الأنظمة العربية، ودفعت بعضهم إلى التحالف مع إيران تصدياً للنفوذ الأميركي والإسرائيلي! أما وقد quot;فاحتquot; رائحة طائفيتها وعلا صوتها دون أي اعتبار لمشاعر المسلمين السنّة، فقد تبدلت الصورة وخرجت مظاهرات تندد بإعدام صدام حسين، وبدأ المفكرون الإسلاميون المؤيدون لإيران ولأول مرة يصنفون أنفسهم كسنّة.
ظل صعود المؤشر الشيعي موضع إعجاب دائم من قبل بعض العرب السنّة، وترافق مع هذا الصعود نمو مواز في مطالب المثقفين بعدم التمييز بين المواطنين على أساس مذهبي. واليوم وبعد طقوس إعدام صدام حسين، بدأ أولئك يعيدون النظر في موقفهم من الشيعة، وزادت القناعة بالخطر الذي تمثله إيران وبأن المسألة ليست سوى مسألة وقت.
اختل ميزان الاختراق الشيعي بالاتجاه المعاكس، بعد الفرز الطائفي الذي ظهر في إعدام صدام حسين وما صاحبه من تصريحات... بل أثبت ذلك الاختراق أنه مزيف؛ إذ تحقق نتيجة لحاجة في نفس الشعوب العربية، فعادت الأمور كما كانت قبل quot;حرب الصيفquot;، بعد أن كان من الشائع أن تسمع أوصاف الإعجاب بما حققه الشيعة عندما تتحدث إلى شخص من المذهب السني. والغريب أن يكون التراجع في الدول ذاتها التي حقق فيها الهوى الشيعي صعوداً ملحوظاً من قبل.
المؤكد أن التصرفات غير الحكيمة لبعض الشيعة، ولإيران من ورائهم، في إعدام صدام حسين، فتحت الباب أمام تراجع quot;الإعجاب بالنموذج الشيعيquot; في المنطقة العربية، وظهرت بدلاً منه حالة استياء عربية تبعتها مظاهرات احتجاج وغضب، ليس حباً في صدام، ولكن من القناعة المنتشرة الآن، بأن الشيعة يمكن أن يقدموا نموذجاً سياسياً واجتماعياً مرعباً... إذا ما تمكنوا من الحكم والسلطة!













التعليقات